فى الصغر كنت مجنون كرة قدم. وأتذكر قبل سفرى إلى الخارج أن أحد أصدقاء العائلة عرفنى على أحد المدربين المعروفين. وقد أراد الرجل أن يقدمنى إلى أحد مدربى النادى الأهلى. وعندما ذهبت إلى والدى أزف إليه البشرى فإذا به يمنعنى من لعب الكرة لفترة وكنت فى غاية الحسرة خلال هذه المدة. وأتصور أن حبى للكرة يضاهى حب أغلبية الشعب المصرى. ولذلك قابلت توقيع شراء حق البث التليفزيونى لصالح التليفزيون المصرى بمشاعر مزدوجة. من ناحية فإننى من أنصار إصلاح التليفزيون المصرى ليصبح قوة إعلامية فى المنطقة. قوة مستنيرة مفتوحة لكل المصريين باختلافاتهم واتفاقاتهم. بنجاحاتهم وإخفاقاتهم. قوة لا تتيح للمنصات الإعلامية العالمية والعربية والمحلية السيطرة على العقل المصرى والعربى. أنا لا أريد وسط كل السيولة فى المجتمع المصرى أن تحدد قناتان أو ثلاث أو يحدد خمسة مذيعين أو ستة الرجل الذى سيصبح رئيس جمهورية مصر العربية. كلما زادت المنصات الإعلامية المحلية وأولها التليفزيون المصرى كلما توزع تأثير المحطات المختلفة. وبتعبير أدق فإن سوق الإعلام سوف تكون أكثر عمقا وتزيد المنافسة وهو أمر مستحب. من ناحية أخرى، فإننى من أنصار أن تحصل النوادى على حقها المناسب من الدخل حتى تستطيع الصرف على أنشطتها المختلفة وأولها كرة القدم. إن ميزانيات النوادى كما أسمع من بعض أصدقائى فى مصر مرهقة جدا وهذه النوادى لا تستطيع دفع مستحقات اللاعبين وهؤلاء يحاولون السفر إلى الخارج أو إلى البلاد العربية. لدينا أصل مهم فى هذا البلد وهو الدورى المصرى وقد فشلنا فى تطويره ليصبح علامة مهمة للاقتصاد المصرى. إن مصادر الدخل للأندية كثيرة جدا ولكن أنديتنا اعتمدت على مصدرين أو ثلاثة أهمها الدخل من البث التليفزيونى والإعلانات على فانلة النادى والإعلانات حول الملعب. ومجالس إدارات هذه الأندية تتحمل الذنب فهى لم تطور مصادر تمويلها فى وقت الوفرة وبالتالى فإنها تتأثر بشدة فى وقت الندرة. ولكن هذه قصة أخرى. أتصور أن تقسيم حقوق البث (أرضى مفتوح فضائى مفتوح مشفر إنترنت بث على المحمول أخرى) هو أحد مفاتيح الحل. ويحصل التليفزيون المصرى على حق البث الحصرى بالنسبة للأرضى المفتوح على أن تحدد ما يدفعه كنسبة ثابتة من قيمة ما يدفع من البث الفضائى (60% مثلا من قيمة البث الفضائى). ويدخل فى المنافسة على باقى الحقوق بينما تحصل الأندية على أعلى عائد ممكن من طرق البث المختلفة وبالطريقة التى تراها (تفاوض مباشر / مزايدة). وممكن للدولة فى هذه الحالة أن تحدد القنوات المحلية والإقليمية التى تدخل المنافسة بحيث لا تذهب الحقوق لمن يدفع أكثر فقط. إن فن إدارة الاقتصاد هو أن يتعايش أصحاب المصالح المختلفة فى منظومة تدار بكفاءة ويحصل من خلالها كل طرف على الأغلبية العظمى من حقوقه. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن استغلال كل أصل لدينا بكفاءة ومن ضمنها كرة القدم جزء من الحل.