«دخول مصر لأول مرة القائمة السنوية لمنظمة لجنة حماية الصحفيين الدولية لأكثر عشر دول سجنا للصحفيين يتزامن مع أن كمية و حجم الاعتداءات المباشرة والخطيرة فى حق الصحفيين المصريين الآن غير مسبوقة فى عهد مرسى أو حتى فى عهد مبارك»، كما قال شريف منصور منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة الدولية المعنية بحماية الصحفيين في حوار ل«بوابة الشروق» عبر البريد الإلكتروني من نيويورك، مشيرا إلي أنه على مدى الاعوام الثلاثة الماضية استمرت الحكومات المتعاقبة فى قمع وملاحقة الصحفيين، مؤكدا في الوقت نفسه علي أن هذا لا يعني ان الوضع فى اثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي كان أفضل كثيرا...وإلي نص الحوار: - مع اقتراب الذكري الثالثة لثورة 25 يناير، دخلت مصر لأول مرة قائمتكم السنوية عن أكثر دول العالم سجنا للصحفيين، كيف تري تأثير هذا التصنيف علي مستقبل أوضاع الصحافة والصحفيين في مصر؟ هذا أكبر دليل على عدم تحقيق الثورة المصرية لأهدافها، وبالتحديد لمطلب الحرية. ولكنه أيضا دليل على التحديات الكبيرة التى تقف واجهتها من موروثات قانونية و مؤسسية واجتماعية حادة ساهمت بشكل كبير فى تحجيم نجاح الثورة فى كسر حاجز الخوف عند المصريين و من بينهم الصحفيين ووسائل الأعلام. على مدى الاعوام الثلاثة الماضية استمرت الحكومات المتعاقبة فى قمع وملاحقة الصحفيين ولكن كان تضامن واتحاد الجماعة الصحفية اكبر من القمع وشكل مانع قوى ضد تسلط وتغول هذه الحكومات. ولكن الانقسام السياسي و الاعلامي الحالى قضى على هذه الحالة.وبدون ان يستطيع الصحفيين المصريين من التغلب على حلافاتهم الحزبية وتغليب مبادئ العمل الجماعى ضد الاضطهاد و ان يعملوا سويا من اجل انتزاع حقوقهم القانونية فإن أوضاع الصحافة فى مصر لن تتغير كثيرا مقارنة بما قبل الثورة. -من خلال توليكم مسؤولية متابعة ملف الصحافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هل حرية الصحافة في مصر وملاحقة الصحفيين قضائيا في مأزق أكبر مما كانت عليه في عهد مرسي ولماذا؟ نعم، إن كمية و حجم الاعتداءات المباشرة والخطيرة فى حق الصحفيين فى مصر الآن غير مسبوقة فى عهد مرسى او حتى فى عهد مبارك. فقد سجلنا 5 حالات قتل منذ يوليو و عشرات الحالات من الاعتقال و الاعتداء و المصادرة و التضييق على عمل الصحفيين و وسائل الأعلام. ولكن هذا ايضا لا يعني ان الوضع فى اثناء حكم الرئيس مرسي كان أفضل كثيرا. فقد قتل صحفيين اثنين ولوحق المئات من الصحفيين قضائيا و حوصر وضرب العديد من العاملين فى وسائل من قبل انصار الرئيس محمد مرسي على مدى العام الذى قضاه فى السلطة. - وهل شهدت قائمة هذا العام اختلافات كبيرة في توزيع الدول التي تسجن الصحفيين مقارنة بالعام الماضي؟ ظلت تركيا للعام الثاني على التوالي البلد الذي يسجن أكبر عدد من الصحفيين، يتبعها على مسافة قريبة كل من إيران والصين. أما بقية الدول التي ظهرت على قائمة أسوأ 10 دول من حيث سجن الصحفيين فهي أريتريا وفيتنام وسوريا وأذربيجان وإثيوبيا ومصر وأوزبكستان. دخلت الأردن لأول مرة لقائمة سجن الصحفيين منذ تولى الملك عبد الله للحكم. وحققت سوريا اكبر معدل لخطف الصحفيين منذ بدأ عمل اللجنة حيث تم اختطاف 57 صحفى خلال العام. واستخدمت المغرب لأول مرة قانون الأرهاب فى اعتقال و احتجاز محرر جريدة لكم على انوزلا. تركيا للعام الثاني...أكثر دول العالم سجنا للصحفيين -وكيف تقرأ احتلال تركيا المرتبة الأولي لعاميين علي التوالي، وكيف تري مستقبل حرية الصحافة في انقرة في ظل ما تشهده بلادهم؟ انخفض عدد الصحفيين السجناء في تركيا إلى 40 صحفياً، وكان عددهم 49 في العام الماضي، إذ أفرجت السلطات عن بعضهم حتى انعقاد محاكماتهم. واستفاد آخرون من تشريع جديد يتيح للمتهمين المحتجزين لفترات طويلة قبل المحاكمة الخروج من السجن على اعتبار أن الفترات التي قضوها في السجن هي مدة محكوميتهم. كما أُفرج عن صحفيين آخرين بعد أن أتمت لجنة حماية الصحفيين إحصاءها السنوي في 1 ديسمبر. إلا أن السلطات لا تزال تحتجز عشرات الصحفيين الأكراد على خلفية اتهامات تتعلق بالإرهاب، وتحتجز صحفيين غيرهم بزعم المشاركة في مؤامرات مناهضة للدولة. ويتيح القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب المصاغين على نحو فضفاض للسلطات التركية أن تخلط بين التغطية الصحفية حول الجماعات المحظورة وبين العضوية في تلك الجماعات، وفقاً لما تُظهره أبحاث لجنة حماية الصحفيين. بالطبع تصرفات تركيا فى هذا المجال له انعكاسات خطيرة على وضعها السياسي والاقتصادي وتطلعاتها الاقليمية والدولية. فمصداقيتها كدولة دولة ديمقراطية من حيث اجراء انتخابات دورية مشهود بنزاهتها تتآكل سريعا فور عرض سجلها فى مجال حقوق الانسان فى اى محافل دولية او لقاءات ثنائية مع اى دولة اوروبية او فى اجتماع يضم ممثلين لدول ديمقراطية. لا يوجد تحقيق جاد حول مقتل صحفيين في فض اعتصام رابعة -جاءت مصر في المرتبة الثانية لقائمتكم السنوية للبلدان التي شهدت قتل أكبر عدد من الصحفيين عام 2013، هل الأخطار التي تهدد حياة الصحفيين في مصر متفاقمة أم متلائمة مع المرحلة الانتقالية التي تمر بها؟ حاليا مصر الثالث على القائمة بعد سوريا ( حاليا 23 حالة قتل) والعراق فقد تم تأكيد العديد من حالات القتل فى الموصل مؤخرا مما رفع حالات القتل فى العراق الى 7 حالات و هو اكبر من مصر التى حاليا بها 6 حالات. بالطبع ازدياد حالات القتل ضد الصحفيين مرتبط بما تشهده البلاد من تزايد فى أعمال العنف بصورة عاملة وبالخصوص بتفشي ظاهرة الافلات من العقاب الناتجة من غياب دولة القانون و فشل نظم العدالة فى تعقب وضبط الجناة. وهذه العوامل طبيعية فى المرحل الانتقالية لما تشهده من حدوث فجوات فى النظام السياسي و القانوني و المؤسسي. فنجد فى حالة مصر ان ثلاثة من الصحفيين الذين قتلوا اثناء تأدية عملهم هذا العام تم قتلهم فى يوم واحد ، وهو اثناء فض اعتصام رابعة العدوية. وحتى الآن لم يتم اى تحقيق جاد فى ملابسات هذا الفض و تستمر السلطات المصرية بتجاهل كافة الاعتداءات التى تمت به و بغيره من أحداث خلال العام. -كنتم أطلقتكم حملة مطلع شهر ديسمبر الجاري، تطالب السلطات المصرية بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الصحفيين المصريين في الذكري الأولي لمقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف في أحداث قصر الاتحادية الأولي، ما تقييمك لصدي هذه الحملة حتي الآن؟ جزء من فشل نظام العدالة فى مصر هو تجاهل حالة قتل الحسيني ابو ضيف على مدى على و حاليا استخدامها سياسيا ضد انصار مرسي. ونحن مستمرون فى مخاطبة السلطات المصرية ، و سنقوم بالمتابعة العام المقبل من خلال اللقاءات المباشرة و توثيق و تفعيل كافة الانتهاكات و عرضها فى المحافل الدولية، خصوصا فى الأممالمتحدة و التى قامت مؤخرا بعمل يوم عالمي ضد الأفلات من العقاب فى جرائم القتل ضد الصحفيين. -وكيف استجابة السلطات المصرية مع خطابكم المرسل إلي كلا من مكتب رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور، ونقيب الصحفيين ضياء رشوان النائب العام المستشار هشام بركات بفتح التحقيق بشأن حالات قتل الصحفيين في مصر؟ لم يصلنا رد حتى الآن. عودة باسم يوسف إلي قناة مصرية يزيل الشكوك حول تورط الحكومة في منع ظهوره - من بين كل العاملين في مجال الصحافة والإعلام في مصر، اختارت منظمتكم المذيع الساخر باسم يوسف لتكريمه في جائزتكم السنوية ل"حرية الصحافة"، ما المغزى من هذا الاختيار؟ لقد شرحنا كافة أسباب اختيار باسم يوسف وقتها هى بالطبع مرتبطة فى الأساس متعلقة بتعرضه لضغوط كبيرة من حكومة الرئيس السابق محمد مرسي وملاحقته قضائيا على خلفية اتهامات فضفاضة "بإهانة الرئيس" و "الإساءة إلى الإسلام" و "نشر أخبار كاذبة". وكان باسم يوسف من خلال برنامجه و من خلال مقاله الاسبوعي فى جريدة الشروق قد وقف ضد مساعي حكومة مرسي لقمع حرية الرأي بذريعة حماية الدين. وقبل بضعة أيام فقط من الإطاحة بمرسي، قال باسم لنا "أنا لن أخفف من حدة انتقاداتي، فحرية التعبير ليست هدية، وإنما هي حق إنساني". -وكيف رأيتم منع يوسف من الظهور مرة أخري عقب حلقته المثيرة للجدل حول الفريق أول عبد الفتاح السيسي علي قناة سي بي سي؟ بالطبع نحن دورنا ان نتضامن و ندافع عن باسم وغيره من الصحفيين ممن تعرضوا او قد يتعرضوا لانتهاكات او محاولات للرقابة وباسم و القناة قد اوضحوا من جانبهم ما حدث ويمكنكم الرجوع اليهم مباشرة. لكن باسم يوسف قد صرح لنا و لوسائل اعلام اخرى انه مستمر فى العمل على اصدار برنامجه مرة أخرى ممن داخل مصر مع قناة أخرى و بدون اية اشتراطات على محتوى ما يقدمه و هو ما نتمى ان نراه مستمرا حتى يزيل اية شكوك حول تورط الحكومة المصرية او تطوع قناة سي بي سي لايقاف البرنامج. مستقبل الصحافة في الدستور..تفاؤل حذر -مع نزول المصريين في الاستفتاء علي الدستور الجديد في منتصف يناير المقبل، هل تري أن مواد الصحافة تلبي طموحات ومطالب الجماعة الصحفية في مصر بما يتفق مع المعايير الدولية؟ ولماذا؟ إن الاصلاح القانوني والتشريعي والذى يمكن ان يسهم فى الدفاع عن الصحفيين لم يحدث على مدى العامين المنصرمين و حتى الآن مازال اقل من طموحاتنا وطموحات الجماعة الصحفية فى التعديلات الأخيرة للدستور. لقد شعرنا بالتفاؤل بأن لجنة الدستور قامت بإلغاء بعض القيود الرئيسية المفروضة على الصحافة، ونأمل ان يتم ترجمة هذا فى القانون الجنائي و قوانين الصحافة فى أقرب فرصة بما فيها قوانين القذف، والتي تُستخدم على نطاق واسع لكبح انتقاد المسؤولين. ونرى ان تطلعاتنا كانت ولا تزال اكبر من ذلك حيث اننا نأمل ان تكون تهمة التحريض على العنف التى ظلت موجودة يتم تقيدها بالمعايير الدولية لحرية التعبير. وهى مبادئ جوهانسبرغ المعترف بها دولياً والتى تعرّف التحريض على العنف في سياق الأمن الوطني بأنه "السعي للتحريض على عنف وشيك"، "من المرجح أن يثير مثل هذا العنف"، وأن يكون ثمة "ارتباط مباشر وفوري بين التعبير واحتمالية أو حدوث مثل هذا العنف". ويجب أن ينص القانون المصري على توفير ضمانات كافية ضد إساءة استعمال السلطة، بما في ذلك "التفحص القضائي السريع والكامل والفعال" وفقاً لهذه المبادئ والتي تم إقرارها في عام 1995 من قبل خبراء في القانون الدولي والأمن الوطني وحرية التعبير. كما أننا نطالب بعدم تدخل الحكومة من خلال المجالس الجديد التى شرعها الدستور لضمان استقلال مؤسسات الاعلام بشأن وضع اية مواثيق للعمل الصحفي. حيث ان القرارات المتعلقة بذلك أن تُتخذ بصفة مستقلة من قبل الصحفيين المصريين وبناء على سلطتهم التقديرية والحصرية. كما ايضا نريد ان نرى ضمانات قانونية اكثر لاستقلال الجهاز القضائي المدنى بحيث يتم حظر المحاكمات العسكرية للمدنيين، بمن فيهم الصحفيون. فيجب أن تكون المحاكم المدنية فقط هي المخولة بالنظر بصفة مستقلة ومحايدة بجميع القضايا التي تتعلق بحرية الصحافة.