فقط النظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ هى التى تدفع بشعوبها إلى الارتكان إلى أنماط إدراكية وسلوكية مرضية تستدعى علاجا نفسيا جماعيا. وحزنى عظيم على وطنى وبنى قومى ونحن أصبحنا اليوم فى احتياج شديد إلى علاج جماعى لكى نقاوم أنماط إدراك جوهرها الطعن فى الوطنية والتخوين والإقصاء وتعميم العقاب وأنماط سلوكية تمارس العنف وتبرر انتهاكات الحقوق والحريات وترفض الاختلاف فى الرأى. نعم، نحتاج اليوم إلى جلسات علاجية فردية وجماعية لكى ندرك أن معارضة ترتيبات ما بعد 3 يوليو 2013 ورفض المواد الدستورية والقوانين والممارسات القمعية والمطالبة بمحاسبة المتورطين فى انتهاكات حقوق الإنسان ليست خيانة للوطنية أو طعنا فى مصر، بل هى فى حدها الأقصى دفاع عن وطن نحلم به عادلا وديمقراطيا وفى حدها الأدنى (بتجرد شديد وبنسبية قيمية) مبادئ وقيم وآراء لها من يقتنع بها ومن يرفضها. نعم، نحتاج اليوم إلى جلسات علاجية فردية وجماعية لكى ندرك أن التخوين عند الاختلاف فى الرأى والقصف الإعلامى (فى المطبوعات الصحفية والقنوات التليفزيونية والإذاعية) المروج لإفك العمالة والطابور الخامس يتورطان فى نفس الخطيئة الإنسانية والأخلاقية للتكفيريين ولمجيزى القتل على الرأى والفكرة وليس فقط على الدين والمذهب والهوية، خطيئة ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة وتبرير الاغتيال المادى أو المعنوى للمختلفين وعقابهم جماعيا نعم، نحتاج اليوم إلى جلسات علاجية فردية وجماعية لكى ندرك أن تبرير العنف والتحريض عليه وممارسته كأنماط سلوكية تأتى بعد اكتمال الدائرة اللعينة للتخوين (أقوال الإفك المأثورة الآن «ليعد البرادعى وحمزاوى وغيرهما إلى الغرب الذى جاءوا منه») أو للتكفير (أقوال الإفك المأثورة قديما «على من يعارض تديين الدولة والمجتمع ويدافع عن مدنيتهما أن يقبل نتائج غزوة الصناديق صاغرا أو يغادر إلى كندا») بنزع الإنسانية عن المختلفين واستباحة كرامتهم الإنسانية وحقوقهم فى الحد الأدنى واستباحة دمائهم فى الحد الأقصى. نعم، نحتاج اليوم إلى جلسات علاجية فردية وجماعية لكى نتجنب الإطلاق الكامل لطاقات العنف والكراهية الحاضرة دوما لدى بنى البشر (كما يقول ابن خلدون ونيتشه وسيجموند فرويد) والتى رتبت انهيار الحضارات والدول والمجتمعات ولم يكن تجنبها أبدا إلا فى بناء إنسانى ومجتمعى يدفع بالجمال والحب والتسامح والعدل والحق والحرية ويجتهد باستمرار لضبط حركة الأفراد والمجموعات عبر أدوات القانون والتعليم والوعى. نعم، نحتاج اليوم إلى جلسات علاجية فردية وجماعية ساحاتها ينبغى أن تكون المدارس والجامعات، الكنائس والمساجد، ميادين يغيب عنها العنف الرسمى والعنف الأهلى، أما السياسة والإعلام وهما وظفا فى دول ومجتمعات كثيرة إن بعد ثورات أو فى سياق تحولات مجتمعية كبرى أو بعد صراعات وحروب أهلية لممارسة العلاج النفسى الجماعى فيتعين إخراجهما من حساباتنا المصرية، فهما أصل الداء وسبب الابتلاء. وفى الشأن الخاص، واعترافا منى بأن طاقتى النفسية وليس السياسية على مقاومة إفك التخوين والطعن فى الوطنية وتبرير العنف والعقاب الجماعى باتت تتراجع (ولأمر آخر يتعلق بنصيحة طبية بالراحة لبضعة أيام بعد وعكة صحية ألمت بى مؤخرا)، سأتوقف عن كتابة هوامش الديمقراطية حتى نهاية الأسبوع الجارى على أن أعود يوم السبت القادم حاملا ربما بعض الأفكار والمقاربات الجديدة لمواصلة الدفاع عن الديمقراطية ورحلة الانتصار لمبادئها وقيمها وإجراءاتها.