كتب مصطفى أكيول، مؤلف كتاب «إسلام بلا تطرف.. حجة مسلمة للحرية»، مقالا بجريدة النيويورك تايمز جاء فيه: هناك جدل ساخن فى تركيا هذه الأيام بشأن ما إذا كانت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تعزز الديمقراطية أم تحد منها. ويشير الكاتب الى قول المتفائلين إنه بفضل الحد من الأثر الضار للجيش الذى هيمن طويلاً على البلاد، يتمتع الأتراك الآن بديمقراطية حقيقية لأول مرة. إلا أن آخرين يقولون إن السيد أردوغان فى سبيله لأن يكون سلطويًا بعد عشر سنوات فى السلطة، وإن تركيا أقل حرية من أى يوم مضى. لا يمكن تأييد أى من هذين الرأيين المتعارضين تأييدا بشكل مقنع. إذا انتقى المرء الحقائق بعناية، وهو ما يفعله مؤيدو السيد أردوغان ومعارضوه بانتظام بينما يتجاهل الجميع كل الحقائق المخالفة. إذا نظرنا إلى حقوق الأقليات الكردية أو المسيحية، على سبيل المثال، سنجد الكثير من الأسباب لامتداح السيد أردوغان. فقد نفذ الإصلاحات الأكثر ليبرالية التى شهدتها تركيا حتى الآن بشأن هذه القضايا، بالإضافة إلى ذلك عُدلت القوانين لتحسين حقوق النساء وحماية الأقليات بما يتفق مع المعايير الأوروبية. وينبغى كذلك النظر إلى الرفع الأخير للحظر عن الحجاب الذى كان ممنوعًا فى المؤسسات العامة على أنه خطوة إلى الأمام بالنسبة للحرية الدينية. لكننا إذا نظرنا إلى حرية الصحافة، تصبح الصورة سوداء. فقد قلت حرية الإعلام التركى فى السنوات الأخيرة.
••• ويقول أكيول إن الحقيقة البسيطة التى لا يرغب أى طرف من الطرفين قبولها هى أن حكومة السيد أردوغان تعزز الديمقراطية على بعض المستويات، بينما تعوقها على مستويات أخرى. يحدث هذا لأنه مع أن السيد أردوغان مدافع مخلص عن الديمقراطية الانتخابية (حيث يفوز باستمرار)، فهو ليس مغرمًا إلى حد كبير بالديمقراطية الليبرالية. إذ لا تبدو بعض مبادئ الليبرالية السياسية الأساسية ذات أهمية كبيرة فى رؤيته السياسية. ويرى الكاتب أن لشخصية السيد أردوغان الأبوية كذلك دور فى هذا كله. فهو يرى نفسه أبًا محبًا وراعيًا لأمته، والجانب الإيجابى لهذه الرؤية هو عشر سنوات من التقدم الهائل فى الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم والنقل. أما الجانب السلبى فهو عندما لا يمتدح معارضوه بشكل جماعى منجزاته يراهم أطفالاً عصاة يستحقون التوبيخ. ••• ويضيف الكاتب أنه على الرغم من معارضة ليبراليين كثيرين لحكمه، فقد عزز عصر أردوغان بالفعل عددًا من القضايا الليبرالية التى لا تخطئها عين. وقد جاء حزبه العدالة والتنمية إلى السلطة برسالة تغيير شجاعة. إذ كانت «تركيا القديمة» على قدر كبير من العسكرية والقومية والقمع. وأقسم الحزب بأن يحرر ليس فقط قاعدته التصويتية بل كذلك الجماعات المهمشة، كالأكراد والأرمن واليونانيين. وهذا هو السبب فى تأييد الطبقة المثقفة التركية، التى كانت تحلم دومًا بالديمقراطية الليبرالية لكن لم تكن لديها قط سلطة بنائها، لأردوغان. وهذه كذلك الطريقة التى أصبح بها التحالف الإسلاموى الليبرالي «البطة السوداء» بالنسبة للنخبة القديمة التى تشمل جنرالات الجيش السابقين المسجونين الآن لتخطيطهم انقلابًا ضد السيد أردوغان. ومازال بعض الليبراليين الأتراك يؤيدون السيد أردوغان فى تفكيك «تركيا القديمة»، غير أن آخرين هجروهم قائلين إن «تركيا الجديدة» الخاصة به خلقت مشكلات تتراكم بمرور السنوات حيث تفسد السلطة من يتولونها. وفى وقت لا يبدو فيه حزب معارض كبير قادرًا على تقديم رؤية أفضل، من السذاجة أن نأمل ظهور الديمقراطية الليبرالية من أى حزب وحيد أو لحظة ثورية ما. بل إنها ستأتى من خلال الإصلاح التدريجى. ••• ويختتم الكاتب المقال قائلا، على الرغم من كل اتجاهات حزب العدالة والتنمية الليبرالية، جدير بالذكر أن حقبة ما قبل أردوغان العلمانية بشدة، التى يصورها بعض الأتراك الحالمين بالعودة إلى الماضى على أنها لحن ديمقراطى قديم، كان فى واقع الأمر أقل حرية بكثير فى كل الجوانب تقريبًا. على العكس من نزعة المبالغة فى الأخطار الخاصة بالمشتاقين إلى الأيام الخوالى ومهاجمة الحكومة الحالية فى كل فرصة، فإن تركيا فى سبيلها إلى أن تصبح إيران أو سعودية أخرى أو شيئًا مثل روسيا فلاديمير بوتين. لكن من المؤكد أنها ليست ديمقراطية ليبرالية بالكامل بعد. ولكى يجعلها السيد أردوغان وحلفاؤه ديمقراطية ليبرالية بالكامل، لابد لهم من قبول أنه لا يمكنهم تعزيز الديمقراطية بمجرد التفاخر بتصحيح أخطاء أسلافهم. والواجب عليهم كذلك مراجعة فترة حكمهم التى دامت عشر سنوات والاعتراف بأخطائهم وتصحيحها.