فى الوقت الذى يحتفى فيه العالم بالأفلام المصرية فى المهرجانات المختلفة، والتى تحصد من خلالها هذه الأفلام جوائز وتكريمات عديدة، يعانى أصحابها من الحصول على فرصة عرض جيدة داخل مصر، وإذا حصلت تجدها فى عدد محدود جدا من النسخ وفى دور عرض غير جماهيرية، وهو الشىء الذى يراه البعض عدم إنصاف وأنه لا كرامة لفيلم جيد فى وطنه، فى حين يرى البعض الآخر أن الأزمة الحقيقية فى صناع هذه الأفلام الذين ألغوا الجماهير من حساباتهم، فبالتالى أصبح غير مرحب بهم، والساحة يمتلكها السبكى وأوكا وأورتيجا.. «الشروق» تفتح ملف أفلام المهرجانات والجوائز وأحوالها.. المخرج أحمد عبدالله صاحب أحدث تكريم من مهرجانات دولية، حيث حصد فيلمه «فرش وغطا» جائزة من مهرجان مونبلييه أكد أنه يعلم جيدا ان فيلمه لن يلقى رواجا تجاريا كبيرا ويقول: الحقيقة أن فيلم ميكروفون تعامل معه الموزعون بصورة جيدة وعرض بعدد كبير من دور السينما، لكن أزمته أنهم عرضوه يوم 25 يناير 2011 أى فى اليوم الذى اندلعت فيه الثورة، ولذلك لا يجب الحكم على تجربة ميكروفون التوزيعية على الأقل من وجهة نظرى، أما «فرش وغطا» فهو نوعية مختلفة لا أعتقد أنها فى أى مجتمع يمكن أن تكون جماهيرية لأننا كنا ونحن نستعد لعمل الفيلم نريد أن نجرب طرق حكى مختلفة وطرق تناول سينمائى بقدر ما هى جديدة وليس هدفنا الأول هو أن يحظى الفيلم بإيرادات شباك تذاكر جيدة وإنما نتمنى أن نحظى بخطة توزيع لائقة حتى تصبح نوعية الأفلام التى نقدمها موجودة ويمكن أن تحترم. احمد عبد الله يقول عن الاتهام بعدم القدرة على تواصل أفلام الجوائز مع جمهور شباك التذاكر: هذه ليست تهمة لأنه فى النهاية أعظم الفنانين التشكيليين ليس لديهم جمهور واسع، ونفس الحال مع الأدباء والمثقفين الذين لا يقاس نجاحهم بالجمهور حولهم، وإنما المسألة مرتبطة بثقافة هذا الجمهور أصلا، ونحن تأتينا عروض للفيلم لعرضه فى فرنسا وهولندا وألمانيا، وهى مجتمعات غريبة علينا ومجتمعات ربما طبيعة الفيلم لا تعنيهم، لكنهم مستعدون لتقبل العمل والانفتاح على سينما مغايرة لهم، لكن ربما الجمهور لدينا ليس لديه هذه الرغبة، ونحن نسعى إلى أن نعود الناس على أعمالنا، وليس الحل كما يظن البعض بأننا نقدم الأفلام التى يريدونها لأننا سوف نكون نسخا جديدة من الموجود على الساحة الآن ونحن لا نستطيع أن نكرر أحدا، وهذا ليس علاجا وإن كنت أتمنى أن تظل الأفلام التجارية موجودة لأنها تساعد فى الصناعة، ولكن نتمنى من الموزعين أن يكونوا أكثر استنارة وانفتاحا عندما تعرض عليهم أعمالنا وإن كنت أعرف أن هذه المسألة سوف تأخذ وقتا ما، وعن وجود أفلام الجوائز فى دور العرض المصرية يقول احمد عبدالله: أعتقد أن فيلمى وفيلم هالة لطفى الخروج إلى النهار سوف يعرضان قريبا، وأتمنى أن ننال نفس القدر من الترحيب الذى نجده من أصحاب دور العرض خارج مصر الذين يرحبون بأفلامنا حتى لا يكون بالفعل لا كرامة لفيلم فى وطنه، وأعتقد أن المسألة كلها ليست سوى نوع من الكسل، وأصحاب دور العرض والموزع يبحثون عن المشروع الذى يحقق ربحا سريعا، وليس لديهم استعداد للمغامرة فأنا أتعجب من الذى يعرض فيلما واحدا فى ثلاث شاشات لديه، ولم يفكر فى عرض فيلم آخر فى أصغر قاعة، وهل يعلم أحد فربما يحقق الفيلم الآخر نجاحا يفوق الفيلم، الذى يحمل تركيبة النجاح، التى يراها البعض تجربة مضمونة، لكن للأسف الكسل يجعلهم لايفكرون أبدا فى أن أى فن يجد من يدعمه بدليل الموسيقى البديلة تحقق نجاحا كبيرا، ولها جمهورها، وربما السينما البديلة تفعل ذلك لو تم الاهتمام بها. المنتج أحمد السبكى واحد من صناع السينما التجارية له وجهة نظر خاصة فى أفلام الجوائز، ويقول: بداية أنا لست مقتنعا أصلا بالمهرجانات التى تمنح هذه الأفلام جوائز، وأغلبها تقوم بعرض الأفلام وإحضار النجوم من أجل «المنظرة»، وليست مهرجانات حقيقية، ولذلك فصناع الأفلام التى تأخذ جوائز لا يهتمون بالناس بقدر ما يهتمون بهذه المهرجانات أصلا وأفلامهم تصنع لهذا الغرض، وهى أفلام تتم بميزانيات قليلة وتقنية أقل وبممثلين مغمورين أو ممثلين لا تتقاضى أجورا أصلا، وتريد أن تصبح أبطالا وعدد أيام التصوير تكون أقل، ويقوم المخرج بتصوير الشوارع قذرة، ويروج لأفكار غريبة تعجب الأجانب أكثر ولذلك من يعملون فى هذه الأفلام ليست لهم علاقة بالصناعة أو السوق وهم لهم تركيبتهم الخاصة وأفكارهم الخاصة التى ربما لا تكون طبيعية، ولذلك الجمهور لا يعرفهم ولا يهتم بهم. أحمد السبكى يقول عن إمكانية إنتاجه لفيلم مستقل مشابه لأفلام الجوائز: ولا عمرى أفكر فيها ولا أريد أن أقدم أفلاما لا يراها الناس، أنا أصنع أفلامى للجماهير، ولا أعتقد أن من بينهم أحدا يمكن أن يثق فيه الناس، ويحقق نجاحا فنيا وجماهيريا مثل الفرح أو كباريه أو ساعة ونص وغيرها، أتحدى أن يقوموا بعمل مثل هذه الأفلام، وأظن أنهم لا يعرفون الشارع المصرى ولا يشعرون به وإذا تحولت السينما كلها إلى سينما جوائز أو أفلام مثل التى يقدمونها سوف نفلس جميعا والصناعة سوف تنهار وتفتح الباب امام الفيلم الأمريكى ليحتل دور العرض المصرية ولا أحد يهتم بذلك هم فقط يريدون السفر إلى هذه المهرجانات الوهمية. أفلام متوسطة المنتج والموزع هشام عبدالخالق يضع توصيفا للحالة التى يعانيها أصحاب أفلام الجوائز والمهرجانات مع شباك التذاكر ويقدم حلا يراه مناسبا لجميع الأطراف، ويقول: فى البداية لابد وأن نعرف ما هى السينما المستقلة، وهى فى رأيى أنها الأفلام التى يقوم أصحابها بعملها على نفقتهم الخاصة أو تلك التى تحصل على تمويل من الخارج أو دعم من شركات من الداخل، وهذه الأفلام تحصل على الدعم وفقا لمواصفات خاصة ليس من بينها إرضاء الجماهير مثل كثير من أفلام شاهين التى حصلت على دعم من جهات لا تهتم بالجماهير، وبالتالى يحاول صانع الفيلم إرضاء الجهة الداعمة وتلبية شروطها ونفس الحال مع الأفلام قليلة التكلفة التى يحاول أصحابها أن يقدموا وجهة نظر خاصة أو أسلوب سرد أو طريقة عمل مختلفة، وفى الحالتين الجمهور ليس فى حساباتهم، وهم يهتمون بعرض الأفلام فى المهرجانات التى تعطيهم أموالا عند اشتراكهم، وهذه الأموال تمكنهم من عدم الخسارة، وهم يريدون عرض الأفلام فى دور العرض ربما تحصل على إيرادات ما حتى لو كانت ضعيفة. ويضيف: الموزع يريد أن يستمر وهو يتربح من عمله بتوزيع الأفلام، ولديه موظفون وعمال ومصاريف، ويريد أن يقوم بهذه الالتزامات من خلال ربحه الذى يمثل 10% من الإيرادات والأفلام المستقلة مجازا سوف تربح فى أقصى طموح لها مليون جنيه مما يعنى أنه لن يحصل بعد توزيع الأرباح سوى على مبلغ محدود فيفضل أن يضع جهده وعمله مع فيلم يحقق خمسة أو عشرة ملايين أفضل بكثير من تلك الأفلام التى سوف تشغل قاعات العرض دون مردود مالى. هشام عبدالخالق من خلال شركة الماسة قرر خوض تجربة جديدة يقول عنها: سوف نقوم بإنتاج فيلم كبير مثل الجزيرة 2، وفى نفس الوقت قررنا دعم بعض الأعمال المهمة المتوسطة الإنتاج من أجل إنقاذ الصناعة وعدم تركها أمام طوفان أفلام استهلاكية فقررت دعم أفلام فيللا 69، ولمؤاخذة وسوف أقوم بتوزيعها فى منتصف ديسمبر، والآخر فى منتصف العام وسوف نساند أفلاما أخرى مثل «أولاد رزق» لطارق العريان، وهناك أعمال يتم التحضير لها قريبا، وأظن أن هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ السينما أن يدعم الموزع الأفلام الجادة والمتوسطة إلى جانب الإنتاج الكبير حتى لا نترك الساحة للأفلام التى نرفضها، لكننا مضطرون لها لأنه لا يوجد غيرها، وسوف نبدأ فى التعامل مع أصحاب دور العرض بالتفاهم والتفاوض، وأظن أنه سوف يوافق على عرض جميع الأفلام سواء المتوسطة الإنتاج التى سوف نعرضها فى عدد أقل من دور العرض أو تلك التى يريدها هو حتى يحقق أرباحا منها لقاعاته السينمائية. النقاد هى أزمة ثقافة.. بهذه الجملة بدأ الناقد احمد رأفت بهجت حديثه عن الفجوة الموجودة بين الأفلام المصرية، التى تحقق النجاح خارج الحدود وبين جماهير دور العرض المصرية ويقول: فى الستينيات والسبعينيات لم تكن تشعر بهذه الأزمة رغم أن الفيلم التجارى متسيد من فترة طويلة، لكن كان هناك التحام بين قضايا المجتمع والسينما، وبالتالى لم تكن تشعر بهذه الأزمة ولكن الآن عملية الانهيار القائمة فى المجتمع، وفى السينما هى السبب ولا أعفى صناع هذه الأفلام من المسئولية عن هذه الفجوة أيضا، فأنا أرى أن صناع الأفلام هذه الأيام يستقون ثقافتهم من الفضائيات والاحتكاك السطحى لقضايا المجتمع ومن خلال سرعة الإنتاج وعناصر كثيرة، وتشعر وأنت تشاهد هذه الأفلام أنك أمام لوحة غير أصلية، حتى إن البعض من هؤلاء يحاول أن يتعالى على الجمهور بأفلامه، ومن الطبيعى أن تجد أحجاما من الجماهير والفيلم الذى يحترم الجمهور، ويقدم قضية حقيقية ينجح، هو من المحتمل ألا يحقق نجاح أفلام السبكى مثلا، لكن فى النهاية سوف يقابل باحترام لكن عندما يكون صانع الفيلم يفكر فى المجتمع الغربى، وليس المصرى يمكن أن يحقق نجاحا فى هذا المجتمع، لكنه فى النهاية لن يحظى باحترام الجمهور المصرى الناقد على أبوشادى لا ينزعج من افتقار أفلام الجوائز للجماهير، ويقول: العالم كله يتعامل مع أفلام المهرجانات والأفلام الخاصة بطريقة مختلفة عن تلك التى يمكن أن نطلق عليها الأفلام التجارية وليس لدينا فقط، المشكلة عندنا أنها زيادة بعض الشىء، فالموسيقى الكلاسيكية يختلف الإقبال عليها بالطبع عن الموسيقى الشعبية، وأنت ترى المهتم بالموسيقى الكلاسيكية لديه استعداد لأن يجلس لأكثر من ساعة دون أن يحرك ساكنا، وهو يختلف تماما عن المهتم بموسيقات الشباب أو الموسيقى الشعبية، والحقيقة أن المسألة كلها ترجع إلى التربية الفنية والقدرة على التذوق، ودائما يقولون أنه حتى تحب السينما لابد وأن تفهمها، وهذا ما ينقص المتفرج المصرى دائما وهو ما يفرق المتفرج العادى عن الناقد الذى يفضل أفلاما مختلفة عن تلك التى تعرض فى شباك التذاكر، وتحقق نجاحا جماهيريا.