ليس من المستغرب أن يكون الموضوع الأساسى الذى يشغل الجمهور فى إسرائيل هو سفر الشباب وهجرة الأدمغة إلى دول الرخاء فى أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا. فزعماء إسرائيل ولا سيما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذى يحذر من محرقة جديدة تهدد اليهود، لا يقدمون أى أمل للجيل الشاب. • لقد عاد نتنياهو هذا الأسبوع إلى جامعة بار إيلان لتحديث الخطاب الذى ألقاه هناك قبل أربعة أعوام ونصف العام حين أيد لأول مرة دولة فلسطينية. فى هذه المرة، صوّر نتنياهو الإيرانيين، وكذلك الفلسطينيين وكأنهم نازيون، واستخدم مساعد أدولف هتلر المجرم النازى ديتر فيسليتسنى كى يصف المفتى الحاج أمين الحسينى باعتباره شريكا فى المحرقة، وليوبخ السلطة الفلسطينية لإحيائها ذكرى الحسينى. خلاصة الكلام واضحة، فاستنادا إلى كلام نتنياهو، لا يمكن التحاور مع ورثة شركاء النازيين الذين عايشوا «أجيالا من التحريض»، وفى الإمكان التوصل إلى اتفاق فقط حين يوافق الفلسطينيون على مطالب مرفوضة من جانبهم أى الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» وترتيبات أمنية بعيدة المدى. • فى اليوم التالى للخطاب، استقبل نتنياهو فى القدس رئيس تشيكيا ميلوش زمان، وقارن ضمنيا بين الوضع الحالى فى إسرائيل ووضع تشيكوسلوفاكيا سنة 1938. والرسالة هى أن الغرب من خلال تقربه من إيران، يساهم فى تعريض إسرائيل للتدمير مثلما جرت التضحية بتشيكوسلوفاكيا عندما حاولت بريطانيا استرضاء هتلر. • يمكننا أن نفهم الدوافع السياسية لنتنياهو، فتأييده المتحفظ لدولة فلسطينية (فى خطاب بار إيلان 2009 ) كان يهدف آنذاك إلى إرضاء الرئيس باراك أوباما، وكان بمثابة دفعة مسبقة على حساب عملية أمريكية فى المستقبل ضد المنشآت النووية فى إيران. وعندما أدرك نتنياهو أن أوباما لن يتحرك ضد إيران، رد عليه بالتخلى عن حل الدولتين وبتدمير أساس المفاوضات مع محمود عباس، وبتصوير تسيبى ليفنى وكأنها تتمسك بالبقاء فى الحكومة وإدارة مفاوضات عقيمة. • لكن خطورة رسالة نتنياهو تجاوزت غرف المفاوضات ووصلت إلى كل مواطن فى إسرائيل: فإذا كانت دولة إسرائيل على طريق الدمار والموت، أو على طريق الحرب التى لا نهاية لها مع ورثة النازيين، يصبح فى الإمكان تفهم الشباب الذين يبحثون عن مستقبلهم فى أماكن أخرى. • يتجاهل نتنياهو المخاوف الاقتصادية للطبقة الوسطى، ويتمترس وراء خطاب المحرقة، وتقوم حكومته بتطبيق جدول الأولويات الذى يتبناه حزب الليكود منذ 1977، أى ضم الضفة الغربية ورعاية المجتمع الحريدى المعفى من الخدمة فى الجيش ومن العمل. لقد تبددت منذ وقت طويل الوعود الجوفاء للشركاء فى الائتلاف بشأن «المساواة فى تحمل العبء» (أى تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية على تلامذة المدراس الدينية)، ولم يبق سوى توبيخ المساكين الذين استوعبوا رسالة نتنياهو واختاروا لأنفسهم مستقبلا أكثر ضمانة فى الخارج.