ليست مصادفة بحتة أن تنتشر صورة الطفل الذي يسلّم على الرئيس جمال عبد الناصر، والمزعوم أنها للفريق عبد الفتاح السيسي، وفقا لرأي خبراء الاجتماع السياسي. تسريب هذه الصورة لوسائل الإعلام قد يكون لهدف معين، مثل «عمل ربط بين السيسي وبين عبد الناصر في أذهان الناس كشخصية وطنية» في رأي الدكتور سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية. يتشابه وزير الدفاع الحالي مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في نقاط شخصية وسياسية، أولها أن المعارضة في الفترتين كانت «إخوانية» بشكل أساسي. ناصر وأمريكا: الهدوء قبل العاصفة لم تمض علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بثورة 23 يوليو 1952 على وتيرة واحدة، حيث أبدى البيت الأبيض دعمه للثورة في بداياتها، وانتهى الأمر بانحيازه الشامل إلى إسرائيل في حرب1967، والتي خرجت منها مصر بالنكسة. وعقب قيام الثورة، أرسل عبد الناصر علي صبري «قائد الأسراب» إلى السفارة الأمريكية لطمأنتهم على أرواحهم ومصالحهم، ولأنه لا يريد أن تكون أمريكا عائقاً أمام الثورة. 1953: حاولت أمريكا ضم عبد الناصر في صفها، فقدمت ثلاثة ملايين دولار كدعم للمساعدة فى بناء محطة إذاعية قوية، ووعدت بمساعدة عسكرية واقتصادية أمريكية، لكن ناصر استخدام قسما من هذا الدعم فى بناء برج القاهرة. وفي سبتمبر 1955 أبرم عبد الناصر صفقة الأسلحة التشيكية، التي بلغ ثمنها 250 مليون دولار، ليبدأ الفتور في علاقة مصر بأمريكا. في يونيو 1956 سحبت الولاياتالمتحدة عرض تمويل مشروع السد العالي، وهو ما دفع عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس في يوليو 1956 كضربة مقابلة. السيسي وأمريكا: تصريحات غامضة انعكست الصورة في أزمة 30 يونيو 2013 السياسية بمصر، فلم تبدأ أمريكا بالدعم مفضلة أن تراقب المشهد في مصر قبل أن تنحاز لأحد الطرفين. كان موقف أمريكا تجاه الأحداث وظهور الفريق أول عبد الفتاح السيسي بشكل قوي على الساحة غامضا، فقبل 30 يونيو حثت الخارجية الأمريكية الحكومة المصرية على حماية حق المصريين في التعبير عن آرائهم وأكدت على دعمها للشعب المصري كله وليس حزب بعينه. وبعدها لم يحصل الرئيس محمد مرسي على فرصة لتوضيح حقيقة تصريحاته، يوم 2 يوليو السابق لعزله، بشأن اتصال أوباما به للتأكيد على أن إدارته تتعامل مع «الرئاسة المصرية المنتخبة». في نفس اليوم.. كان على البيت الأبيض أن يكذّب ما نقلته الرئاسة، ويقول إن الرئيس الأمريكي اتصل بمحمد مرسى لحثه على الاستجابة لمطالب المتظاهرين. بعد عزل مرسي قالت الخارجية الأمريكية إن «الولاياتالمتحدة لا يمكنها تأكيد إن كان ما حدث انقلاب عسكري». وبعد استحالة عودة مرسي إلى الحكم.. الخارجية الأمريكية يوم 7 يوليو تنفي فيه ما تردد عن تأييدها للإخوان، وقالت عن حكومة مرسي إنها «لم تكن حكما ديمقراطيا». وانتهت رحلة التصريحات الغامضة حتى هذه اللحظة بإعلان أوباما أن أمريكا ستحافظ على علاقتها مع الحكومة المؤقتة فى مصر، معلقا على فترة حكم مرسى: «تم انتخابه بشكل ديمقراطى ولكنه لم يستطع أن يحكم كما يجب، وعجز عن حكم مصر»، وذلك في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ناصر والإخوان.. صوت الرصاص ساندت جماعة الإخوان ثورة 23 يوليو 1952 ضد النظام الملكي، وحاول مجلس قيادة الثورة الاستفادة منها في البداية، واستثناها من قرار حل جميع الأحزاب السياسية. تصور الإخوان أنهم قادوا الثورة، فطالب حسن الهضيبي، مرشد الإخوان وقتها، المجلس باستئذان مكتب الإرشاد قبل إصدار أي قرار سياسي، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض، وكان شرارة الأزمة بين الطرفين. في 14 يناير 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل الجماعة، وفي 26 أكتوبر 1954 وقع حادث المنشية الذي تعرض فيه عبد الناصر لإطلاق الرصاص، واتهم جماعة الإخوان بمحاولة اغتياله. في المقابل اتهمه الإخوان بتدبير الحادث لإلصاق التهمة بهم، وجرت بعد الحادثة حملة اعتقالات موسعة للإخوان على يد عبد الناصر. وشنت دولة ناصر حملة أمنية أخرى ضد الإخوان في منتصف الستينيات، بعد محاولاتهم المستميتة خلال عشرات السنين للوصول إلى الحكم، لم يكن سهلا على جماعة الإخوان المسلمين أن تستسلم بسهولة لقرار عزلهم بعد عام واحد من جلوسهم على كرسي الرئاسة. السيسي والإخوان.. النهاية الثالثة للجماعة بعد أحداث 30 يونيو 2013 أمهل السيسي كل الأطراف 48 ساعة لحل الأزمة. وفي 3 يوليو أعلن السيسي عزل مرسي من منصبه تحقيقا لمطالب المتظاهرين. لكن أنصار محمد مرسي واصلوا تظاهراتهم واعتصامهم بميداني رابعة العدوية والنهضة للمطالبة بعودته إلى الحكم ورفضا لما وصفوه بالإنقلاب على رئيس شرعي منتخب. وفي 14 أغسطس فض الاعتصامين وسقوط المئات من القتلى والمصابين، تبعه بعد ذلك حملات اعتقال واسعة لقيادات الإخوان في القاهرة والمحافظات. وفي 23 سبتمبر قضت محكمة الأمور المستعجلة بعابدين، بحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين وجمعية الإخوان المسلمين المنبثقة عنها، وأي مؤسسة متفرعة منها أو تابعة إليها أو منشأة من أموالها أو تتلقى منها دعم مالي، أو أي نوع من أنواع الدعم والجمعيات التي تتلقى التبرعات وأن يكون منها أحد أعضاء الجماعة أو الجمعية أو التنظيم. انتصار الفريق أول عبد الفتاح السيسي في معركته مع الإخوان لا يعني بالضروروة الحديث عن خلافة السيسي المحتملة لعبد الناصر في الزعامة، ودرجة الالتفاف الشعبي حوله.