● قرر الرئيس أوباما القيام بعملية عقابية محدودة زمنا وحجما من أجل ردع نظام الأسد عن استخدام السلاح الكيميائى من جديد. وقد تعرض الرئيس الأمريكى لانتقادات كثيرة داخل إسرائيل وفى العالم بسبب قراره القيام بتدخل محدود فقط، لأن الحرب الأهلية السورية تسببت بمقتل 110،000 سورى أغلبيتهم من المدنيين، وعلى الرغم من ذلك لم تقم الولاياتالمتحدة بأى عمل عسكرى لوقف هذه المذبحة. ● والسؤال المطروح لماذا يستحق المدنيون الذين قتلوا فى ضواحى دمشق بالسلاح الكيميائى معاملة مختلفة؟ ينقسم المنتقدون لقرار أوباما إلى مجموعتين: مجموعة أولى توصلت إلى خلاصة مفادها بأنه بما أن الولاياتالمتحدة لم تقم بعمل عسكرى ردا على أعمال القتل السابقة لمجموعة من الأسباب الجيدة، عليها اليوم أيضا ألا تقوم بعمل عسكرى. أما المجموعة الثانية فتطالب الولاياتالمتحدة بتدخل عسكرى واسع فى الحرب الأهلية من أجل إسقاط الأسد وإنهاء أعمال القتل. ● إن هدف هذا المقال تفسير لماذا استخدام السلاح الكيميائى يستوجب معاملة خاصة مختلفة. ● قد يكون السلاح الكيميائى أقل تسببا بالموت من السلاح البيولوجى والنووى، لكنه ينتمى إلى فئة أسلحة الدمار الشامل. وتبقى الفائدة من استخدام هذا السلاح ضد جيش مدرب ومزود بوسائل الحماية محدودة للغاية. ● ولا يشكل السلاح الكيميائى ذخيرة يمكن استخدامها فى الحروب بين الجيوش بسبب الصعوبة الشديدة فى توقع النتائج التى قد يسفر عنها، وكذلك لأن استخدامه مرتبط بعوامل خارجية مثل ظروف الطقس ووضع الناس فى المناطق التى استخدم فيها هذا السلاح. فهل يتمركزون فى مناطق محددة أم يعيشون بشكل مبعثر. وهل هم داخل مساكنهم أم خارجها؟ إلخ. ● وفيما يتعلق بالهجوم الكيميائى على ضاحية دمشق، هناك دلائل تشير إلى أن النظام السورى خطط لهجوم كيميائى محدود جدا إلا أنه فوجئ بحجم المصابين. فى المقابل، فإن السلاح الكيميائى يستطيع أن يؤدى إلى قتل جماعى للناس غير المحصنين مثلما جرى فى ضاحية دمشق. ● لقد وضع الرئيس الأمريكى باراك أوباما منذ ولايته الأولى هدفا له هو فرض قيود على أسلحة الدمار الشامل (بصورة خاصة على السلاح النووى). فليس من المفاجئ والحال هذه، أن يتبنى مقاربة خاصة تتعلق باستخدام السلاح الكيميائى فى سوريا. ● وما يمكن قوله إن العملية العسكرية الأمريكية المحدودة التى هدفها المعاقبة والردع عن استخدام السلاح الكيميائى من جديد، هى أمر ممكن وأضرارها المحتملة ضئيلة. وكى تستطيع هذه العملية تحقيق أهدافها يجب أن تنقل رسالة إلى نظام الأسد مفادها أن استمرار استخدام السلاح الكيميائى سيؤدى إلى عمليات عسكرية غربية جديدة تلحق ضررا كبيرا بقدرة النظام على البقاء. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال شن هجوم على أهداف تعتبر مهمة لبقاء النظام مثل الوحدات العسكرية ووسائل القتال التى تلعب دورا مهما فى الحرب الأهلية. ● ويجب أن تكون العملية محدودة وفعالة بمعنى أن الأهداف التى تهاجم وتدمر يجب أن تكون أهدافا ضرورية لبقاء النظام. لكن حجم العملية يجب أن يبقى محدودا، وكذلك الضرر الذى سيلحق بصمود النظام. من ميزات هذه العملية ضعف احتمالات حدوث تصعيد نتيجة رد النظام السورى. فإذا كانت مصلحة النظام السورى المحافظة على بقائه، فهو لن يرد على الولاياتالمتحدة وحلفائها. ● إن التخوف من التصعيد وانزلاق الأزمة إلى دول أخرى فى الشرق الأوسط كان أحد الأسباب لتقدير الإدارة الأمريكية أن التدخل العسكرى فى الحرب الأهلية سيضر أكثر مما قد ينفع. ● فى المقابل، إذا كان الهجوم الأمريكى غير فعال، مثل إصابة مواقع خالية بالصواريخ البحرية، فإن هذا سيؤدى إلى إلحاق أضرار كبيرة فى صدقية الولاياتالمتحدة وفى قدرتها على الردع. ● فى نظر إسرائيل، فإن هجوما عقابيا محدودا يشكل السيناريو الأكثر ملاءمة بالنسبة إليها. صحيح أن الإنجازات ستكون محدودة، لكن من مصلحة إسرائيل الموجودة فى منطقة فيها أكبر مخازن السلاح الكيميائى فى العالم التشديد على مبدأ عدم استخدام السلاح الكيميائى. ● من جهة أخرى، فإن احتمال أن تنجر إسرائيل إلى مواجهة عسكرية غير ضرورية بسبب الرد السورى على الهجوم الأمريكى احتمال ضئيل. وفى مثل هذا السيناريو، من المحتمل ألا نحتاج إلى استخدام بطاريات القبة الحديدية وحيتس وباتريوت.
باحث فى معهد دراسات الأمن القومى «مباط عال» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية