تثير الأوضاع الراهنة فى مصر قدرا كبيرا من الارتباك الفكرى والمعنوى لدى الغرب الذى رأى تطلع المصريين الشديد للديمقراطية، ثم تحولهم بعد ذلك فعزلوا أول رئيس منتخب لهم، بهذا بدأ تسيفى بيسك كبير الباحثين فى مركز أبحاث حزب العمل الإسرائيلى سابقا مقاله فى لوس أنجلوس تايمز الأمريكية. وبحسب ما ذكر فريد زكريا فى كتابه «مستقبل الحرية.. الديمقراطية الليبرالية فى الداخل والخارج» فإنه يجب التعامل مع الأمور بالمعايير الدستورية والتى تقر حقوق البشر الاساسية التى لا يمكن أن تسلب سواء حكمهم ديكتاتور أو تحكمت فيهم أهواء الاغلبية. وكما أكد زكريا فإن الديمقراطية ليست جيدة بطبيعتها، فهى تنجح فى بعض الأحيان ولا تنجح فى أحيان أخرى، لذلك تحتاج إلى حدود واضحة تضمن لها النجاح. الديكتاتورية الليبرالية أفضل من بلطجى منتخب، الرئيس السابق محمد مرسى كان بلطجى منتخب، أما الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى هو قائد القوات المسلحة المصرية، الرجل القوى للبلاد، يمكن أن يتحول إلى ديكتاتور ليبرالى، يحمى الأقليات والنساء على الأقل. الديمقراطية هى آلية لاختيار الحكومات بالانتخاب، وبقرار من الأغلبية. لكن الآباء المؤسسين كانوا يخشون تسلط الأغلبية بقدر خوفهم من استبداد الأفراد، وهذا هو سبب كتابة الدساتير، وتأسيس الفصل بين السلطات، وإعطاء المحكمة العليا وهى كيان غير منتخب، الحق فى الرقابة على دستورية القوانين التى تقرها الأغلبية. وأضاف التقرير أن ما حدث فى القرن العشرين بشأن الحديث عن الاغلبية، أمر كاف لتوضيح أن هذه الاغلبية من الممكن ان تنشأ وحشية وسلطوية وطغيان، فقوانين جيم كرو الاستبدادية صدرت فى أمريكا باسم الاغلبية فى أواخر القرن التاسع عشر، وكذلك كان أدولف هتلر النازى فى ألمانيا مدعوما فى سياساته من قبل الأغلبية، ولم يقتصر الامر عليهم فقط، بل فى روسيا استخدم الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين قاعدة الأغلبية، وحتى اليوم ووفقا لأحد استطلاعات مؤسسة كارنيجى لعام 2012 يعتبر أحد أبرز الشخصيات التاريخية العظيمة فى روسيا. ومضت الصحيفة، عندما يستخدم الأوروبيون والأمريكيون مصطلح الديمقراطية، فهم يختزلونه بالأساس فى الديمقراطية الدستورية، والتى تعنى «إرادة الشعب»، والمرتبطة والخاضعة للحماية الدستورية التى يتمتع بها الأفراد والأقليات، وليست كما وجدناها فى مصر ولدى المتشددين الإسلاميين بها، حيث اختزلوا فكرة الاغلبية الديمقراطية فى سحق حقوق الأفراد والأقليات. وعن ربط ما سبق بالحالة المصرية، قالت الصحيفة، لو كنت مسيحى قبطى، فهناك 40 كنيسة تم حرقها فى الآونة الاخيرة على أيدى أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، وكذلك المسلمين الشيعة، حيث قتل أربعة منهم ومثلت بجثثهم على أيدى انصار مرسى كذلك فى يونيو الماضى، أما عن النساء المثقفات والجامعيات، فلسنا بحاجة عن روى حالتهن تحت حكم الإسلاميين، فهل إذا ستفضل ديكتاتورية السيسى العسكرية أم أغلبية الإسلاميين الديمقراطية؟. أجب عن هذا السؤال بأمانة، وستعلم أن أى جانب هو المتأصل فيك، كما ستعرف أى الجانبين لديه فرصة فعلية للتحول لديمقراطية دستورية، وأقدر حقيقة على الاندماج فى الاقتصاد الكونى.