قال مسؤولو البيت الأبيض الأسبوع الماضى، إنه ليس بوسع الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تقطع مساعداتها العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار سنويا عن مصر، لأن هذه الخطوة ستجعل واشنطن تفقد «نفوذها» لدى القادة العسكريين المصريين. وأضافوا، أن الأمر يتعلق باعتبارات أمنية أمريكية، وأن استمرار المساعدات يتيح لها ورقة ضغط، إذا كانت هذه الآراء تبدو مألوفة، فهى كذلك، ففي العقد الاخير استخدمت واشنطن المنطق نفسه فى باكستان، فقدمت مساعدات عسكرية بقيمة 11 مليار دولار للجيش الباكستانى للحفاظ على «النفوذ» الأمريكى فى إسلام آباد. وتدفقت الأموال عاما بعد آخر من معدات جديدة إلى أموال مقابل عمليات عسكرية باكستانية، رغم شكاوى من بعض المسئولين الأمريكين أن الباكستانيين يسيئون التصرف فى الاموال ويبالغون فى تقدير قيمة الفواتير. فهل يمكن لواشنطن أن تكون أوفر حظا فى مصر؟، الاختلاف شاسع بين باكستان ومصر. ولأن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما تطبق أساليبها الباكستانية فى مصر بكل همة، فالأمر يستحق فحص نتائج سياسة المساعدات العسكرية. بعد عقد من الزمان لم يتغير شىء يذكر فى باكستان. فمازال الجيش يأوى حركة طالبان الأفغانية، ولقى مئات الجنود الأمريكيين والأفغان حتفهم فى هجمات عبر الحدود من باكستان ومازال الجيش أقوى مؤسسات البلاد قاطبة. فما الذى جنته واشنطن؟. أحد الأهداف من تقديم المساعدات الامريكية تمثل فى حمل الجيش الباكستانى على شن حملة على الآلاف من أفراد طالبان الأفغانية، الذين يعيشون ويتدربون ويخططون لعمليات من داخل باكستان منذ عام 2001. لكن هذا لم يتحقق. وتدفقت الاموال من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء على خزائن الجيش الباكستانى لكنها لم تغير شيئا من الاعتقاد الراسخ لدى القادة العسكريين الباكستانيين أن طالبان الأفغانية ومقاتلين آخرين عناصر مفيدة ضد الهند ألد أعداء باكستان. ويقول مسئولون أمريكيون إن الأحد عشر مليار دولار سمحت لواشنطن بتحقيق أقصى رغباتها وهى الضربات التى توجهها طائرات دون طيار فى المناطق القبلية من باكستان والتى أضعفت تنظيم القاعدة بل وربما أحبطت هجمات ارهابية فى الولاياتالمتحدة. وحتى الآن تبدو إدارة أوباما عازمة على مواصلة نهج المساعدات من أجل النفوذ فى مصر. وقد أرجأ البيت الأبيض الأسبوع تسليم أربع مقاتلات من طراز «إف- 16» إلى مصر، لكن كون الجيش المصرى قتل بالفعل 140 متظاهرا، أى مثلى العدد الذى قتلته إيران فى سحق الحركة الخضراء عام 2009، لا يتيح الأمر لمسئولى الادارة فيما يبدو فسحة لالتقاط الانفاس. وفى زيارة لباكستان الاسبوع الماضى قدم وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أوضح دفاع حتى الآن من جانب الإدارة الإمريكية عن القوات المسلحة المصرية، بقوله: «هم فى الواقع يستعيدون الديمقراطية.. الجيش لم يستول على السلطة وفقا لأفضل تقييم لنا حتى الآن. فهناك حكومة مدنية». وفى الأسبوع قبل الماضى أعلن البيت الأبيض أن إدارة أوباما لن تنفذ قانونا أمريكية يلزم الحكومة الامريكية بقطع المساعدات عن أى حكومة تنفذ انقلابا. كيف؟ بتجاهل الأمر. وبمعنى آخر ستدير واشنطن وجهها للحفاظ على «نفوذها» لدى الجيش المصرى. فمن الدروس المستقاة من العقد الأخير فى باكستان أن الاموال قد تشترى للمسئولين الامريكيين مقعدا على الطاولة. لكن القادة العسكريين الباكستانيين أو المصريين لن ينصتوا بالضرورة. وتعتقد داليا مجاهد، الخبيرة فى شئون مصر والمديرة التنفيذية السابقة لمركز جالوب للدراسات الاسلامية، أن على واشنطن اتخاذ موقف أكثر نشاطا فى مصر، فتقديم 1.3 مليار دولار سنويا دون طرح أسئلة تذكر ليست وصفة مناسبة للتغيير. وتضيف مجاهد: «نريد شروطا واضحة للمساعدات نتابع بها الأمر فعلا. نحن نتعامل مع مذابح للمحتجين على أيدى العسكريين. وقيمنا ومصالحنا تملى علينا أن نقرن المساعدات بشرط الوقف الفورى لاستخدام القوة المفرطة ومحاسبة المسئولين عنها». وجادل مسئول أمريكى، طلب عدم نشر اسمه، بأنه لا توجد بدائل أمام القادة العسكريين فى مصر، فإذا أصبحت سيناء مثلا ملاذا آمنا للمسلحين المتشددين، فسيمثلون خطرا مباشرا على اسرائيل والولاياتالمتحدة، معربا عن تشككله فى إمكانية ظهور حكومات مدنية يمكن أن تحقق استقرار مصر وتؤمن سيناء. هذه هى الحجة التى يستخدمها المسئولون الامريكيون فى باكستان منذ سنوات. والسؤال الرئيسى بسيط: هل يمكن للديمقراطية ان تخرج للوجود فى المنطقة. سيساعد وضع شروط لمساعداتنا، تلزم الجيش المصرى بإجراء انتخابات فى الإجابة عن هذا السؤال، أما إلقاء المليارات للقادة العسكريين فلن يحقق ذلك. فهذا ما تعلمناه فى باكستان.