«التحديات تستدعى شراكة عالمية، وهذه الشراكة ستكون أقوى إذا احتلت روسيا موقع القوة الكبرى كما يليق بها»، هكذا خاطب الرئيس الأمريكى باراك أوباما خريجى مدرسة الاقتصاد الجديدة فى موسكو، خلال زيارة تاريخية استمرت يومين قام بها لروسيا. الزيارة أطلق عليها فى واشنطن «زيارة تكسير القوالب الجامدة مع موسكو» على حد وصف مجلة فورين بوليسى الأمريكية، فعلى مدى العقدين الماضيين عملت الإدارة الأمريكية المتعاقبة على تحجيم الدور الروسى فى أعقاب انتهاء الحرب الباردة فى الشرق الأوسط وأوروبا، حتى إن الصدام بين البلدين وصل إلى وقف أوجة التعاون فى المجال العسكرى على غرار ما حدث عام 2008 خلال فترة الرئيس جورج بوش الثانية. واليوم يعود إلى موسكو رئيس أمريكى جديد يحمل معه أجندة مختلفة فى حل العلاقات مع القوى الإقليمية تقوم على سياسة دولية متعددة الأطراف، تستفيد من نفوذ القوى الدولية الكبرى المختلفة مع احترام مصالحها ومناطق نفوذها الإقليمية، دون أن يتعارض ذلك مع مصالح الولاياتالمتحدة أو أمنها القومى، وذلك على حد وصف الخبير الأمريكى صوميل شارب المتخصص فى الشئون الروسية. وبالرغم من أن أوباما تحدث عن أهمية تعظيم الدور الروسى فى المجتمع الدولى، فإنه وضعه فى سياق محدد، وهو دور روسى أكبر فى أفغانستان وإيران، وتعاون وليس صداما مع حلف الناتو. ويأتى الاحتياج الأمريكى العاجل لروسيا فى آفغانستان، فى الوقت الذى تسعى فيها واشنطن إلى إنهاء الحرب فى أسرع وقت، عن طريق تكوين جبهة دولية (عسكرية سياسية استخباراتية) لمواجهة «خطر طالبان فى أفغانستان، كما يؤكد جليس درونوسور الباحث بمعهد كارنيجى فى واشنطن، ويضيف أن تعاون أكبر لروسيا فى أفغانستان من شأنه أن يقدم مساعدات لوجيستيه وسياسية خسرتها القوات الأمريكية والناتو منذ أن بدأت الحرب فى أفغانستان عام 2001. أوباما ونظيره الروسى ديمترى ميديفيديف وقعا اتفاقيتين تتعلقان بالقضية الأفغانية وكشفت مصادر فى واشنطن أن الوثيقتين شكلا فاتحة لتعاون وثيق بين روسياوالولاياتالمتحدة فى مجالات أخرى. وأشارت المصادر إلى أن الوثيقة الأولى هى اتفاقية غير معلنة يسمح بموجبها لواشنطن باستخدام المجال الجوى الروسى لنقل الجنود والعتاد الحربى إلى أفغانستان. وهذا ما سيوفر على الولاياتالمتحدة حوالى 133 مليون دولار سنويا.. وتحدثت مصادر أخرى فى وشنطن أن الاتفاق ضمنيا سيشمل فتح المجال الجوى الروسى للطيران الأمريكى لأكثر من 6 آلاف رحلة جوية، بعد أن قالت المصادر الرسمية إنها 4500 رحلة فقط. أما الوثيقة الثانية فقد نشرت صحيفة روسيا جازيت التى تصدر باللغة الإنجليزية، حيث أعلن مضمونها دون أى تحفظ فى موسكو، وهى بمثابة بيان روسى أمريكى يتضمن مواقف موحدة فى حل القضية الأفغانية. ويؤكد البيان موافقة واشنطن إشراك موسكو فى تطوير قدرات الجيش والشرطة الأفغانيين. بالإضافة إلى المساهمة فى إعداد قوات مكافحة الإرهاب. ويرى الخبير الأمريكى كريستين بروز أن فتح المجال الجوى الروسى سيعطيها كارتا للضغط على الولاياتالمتحدة فى المستقبل، حيث إن استخدام الأراضى الروسية فى نقل الامدادات إلى أفغانستان أكثر حيوية من استخدام القاعدة الأمريكية فى قيرغستان. ويشير بروس إلى أن التناقض هنا يظهر «فى أن أمريكا هى التى ساعدت طالبان على هزيمة روسيا فى نهاية الثمانينيات، واليوم روسيا تساعد الولاياتالمتحدة على التخلص من طالبان».