«بانتصارك بنهنّيك.. يا عيساوى بنهنيك».. يتعالى صوتهم بالهتاف وكل منهم يحمل صورة لأسير من ذويه أو للأسير سامر العيساوى، المضرب عن الطعام فى سجون الاحتلال، منذ نحو 8 أشهر.. كل يوم اثنين يتجمع أهالى الأسرى والمتضامنين فى مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بغزة، للاعتصام من الصباح وحتى الظهيرة، وهذا «أقل شىء بإمكانهم أن يقدموه للتضامن مع أسراهم». فى ركن من فناء المقر الذى كان مكتظا بالمتضامنين مع الأسرى، جلست كل منهما بجوار الأخرى تلوحان بأيديهما بعلامة النصر.. التجاعيد التى تعلو وجهيهما لا تخفى ابتسامة أمل وإصرار على المشاركة فى هذا اليوم منذ خروجهما من السجون الإسرائيلية قبل نحو 40 عاماً.
عائشة عبدالكريم المصرى، تعرضت للأسر لمدة 3 أعوام، حتى أطلق سراحها فى عام 1973، ونعمة مصطفى أبوصلاح، أطلق سراحها عام 1974 بعد عام من اعتقالها. «كل يوم اثنين نأتى لنعتصم منذ خرجنا من السجون الإسرائيلية حتى الآن.. وإن شاء الله يكون فى فايدة.. انجرحنا قبلهم وذقنا العذاب وبدّنا نواسيهم، ونحرص ألا يضيع يوم من أيام التضامن علينا دون المشاركة فيه».
«أخى شهيد وأمى وأبى كانوا أسرى وكنت صغيرة وقتها.. عندما ذهبت إلى البيت لم أجدهم».. كان ذلك عام 1969، وكان عمر عائشة لا يزيد على 14 عاما.. تقول «أُسرنا لأننا كنا نساعد الفدائيين.. نحن اليد اليمنى لهم».
أما نعمة فبادرت بالحديث عن سبب اعتقالها «التهمة توصيل سلاح ومساعدة الفدائيين.. كان لهم قاعدة فى منزلنا».. تنظر كلاهما للأخرى وتتذكر ان أيام الاعتقال فى سجن السرايا الإسرائيلى.. تقول نعمة «من جرّب السجن أكيد لازم يتضامن مع الأسرى»، تصمت لبرهة وتتذكر عددًا من أقربائها الأسرى فى السجون الإسرائيلية.. «لى الآن فى المعتقلات 4 من أولاد إخوة زوجى أحدهم عليه حكم بالسجن 22 عاما، والآخر 7 سنوات والاثنان الآخران 18 عاما.. كانوا أطفالا وأشبالا حين سجنوا، ولم يسمح لوالداتهم بزيارتهم إلا مرتين خلال السبع سنوات الماضية».
تكمل عائشة نيابة عنها «المعابر الآن مغلقة والزيارات ممنوعة، على الرغم من أنه ولا يوجد صواريخ تطلق على الإسرائيليين، ولا خلافه.. هم يتحججون فقط»، توافقها نعمة الرأى وتقول بحزن: أم الأولاد الأربع جاءت من بيت حانون بالقرب من المنطقة الحدودية فى الثانية فجرا على أمل أن تذهب لزيارة أبنائها إلا أنها عادت خائبة الرجاء.
على مقعد آخر جلست أم الأسيرين ضياء ومحمد الأغا، لا يخفف عنها آلامها سوى صورة لهما كانت تحتضنها طوال الوقت.. تقول «يوم الاثنين مقدّس.. نتضامن فيه مع أبنائنا»، وتروى قصة ابنيها «ضياء محكوم عليه بالسجن مدى الحياة وقد أُسر منذ 21 عاما ولم يكن تعدى ال16 عاما عند اعتقاله».
«عاش هناك أكثر ما عاش عندى» بحسرة قالتها، وهى تشير إلى ابنها الآخر محمد الذى حكم عليه بالسجن 12، قضى منها 7 حتى الآن.. تقول «ضياء نفّذ عملية فى هوش قطيف، ومحمد كان قائدا فى كتائب شهداء الأقصى».
ومنذ 7 سنوات وحتى هذه اللحظة لم تر أم ضياء ابنها محمد ولو لمرة واحدة.. تقول «الإسرائيليون اختلقوا أسبابا لمنعى من زيارته فقالوا إنه لا يوجد قرابة بينى وبينه وأننى لست أمه».
«زرت ضياء مرة واحدة فى 26 من ديسمبر العام الماضى، أما محمد فلجأت للجنة الدولية للصليب الأحمر لأتمكن من زيارته، وفى الصليب الأحمر علمت أنه على أن أذهب للأحوال المدنية لاستخراج ورقة تثبت إنه ابنى وأنا أمه»... هكذا تكمل السيدة مأساتها.
فى البداية رفضت أم ضياء ذلك الحل: «كيف أفعل ذلك، فاسمى فى هويّة ابنى، فكيف يقولون أنه ليس ابنى؟»، ولكنها الآن قررت أن تلجأ لاستخرج تلك الورقة «أنا مشتاقة له ونفسى أشوفه».
مثلها تعتصم هدى محمد الزعاتين كل اثنين، فلها ولدان رامى ولؤى، فى سجن ريمون فضلا عن زوج ابنتها رامى.. «تهمتهم الدفاع عن وطنهم» تقولها وهى تتذكر كيف تهجّم عليهم جنود الاحتلال فى منزلهم لاعتقال ابنيها. وبالرغم من أنها زارتهما 3 مرات فإن تلك الزيارات لا تشفى غليلها ولا تثلج صدرها.. تقول «الفاصل الزجاجى بيننا وبينهم، والمكالمة على السماعة.. إذا اشتغلت بنسمع الصوت، إذا ما اشتغلت ما بنسمعهم».
من جهته يتحدث ناصر النجار، مدير دائرة الإعلام فى اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن دور اللجنة إزاء أهالى الأسرى «نحن ننسق الزيارات التى تقام كل يوم اثنين.. نتأكد من أوضاع المعتقلين فى المعتقلات الإسرائيلية ومن أن ظروفهم الصحية ضمن المعايير الدولية والإنسانية، وزملاؤنا فى الطرف الآخر لديهم مندوبين من جنسيات أخرى يقومون بالتأكد من ذلك».
وعن اختيار يوم الاثنين كيوم للاعتصام والتضامن مع الأسرى أسبوعيا يقول «تصادف أن تجمع أهالى المعتقلين فى الثمانينيات للتضامن مع ذويهم يوم اثنين، فأصبح هو اليوم الذى تتم فيه الزيارات للمعتقلين». ويضيف النجار أن سبب إلغاء الزيارات حسب ما تزعم السلطات الإسرائيلية هو إغلاق معبر بيت حانون «إيريز».