سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغذاء العالمى: تدهور الأمن الغذائي بسبب تراجع قدرة المصريين على سد حاجاتهم 350 ألفًا من الأطفال وأسرهم يستفيدون من برامج التغذية مقابل التعليم فى الصعيد وسيناء
«وضع الامن الغذائى فى مصر يتدهور، ليس بسبب نقص فى الغذاء، ولكن نتيجة التراجع المستمر فى قدرة المصريين على شراء احتياجاتهم منه، نتيجة سلسلة من الصدمات الاقتصادية التى تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة»، بحسب وصف جان بياترو بوردينيون، ممثل ومدير المكتب القُطرى لبرنامج الغذاء العالمى، التابع للأمم المتحدة فى مصر. فقد تعرض البلد لأزمات متتالية بدأت بإنفلونزا الطيور فى 2006، ثم الأزمة المالية العالمية فى 2008، وارتفاع أسعار البترول فى 2010، قبل أن تتفاقم الأوضاع بعد ثورة 25 يناير 2011، وما صاحبها من عدم استقرار سياسى، وأزمة اقتصادية فى البلاد، بالإضافة إلى أزمات فى دول الجوار كما حدث فى ليبيا وأثر على العمالة المصرية هناك، والتى تنتمى بدرجة كبيرة للفئات الأكثر فقرا.
«هذه الصدمات العنيفة كان لها تأثير كبير وواضح على الشعب المصرى، فهناك سلع تضاعفت أسعارها، بينما لم تتغير الاجور. وكانت الطبقات الاكثر فقرا هى الاكثر تأثرا، لأنها تنفق أكثر من نصف دخلها على الطعام»، كما يقول بوردينيون.
وشهدت أسعار الغذاء قفزات كبيرة على مدار السنتين الأخيرتين. وبرغم الركود الذى حد من ارتفاع الأسعار فى 2011، إلا أن معدلات التضخم، سلكت مسارا تصاعديا منذ بداية 2013، لتسجل أعلى مستوى لها منذ بداية الثورة فى مارس الماضى، 2.8% على المستوى الشهرى، و8.7% على المستوى السنوى، قبل أن تتراجع مؤقتا فى إبريل الماضى.
«هناك اتجاه واضح لزيادة معدلات الفقر وسوء التغذية، نتيجة عدم قدرة الأكثر فقرا على تلبية احتياجاتهم الغذائية. وهذا الاتجاه أعلى فى الريف وخاصة فى الصعيد منه فى الحضر، وإن كان الفقر فى المدن يتجه أيضا للزيادة»، بحسب بوردينيون، محذرا من احتمالية وقوع ال20% من المجتمع الذين يقعون بالقرب من خط الفقر، تحت هذا الخط مع استمرار ارتفاع الأسعار، وسوء التغذية.
ويعيش 25% من المصريين بالفعل تحت خط الفقر، وفقا للإحصائيات الأخيرة للبنك الدولى عن الفقر فى مصر، بينما يقع 20% آخرون بالقرب منه، وهم الاكثر تأثرا بتدهور الأوضاع الاقتصادية الحالية فى مصر. ومن هنا يجب أن تكون هذه الشريحة هى هدف الحكومة فى الفترة القادمة، يقول بوردينيون.
استهداف الأطفال بالغذاء والتعليم سوء التغذية ادى لزيادة التقزم بين الأطفال الأقل من 5 سنوات بنحو 20% خلال الخمس سنوات الأخيرة، لتصل نسبة المصابين به إلى 29% من إجمالى الأطفال المصريين، طبقا لما يظهره آخر تعداد سكانى، وهذا مؤشر خطير لا يدعو إلى التفاؤل، كما يؤكد مدير برنامج الغذاء العالمى فى مصر.
ويوضح بوردينيون أن برنامج الغذاء قد أعد برامج مبنية على خرائط للفقر الغذائى فى مصر، بالاستعانة بمؤشرات مركز معلومات مجلس الوزراء، والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الخاصة بالأمن الغذائى، وبناء عليها وجه برامجه للصعيد وبعض المواقع فى سيناء، حيث ترتفع معدلات سوء التغذية.
وركز برنامج الغذاء على إطلاق مشروعات تربط بين تعليم الأطفال وضمان تغذيتهم بشكل سليم، فى المناطق الأكثر احتياجا، أبرزها مشروع يتم بالمشاركة مع البنك الدولى ووكالة التنمية الدولية الكندية (سيدا)، لزيادة نسب الالتحاق برياض الاطفال من خلال توفير وجبات مجانية، حيث يحصل نحو 170 ألف طفل مصرى فى تلك المرحلة، من 9 محافظات فى الصعيد وسيناء، على وجبات يومية معززة بالفيتامينات والحديد، توفر للطفل ثلث احتياجاته الغذائية اليومية، بما يضمن له نموا سليما ويزيد من نسب استيعابه، كما يقول بوردينيون.
أما المبادرة الأوسع نطاقا فيوجهها برنامج الغذاء لطلبة المدارس المجتمعية وأسرهم، حيث تخدم تلك المدارس عادة الفئات الأكثر فقرا واحتياجا من السكان. ويستفيد الأطفال بالوجبات المدرسية التى يتم تقديمها فى تلك المدارس، بالإضافة إلى تشجيع الأسر على إلحاق أبنائها بالتعليم الابتدائى ومنع تسربهم منه فى لاحقا، من خلال تقديم مساعدات لهم، مشروطة بحضور الطفل ل 80% من حصصه الدراسية. وتتمثل المساعدات فى 10 كيلو شهريا من الأرز أو القمح المدعم لكل أسرة، «توفر 20% من إجمالى موازنة تلك الأسرة»، بحسب مدير المكتب القُطرى لبرنامج الأمن الغذائى العالمى، كنوع من التعويض عن الأجر الذى يكسبه الطفل إذا تم إرساله للعمل بدلا من الذهاب إلى المدرسة.
ويعتبر بوردينيون أن تلك المبادرة «ناحجة جدا»، حيث يستفيد بها نحو 180 ألف فرد من الأطفال وذويهم.
ويتم تمويل المشروع الأخير، والذى تبلغ ميزانيته 10 ملايين جنيه سنويا، من خلال شراكات بين برنامج الأغذية العالمى، والقطاع الخاص، ممثلا فى بعض البنوك مثل القاهرة ومصر، وبعض الشركات مثل فودافون وبيبسى، «ولكن نسبة المشاركة للقطاع الخاص لا تتجاوز 1.5 مليون جنيه حاليا، نتيجة الضغوط المالية التى تواجه المستثمرين فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية». كما يدخل برنامج تبادل الديون المصرية الإيطالية فى مصادر تمويل بعض مشروعات التعليم مقابل التغذية.
مطلوب مساندة اجتماعية مع تحرير الدعم بدأت الحكومة المصرية مؤخرا فى اتخاذ اجراءات للتقليل من تكاليف الدعم التى تتحملها ميزانيتها، مثل زيادة سعر أنبوبة البوتاجاز، ولكن المشكلة فى «عدم وجود معادلة عادلة بين تحرير الدعم وما يصاحبه من زيادة فى الأسعار، وبين زيادة الاجور أو تقديم التعويضات النقدية»، بحسب بوردينيون، مشيرا إلى أن أسعار بعض السلع الغذائية سجلت زيادة سنوية تتجاوز ال9%، فى حين ثبات مستويات الأجور.
«قرار خفض الدعم ليس سهلا، فى اتخاذه أو تنفيذه، خاصة مع استمرار هذا النظام لما يزيد الآن على 60 عاما، ومع زيادة عدد المواطنين الذين تغطيهم بطاقات التموين، والذين يتعدون ال60 مليون مواطن»، يقول بوردينيون، مشيرا إلى ضرورة العمل على توجيه الدعم بشكل أفضل بدلا من الغائه بطريقة عشوائية.
وفى هذا الإطار، يشدد بوردينيون على ضرورة التركيز على دعم ال20% من المجتمع المهددين بالوقوع تحت خط الفقر، باعتبارهم الأكثر احتياجا للمساعدة، موضحا أن برنامج الأممالمتحدة يقدم مشورته للحكومة المصرية حول أفضل السبل لاستهداف الفقراء، إلا ان «القرار فى النهاية يرجع لها فى اتخاذ الاجراءات المناسبة».
ويقوم برنامج الغذاء بالتعاون مع الحكومة المصرية برفع المحتوى الغذائى للسلع المدعومة للمساهمة فى خفض نسب سوء التغذية بين المصريين، حيث تتم إضافة فيتامينات للخبز المدعوم بشكل كامل، بالإضافة لزيت الطعام المقدم من خلال البطاقات التموينية والذى سيتم تزويد كمياته كلها بالعناصر المغذية بنهاية العام الحالى، كما يؤكد بوردينيون.