فى الوقت الذى امتلأ المسرح المكشوف بدار الاوبرا عن آخره، انتظارا لقدوم الكاتب الروائى علاء الاسوانى للاحتفال بإصداره روايته «نادى السيارات»، الصادرة عن دار الشروق، كانت هناك فى إحدى القاعات ما يشبه «البروفات المسرحية» بين النجمين عزت العلايلى ويسرا، ليختارا فى حضور الكاتب علاء الأسوانى والناشر إبراهيم المعلم النصوص المختارة لقراءتها على الجمهور فى تقليد «جديد» ومبتكر، على الجمهور المصرى الذى تعوّد أن تكون مثل هذه الحفلات «تقليدية» من حيث حضور الكاتب ومعه بعض النقاد لإضاءة النص ثم توقيع الرواية فى نهاية الندوة. لكن حفل إصدار هذه الرواية كان مختلفا، حيث لم يحضر نقاد أو زملاء الكاتب من الروائيين، كالمعتاد فى الوسط الثقافى، بل كان الحضور معظمه من سياسيين وإعلاميين ومخرجين: المخرج محمد العدل، الإعلامية دينا عبدالرحمن، الفنانة آثار الحكيم، أحمد البرعى، جورج إسحق، المستشار محمود الخضيرى، الشاعر عبدالرحمن يوسف، الإعلامى معتز الدمرداش الكاتب عبدالله السناوى، ووزير الثقافة السابق الدكتور عماد أبوغازى. فضلا عن جمهور كثيف، شكل أكبر طابور فى تاريخ حفلات توقيع الروايات، لم يفلح معه «قطع الأنوار» عن المسرح المكشوف.
يسرا والعلايلى باهتمام شديد يختاران نصوصا للقراءة، والأسوانى لا يتدخل فى الاختيار، المهم بالنسبة له عدم إحراق الرواية، لكى يستمتع القراء بقراءتها، فلا يكتفون بقراءة الفنانين للرواية الرابعة لصاحبها الأسوانى الذى قال: «لا يجب أن نقيس الأدب بمعيار الغزارة»، موضحا أن أربع سنوات أو خمس ليست بالكثيرة فى كتابة رواية، وهذا طبقا لمعايير الأدب العالمى.
قدم إبراهيم المعلم، رئيس مجلس مؤسسة الشروق الأسوانى، قائلا إن الأسوانى علامة بارزة فى تاريخ الأدب منذ روايته «عمارة يعقوبيان»، وهو ظاهرة أدبية عالمية، ساهم فى زيادة معدلات القراءة فى مصر وله أكبر الأثر فى ازدهار الأدب فى السنوات القليلة الماضية. وأعلن المعلم أن رواية «نادى السيارات» ستترجم إلى 34 لغة، وهذا يوضح مدى عالمية الأسوانى وتحققه.
وعن مشاركة يسرا والعلايلى، قال المعلم إن هذا تدشين جديد فى الثقافة المصرية، فهما من العلامات البارزة فى تاريخ السينما المصرية والعربية، أما الأسوانى فيراه تقليدا جديدا فى الوسط الثقافى المصرى، رغم أنه تقليد معروف فى أوروبا، متمنيا أن تستمر دار الشروق على هذا التقليد الذى يتم لأول مرة، حيث إن قراءة الرواية من كبار الفنانين يعطى بعدا مختلفا للنص.
وقاطعه المعلم مستطردا أن الأسوانى حصل على 17 جائزة دولية وعربية، ولم يحصل على أية جائزة مصرية، فرد الأسوانى أن جائزته الحقيقية والأكبر هى هذا الجمهور وتقديره.
ثم بدأت قراءة العلايلى ويسرا لمختارات من الرواية
(2)
العلايلى: «الكوو».. هكذا ينطق اللفظ، زفرة واحدة من الحنجرة مع فتح الفم وتدوير الشفتين.. معنى الكوو باللغة النوبية القائد أو الكبير، لكنه فى نادى السيارات يستدعى معانى أكبر. كأن الكوو كائن أسطورى، كأنه طائر خرافى، قريب وبعيد، ممكن ومستبعد، حقيقى ومتخيل، يتناقل عنه الناس الحكايات ولا يصدقون تماما أنه موجود حتى يتجلى أمامهم فجأة ثم يختفى فجأة ويتركهم تحت تأثيره العارم المزلزل.. الكوو شخص حقيقى، اسمه بالكامل «قاسم محمد قاسم»؛ نوبى سودانى، جاوز الستين من عمره.. يرطن بالنوبية وينطق العربية بلكنة ثقيلة فيخلط بين ضمير المذكر والمؤنث.. يتحدث الفرنسية والايطالية بطلاقة ويكتبهما بصعوبة.. الكوو له صفتان: خادم وسيد.
الأسوانى: الكوو هو بطل رئيسى فى الرواية، يثير أسئلة كثيرة كالتى نرددها الآن بعد الثورة، فهو طاغية على كل الخدم، وخادم للملك وأمام كل أجنبى، يستبد بالخدم ولكن فى الوقت نفسه يوفر لهم كل سبل الأمن. ويسألون هل نثور و«نخلع» الكوو ونشم نسيم الحرية أم نظل فى هذا الإذعان بحجة توفير الأمن؟
ثم بما يشبه التمثيل قرأ العلايلى ويسرا حوارا بين على حمامة وعائشة.
العلايلى: افتحى يا عائشة.
لم ترد، فقال بلهجة مرحة: عيوشة، افتحى يا حلوة، عيب، إحنا كبرنا على أمور العيال دى.
يسرا، قالت عائشة: جبت المأذون معك؟
كان صوتها غاضبا ورخيما مغريا فى نفس الوقت..
تساءل على حمامة (العلايلى) كأنه اندهش:
مأذون؟! يعمل إيه المأذون؟
يسرا: يطلقنا.
العلايلى: يا ولية أنتِ عبيطة؟ معقول أطلقك بعد العمر دا كله.
يسرا: أنت مش عاوز تطلقنى وأخذت شبكتك؟ خلاص يا سيدى، نتطلق وكل واحد يروح لحاله.
العلايلى: كان فى صوتها استكانة أثارته بشدة.. قال بصوت متحشرج من فرط الرغبة:
يا عيوشة ساعة شيطان وراحت، أهو كل واحد فينا بعبع له شوية واستريح.. أنت اتجننت يا ولية، آخذ شبكتك بعد العشرة الحلوة كلها، دا أنا أجيب لك شبكة جديدة.. دا أنت تستاهلى ثقلك ذهب.
يسرا: يا سلام يا سيدى..أيوه.. كُل بعقلى حلاوة.. أنا مش قدك يا على يا حمامة.
(3)
وردا على أسئلة كثيرة فى نهاية الحفل، أكد الأسوانى أن الروائى غير مسئول عن آراء شخصياته، نحن نخلط بين الروائى وأبطال رواياته؛ لأننا للأسف ليس لدينا تقاليد قراءة الأدب، ولا ندرس فى مدارسنا كيف نقرأ الأدب. الأسوانى قال ذلك بعد تلميحات بأنه يهين النوبيين فى روايته، متمنيا أن نكون مثل الفرنسيين الذين منعوا تجريم الخيال.