القانون يحدد شروط لإصدار الفتوى.. تعرف عليها    قوات الاحتلال تعتقل 14 فلسطينيًا خلال اقتحام مدينة نابلس    إعلام: المسؤولون الأوروبيون منزعجون من تملق روته لترامب في قمة الناتو    طلاب الثانوية العامة بالمنوفية يؤدون اليوم امتحاني الفيزياء والتاريخ    كأس العالم للأندية| مونتيري يضرب أوراوا بثلاثية في الشوط الأول    تعرف على موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة    ترامب يشن هجومًا على القضاء الإسرائيلي لمحاكمته نتنياهو    وفد برلماني من لجنة الإدارة المحلية يتفقد شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء    تحديد الإيجار حسب المنطقة.. قانون جديد لتوفيق أوضاع المالك والمستأجر    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    21 طالبًا مصريًا في برنامج التدريب الصيفي بجامعة لويفيل الأمريكية    بينهم إصابات خطيرة.. 3 شهداء و7 مصابين برصاص الاحتلال في الضفة الغربية    5 أيام حمائم.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل ب"شكرًا لحسن تعاونكم معنا"؟    جزئيًا.. إيران تُعيد فتح مجالها الجوي بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل    راغب علامة يكسر الرقم القياسي في "منصة النهضة" ب150 ألف متفرج بمهرجان "موازين"    رسالة وداع مؤثرة من حمزة المثلوثي لجماهير الزمالك.. أنتم الروح    "وشلون أحبك".. على معلول يتغزل بزوجته بصورة جديدة    الدولار ب49.85 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 26-5-2025    إصابة 9 عاملات بمصنع ملابس في حادث بالمنيا    مها الصغير تتهم أحمد السقا بضربها داخل كمبوند    إصابة 10 أشخاص في حادث على طريق 36 الحربي بالإسماعيلية    محمد رمضان: "رفضت عرض في الدراما من أسبوع ب 200 مليون جنيه"    «نقل الكهرباء» توقع عقدًا جديدًا لإنشاء خط هوائي مزدوج الدائرة    مؤتمر إنزاجي: سنحاول استغلال الفرص أمام باتشوكا.. وهذا موقف ميتروفيتش    يورو تحت 21 عاما - من أجل اللقب الرابع.. ألمانيا تضرب موعدا مع إنجلترا في النهائي    شديد الحرارة وتصل 41 درجة.. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم الخميس    التشكيل الرسمي لقمة الإنتر ضد ريفر بليت فى كأس العالم للأندية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    تمريض حاضر وطبيب غائب.. رئيس الوحدة المحلية لنجع حمادي يفاجئ وحدة الحلفاية الصحية بزيارة ليلية (صور)    قافلة طبية لعلاج المواطنين بقرية السمطا في قنا.. وندوات إرشاية لتحذير المواطنين من خطر الإدمان    مينا مسعود يزور مستشفى 57357 لدعم الأطفال مرضى السرطان (صور)    إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تُلزم بإضافة تحذير عن خطر نادر للقلب بسبب لقاحات كورونا    صحة مطروح تنظم احتفالية كبرى بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالدم    3 أيام متتالية.. موعد إجازة ثورة 30 يونيو 2025 للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها رسميًا    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    الزمالك يستقر على قائمته الأولى قبل إرسالها لاتحاد الكرة    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    مع إشراقات العام الهجري الجديد.. تعرف على أجمل الأدعية وأفضلها    مصطفى نجم: الزمالك على الطريق الصحيح    الدفاعات الإيرانية تسقط طائرة مسيّرة مجهولة قرب الحدود مع العراق    «الشؤون العربية والخارجية» بنقابة الصحفيين تعقد أول اجتماعاتها وتضع خطة عمل للفترة المقبلة    محافظ قنا يتفقد مشروع تطوير ميدان المحطة.. ويؤكد: نسعى لمدينة خضراء صديقة للبيئة    رئيس كهرباء البحيرة يوجه بتأمين التغذية الكهربائية للقرى السياحية بمنطقة الضبعة    4 أبراج «عارفين كويس همّ بيعملوا إيه».. غامضون لا يحتاجون إلى نصيحة وقراراتهم غالبًا صائبة    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. قفزة بأسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة محليًا وعالميًا    إصابة 11 شخص من كلب ضال فى الغربية    مع حلول العام الهجري الجديد 1447ه.. متى يبدأ رمضان 2026 فلكيًا؟    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    دعاء العام الهجري الجديد 1447ه مستجاب.. ردده الآن لزيادة الرزق وتحقيق الأمنيات    بعد الاعتداء على 3 أطفال وتصويرهم.. قضية "توربينى البحيرة" تشهد فصلا جديدا فى ساحات القضاء.. جنايات دمنهور تقضى بإحالة المتهم للمفتى.. والمحكمة تنظر مرافعات الدفاع داخل غرفة المداولة.. والنطق بالحكم 21 أغسطس    بلاغ رسمي ضد أحمد السقا.. طليقته تتهمه بالاعتداء عليها وسبّها أمام السكان    جمال الكشكي: سياسة مصر تدعم الاستقرار وتدعو دائما لاحترام سيادة الدول    ممر شرفي من المعتمرين استعدادا لدخول كسوة الكعبة الجديدة (فيديو)    هذا ما يحبه الرجال..3 أشياء تفعلها النساء الجذابات بشكل منتظم    النيابة العامة بالمنيا تقرر تشريح جثة مدير المخلفات الصلبة بالمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الدولة فى المشرق.. بين الإسلاميين وأهل النفط
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 04 - 2013

يتسارع سقوط «الدولة» فى معظم أرجاء الوطن العربى، بعدما استهلكت أنظمة الطغيان «الدول» فى الأقطار التى حكمتها وتحكمت بشئونها لعقود طويلة.

لا وجود اليوم للدولة، حاضنة للشعب ومجسدة لوحدته كإطار ناظم لحياة المجتمع بآماله وطموحاته ومشكلات النهوض، لا فى العراق ما بعد صدام وما بعد الاحتلال الأمريكى، ولا فى سوريا ما بعد انفجار الغضب الشعبى العارم على نظام الحزب الواحد المموه لسيطرة العسكر وأجهزة المخابرات تحت إمرة الرئيس الفرد التى لا تكاد تنتهى ولايته حتى يتم تمديدها آليا.

أما فى لبنان فحضور الدولة كان باستمرار رمزيا بينما كان النظام الطوائفى ولادة الحروب الأهلية كلما اختلت موازين الصراع فى المحيط العربى مع الخارج الدولى أو تفجرت الخلافات بين الأنظمة العربية، وما أكثر تفجيرها.

وها إن مصر التى طالما تباهت بعراقة دولتها وثبات كيانها السياسى تكاد تكون الآن بلا دولة مركزية كالتى عرفتها عبر تاريخها ويعنف الصراع السياسى بين الإخوان المسلمين الذين قفزوا إلى السلطة فى لحظة قدرية وبين «المعارضات» التى ما يزال جمهورها أكثر تقدما وأعظم قوة وأمتن وحدة من «جبهة الإنقاذ» وسائر الهيئات والتنظيمات التى نزلت إلى الشارع تجهر برفضها النظام قيد الإنشاء وقراراته جميعا، منادية بإسقاطه.

بالمقابل يحاول الإخوان المسلمون فى تونس أن يظهروا شيئا من التكيف مع الحالة الثورية التى أسقطت حكم الطاغية زين العابدين بن على، وهم قد اضطروا إلى إرجاء التقدم للسيطرة الكلية على الحكم بعد أن كشفت جريمة اغتيال المناضل النقابى شكرى بلعيد أنهم اضعف من أن يحكموا ببرنامجهم الذى يتعرض إلى مزيد من الرفض، وأن المجتمع المدنى فى تونس أقوى من أن يستطيعوا تدجينه وفرض الحجاب وما شاكل من وجوه قمع المرأة فيه.

أما فى ليبيا التى لم تعرف الدولة، لا فى عهد الملك السنوسى ولا فى عهد ثورة القذافى الذى كافح طويلا ضد قيامها، فإن الإخوان ومعهم فرقا إسلامية أخرى يجهدون للسيطرة على أجهزة الحكم التى لا تحكم فى حين يتوزع أمراء الحرب وقادة الميليشيات وزعماء القبائل السلطة فى الأنحاء المتباعدة لهذه البلاد الواسعة والغنية بنفطها والفقيرة جدا بتجربتها السياسية.

فى السودان نقف أمام تجربة فذة لنظام دكتاتورى يرفع الشعار الإسلامى ويحكم بالقبضة الحديدية: فهذا النظام الذى يقوده العسكر قد فرط بوحدة البلاد فانشق الجنوب بعد حرب عبثية طويلة غاب عنها الإحساس بالمسئولية الوطنية لم تمنع قيام دويلة حظيت بأسرع اعتراف دولى فى التاريخ بينما ما تزال مشكلات الشرق والغرب مع النظام مفتوحة على مخاطر الانقسام والحرب الأهلية.

فى هذه الأقطار جميعا التهم العسكر بداية الدولة وها هم الإخوان المسلمون يتقدمون لوراثتها بحيث يتبدى المشهد وكأن دكتاتورية دينية، متخلفة بالضرورة، تتصدى لمهمة إعادة البلاد إلى الخلف، أكثر فأكثر، حتى وهى تتلطى بشعارات الثورة وموجبات التغيير.

●●●

بالمقابل فإن أقطار الجزيرة والخليج التى لم تعرف الدولة بمعناها الحديث تحتل موقع القرار فى الجامعة العربية وتكاد تحتكر التمثيل العربى لدى الخارج.. ولقد ابتنى لبعض هذه الأقطار «دول» لا يشكل «مواطنوها الأصليون» أكثر من عشرة فى المائة من سكانها. أما الباقى أى الأكثرية فمن الوافدين كعمالة أجنبية من الخارج الفقير (باكستان، بلوشستان، الفيليبين، ماليزيا) أو من الأقطار العربية التى تضيق بأبنائها وكفاءاتهم فى حين يحتفظ الخبراء الأجانب والمستشارون بالمواقع الحاكمة فى الشركات المالية والمؤسسات وليس ما يمنع بعض هؤلاء من ارتداء «الغطرة والعقال» لإضفاء «الطابع العربى» على هوية الإدارة فى «الدولة العربية» على الأقل بلغتها وأنساب الحاكمين فيها.

ومفهوم أن هذه الأقطار هى الأغنى بثروات باطن أرضها فإن الغرب (البريطانى أساسا ومن ثم الأمريكى) قد أسهم فى بناء «دولها» محتفظا لنفسه بحق القرار فى القضايا الأساسية.

ولأن الأنظمة الحاكمة فى هذه الأقطار، والسعودية هى الأساس، تعتمد الشعار الدينى مع السيف قاعدة لشرعيتها والعلاقة مع الغرب الأمريكى منطلقا لسياساتها خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بصلة تاريخية وطيدة مع الأسرة السعودية تعود إلى أيام مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود واللقاء الاستثنائى الذى عقد على ظهر بارجة أمريكية عند البحيرات المرة فى قناة السويس مع نهاية الحرب العالمية الثانية. ووأضح أنه كان لقاء تأسيسيا ستظهر نتائجه السياسية، على قاعدة «التحالف» فيما بعد.

بالمقابل فإن بريطانيا التى كانت سلطة منتدبة على مجموع أقطار «الساحل المتصالح»، أى دولة الإمارات المتحدة حاليا، كما كانت ذات موقع حاكم فى الكويت وقطر والبحرين قد سعت وهى تستعد لإجلاء قواتها العسكرية لإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة، تضاف إلى الإمارات الثلاث، ولو على حساب سلطنة عمان التى كانت إمبراطورية ذات يوم مضى.. بالتعاون طبعا مع الحليف الأمريكى الكبير.

فلما قامت الثورة الإسلامية فى إيران بقيادة الإمام الخمينى وتوالت التداعيات الخطيرة على الحكم فى السعودية بداية (الانتفاضة التى قادها جهيمان العتيبى مع مجموعات السلفيين واحتلوا خلالها بيت الله الحرام فى مكة) صار حتميا أن «تحتمى» دول الجزيرة والخليج بالنفوذ الأمريكى معززا بحاملات الطائرات والحشد العسكرى.

ولن يتأخر صدام حسين عن الإقدام على مغامرته المدمرة بالهجوم على إيران الثورة الإسلامية وخوض حرب امتدت لثمانى سنوات فأنهكت بغداد بقدر ما أنهكت طهران التى اعترف قائدها بأنه مضطر لتجرع كأس السم والقبول بوقف لإطلاق النار هو أقرب إلى إعلان الهزيمة العسكرية منه إلى «الهدنة».

بعد ذلك سيكون للجزيرة والخليج تاريخ جديد: سيغضب صدام حسين لأن من قاتل إيران الثورة الإسلامية دفاعا عنهم قد تخلو عنه، ورفضوا تعويضه تكاليف الحرب التى امتدت لثمانى سنوات طويلة.

وجاء الغزو العراقى الكويت ردا على التخلى. ثم جاء الاجتياح الأمريكى تحت لافتة «تحرير الكويت» سنة 1991 وقد شارك فيه نصف الدول العربية، ولو رمزيا.. ليعقبه بعد اثنى عشر عاما غزو العراق وإسقاط صدام حسين.

وهكذا خلا الجو لدول النفط لكى تصير مرجعية سياسية عليا فى المنطقة، خصوصا وقد حورت طبيعة الصراع السياسى مع إيران إلى مشروع فتنة مفتوحة بين السنة والشيعة على امتداد الأرض العربية.

بعد غزو العراق وتدميره كان لا بد من احتواء سوريا حتى لا تكون «عنصر الشغب» فى المنطقة.. ولعل هذه المحاولة قد نجحت فى سنواتها الأولى التى امتدت حتى عام 2011.. فلما انفجرت الأوضاع فى سوريا نتيجة فشل النظام فى معالجة أسباب الغضب، وجدت «الدول المستحدثة» فى الخليج الفرصة لوضع اليد على كامل المشرق، خصوصا وقد تم إسقاط الدولتين القويتين فيه، العراق وسوريا، ومن ثم الاندفاع إلى فرض الهيمنة على مجموع الدول العربية الفقيرة أو المفقرة نتيجة أنظمة الطغيان فيها، بدءا بمصر وصولا إلى تونس وليبيا واليمن، من دون أن ننسى لبنان.

ولقد اندفعت قطر لتكون «الطليعة» فى هذا الهجوم.. وهى ما تزال تتابعه بل وتزخم حركتها إلى حد الحرب المفتوحة على النظام فى سوريا بغض النظر عن نتائجها على وحدة الشعب والأرض فى هذه الدولة التى كانت بين مؤسسى جامعة الدول العربية والتى لطالما اعتبرت «قلب العروبة النابض».. فى حين كان يراها كثيرون «حارسة البوابة الشرقية».. أى الجزيرة العربية جميعا.

●●●

ويبدو أن الفراغ فى رأس السلطة أو ضعف السلطة فى الأقطار التى أسقطت الثورات أنظمة الطغيان فيها، قد أغوى شيوخ قطر فمدوا أيديهم للعب فيها.

ومن حق باسم يوسف أن يشعر بالاستفزاز وأن يرد كما رد فى الحلقة الأخيرة من برنامجه الممتع «البرنامج».



رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية
سقوط الدولة فى المشرق.. بين الإسلاميين وأهل النفط


يتسارع سقوط «الدولة» فى معظم أرجاء الوطن العربى، بعدما استهلكت أنظمة الطغيان «الدول» فى الأقطار التى حكمتها وتحكمت بشئونها لعقود طويلة .

لا وجود اليوم للدولة، حاضنة للشعب ومجسدة لوحدته كإطار ناظم لحياة المجتمع بآماله وطموحاته ومشكلات النهوض، لا فى العراق ما بعد صدام وما بعد الاحتلال الأمريكى، ولا فى سوريا ما بعد انفجار الغضب الشعبى العارم على نظام الحزب الواحد المموه لسيطرة العسكر وأجهزة المخابرات تحت إمرة الرئيس الفرد التى لا تكاد تنتهى ولايته حتى يتم تمديدها آليا .

أما فى لبنان فحضور الدولة كان باستمرار رمزيا بينما كان النظام الطوائفى ولادة الحروب الأهلية كلما اختلت موازين الصراع فى المحيط العربى مع الخارج الدولى أو تفجرت الخلافات بين الأنظمة العربية، وما أكثر تفجيرها .

وها إن مصر التى طالما تباهت بعراقة دولتها وثبات كيانها السياسى تكاد تكون الآن بلا دولة مركزية كالتى عرفتها عبر تاريخها ويعنف الصراع السياسى بين الإخوان المسلمين الذين قفزوا إلى السلطة فى لحظة قدرية وبين «المعارضات» التى ما يزال جمهورها أكثر تقدما وأعظم قوة وأمتن وحدة من «جبهة الإنقاذ» وسائر الهيئات والتنظيمات التى نزلت إلى الشارع تجهر برفضها النظام قيد الإنشاء وقراراته جميعا، منادية بإسقاطه .

بالمقابل يحاول الإخوان المسلمون فى تونس أن يظهروا شيئا من التكيف مع الحالة الثورية التى أسقطت حكم الطاغية زين العابدين بن على، وهم قد اضطروا إلى إرجاء التقدم للسيطرة الكلية على الحكم بعد أن كشفت جريمة اغتيال المناضل النقابى شكرى بلعيد أنهم اضعف من أن يحكموا ببرنامجهم الذى يتعرض إلى مزيد من الرفض، وأن المجتمع المدنى فى تونس أقوى من أن يستطيعوا تدجينه وفرض الحجاب وما شاكل من وجوه قمع المرأة فيه .

أما فى ليبيا التى لم تعرف الدولة، لا فى عهد الملك السنوسى ولا فى عهد ثورة القذافى الذى كافح طويلا ضد قيامها، فإن الإخوان ومعهم فرقا إسلامية أخرى يجهدون للسيطرة على أجهزة الحكم التى لا تحكم فى حين يتوزع أمراء الحرب وقادة الميليشيات وزعماء القبائل السلطة فى الأنحاء المتباعدة لهذه البلاد الواسعة والغنية بنفطها والفقيرة جدا بتجربتها السياسية.

فى السودان نقف أمام تجربة فذة لنظام دكتاتورى يرفع الشعار الإسلامى ويحكم بالقبضة الحديدية: فهذا النظام الذى يقوده العسكر قد فرط بوحدة البلاد فانشق الجنوب بعد حرب عبثية طويلة غاب عنها الإحساس بالمسئولية الوطنية لم تمنع قيام دويلة حظيت بأسرع اعتراف دولى فى التاريخ بينما ما تزال مشكلات الشرق والغرب مع النظام مفتوحة على مخاطر الانقسام والحرب الأهلية.

فى هذه الأقطار جميعا التهم العسكر بداية الدولة وها هم الإخوان المسلمون يتقدمون لوراثتها بحيث يتبدى المشهد وكأن دكتاتورية دينية، متخلفة بالضرورة، تتصدى لمهمة إعادة البلاد إلى الخلف، أكثر فأكثر، حتى وهى تتلطى بشعارات الثورة وموجبات التغيير.

●●●

بالمقابل فإن أقطار الجزيرة والخليج التى لم تعرف الدولة بمعناها الحديث تحتل موقع القرار فى الجامعة العربية وتكاد تحتكر التمثيل العربى لدى الخارج.. ولقد ابتنى لبعض هذه الأقطار «دول» لا يشكل «مواطنوها الأصليون» أكثر من عشرة فى المائة من سكانها. أما الباقى أى الأكثرية فمن الوافدين كعمالة أجنبية من الخارج الفقير (باكستان، بلوشستان، الفيليبين، ماليزيا) أو من الأقطار العربية التى تضيق بأبنائها وكفاءاتهم فى حين يحتفظ الخبراء الأجانب والمستشارون بالمواقع الحاكمة فى الشركات المالية والمؤسسات وليس ما يمنع بعض هؤلاء من ارتداء «الغطرة والعقال» لإضفاء «الطابع العربى» على هوية الإدارة فى «الدولة العربية» على الأقل بلغتها وأنساب الحاكمين فيها.

ومفهوم أن هذه الأقطار هى الأغنى بثروات باطن أرضها فإن الغرب (البريطانى أساسا ومن ثم الأمريكى) قد أسهم فى بناء «دولها» محتفظا لنفسه بحق القرار فى القضايا الأساسية.

ولأن الأنظمة الحاكمة فى هذه الأقطار، والسعودية هى الأساس، تعتمد الشعار الدينى مع السيف قاعدة لشرعيتها والعلاقة مع الغرب الأمريكى منطلقا لسياساتها خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بصلة تاريخية وطيدة مع الأسرة السعودية تعود إلى أيام مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود واللقاء الاستثنائى الذى عقد على ظهر بارجة أمريكية عند البحيرات المرة فى قناة السويس مع نهاية الحرب العالمية الثانية. ووأضح أنه كان لقاء تأسيسيا ستظهر نتائجه السياسية، على قاعدة «التحالف» فيما بعد.

بالمقابل فإن بريطانيا التى كانت سلطة منتدبة على مجموع أقطار «الساحل المتصالح»، أى دولة الإمارات المتحدة حاليا، كما كانت ذات موقع حاكم فى الكويت وقطر والبحرين قد سعت وهى تستعد لإجلاء قواتها العسكرية لإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة، تضاف إلى الإمارات الثلاث، ولو على حساب سلطنة عمان التى كانت إمبراطورية ذات يوم مضى.. بالتعاون طبعا مع الحليف الأمريكى الكبير.

فلما قامت الثورة الإسلامية فى إيران بقيادة الإمام الخمينى وتوالت التداعيات الخطيرة على الحكم فى السعودية بداية (الانتفاضة التى قادها جهيمان العتيبى مع مجموعات السلفيين واحتلوا خلالها بيت الله الحرام فى مكة) صار حتميا أن «تحتمى» دول الجزيرة والخليج بالنفوذ الأمريكى معززا بحاملات الطائرات والحشد العسكرى.

ولن يتأخر صدام حسين عن الإقدام على مغامرته المدمرة بالهجوم على إيران الثورة الإسلامية وخوض حرب امتدت لثمانى سنوات فأنهكت بغداد بقدر ما أنهكت طهران التى اعترف قائدها بأنه مضطر لتجرع كأس السم والقبول بوقف لإطلاق النار هو أقرب إلى إعلان الهزيمة العسكرية منه إلى «الهدنة».

بعد ذلك سيكون للجزيرة والخليج تاريخ جديد: سيغضب صدام حسين لأن من قاتل إيران الثورة الإسلامية دفاعا عنهم قد تخلو عنه، ورفضوا تعويضه تكاليف الحرب التى امتدت لثمانى سنوات طويلة.

وجاء الغزو العراقى الكويت ردا على التخلى. ثم جاء الاجتياح الأمريكى تحت لافتة «تحرير الكويت» سنة 1991 وقد شارك فيه نصف الدول العربية، ولو رمزيا.. ليعقبه بعد اثنى عشر عاما غزو العراق وإسقاط صدام حسين.

وهكذا خلا الجو لدول النفط لكى تصير مرجعية سياسية عليا فى المنطقة، خصوصا وقد حورت طبيعة الصراع السياسى مع إيران إلى مشروع فتنة مفتوحة بين السنة والشيعة على امتداد الأرض العربية.

بعد غزو العراق وتدميره كان لا بد من احتواء سوريا حتى لا تكون «عنصر الشغب» فى المنطقة.. ولعل هذه المحاولة قد نجحت فى سنواتها الأولى التى امتدت حتى عام 2011.. فلما انفجرت الأوضاع فى سوريا نتيجة فشل النظام فى معالجة أسباب الغضب، وجدت «الدول المستحدثة» فى الخليج الفرصة لوضع اليد على كامل المشرق، خصوصا وقد تم إسقاط الدولتين القويتين فيه، العراق وسوريا، ومن ثم الاندفاع إلى فرض الهيمنة على مجموع الدول العربية الفقيرة أو المفقرة نتيجة أنظمة الطغيان فيها، بدءا بمصر وصولا إلى تونس وليبيا واليمن، من دون أن ننسى لبنان.

ولقد اندفعت قطر لتكون «الطليعة» فى هذا الهجوم.. وهى ما تزال تتابعه بل وتزخم حركتها إلى حد الحرب المفتوحة على النظام فى سوريا بغض النظر عن نتائجها على وحدة الشعب والأرض فى هذه الدولة التى كانت بين مؤسسى جامعة الدول العربية والتى لطالما اعتبرت «قلب العروبة النابض».. فى حين كان يراها كثيرون «حارسة البوابة الشرقية».. أى الجزيرة العربية جميعا.

●●●

ويبدو أن الفراغ فى رأس السلطة أو ضعف السلطة فى الأقطار التى أسقطت الثورات أنظمة الطغيان فيها، قد أغوى شيوخ قطر فمدوا أيديهم للعب فيها.

ومن حق باسم يوسف أن يشعر بالاستفزاز وأن يرد كما رد فى الحلقة الأخيرة من برنامجه الممتع «البرنامج».



رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.