فجرت ثورة يناير طاقة إبداعية جديدة لدى آلاف المصريين الذين استعادوا سخريتهم فى مواجهة نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، مستخدمين شعارات و«إفيهات» ونكات جديدة تعبر عن سخطهم من النظام السابق خاصة خلال ال18 يومًا، التى عاشها المصريون فى ميدان التحرير يتندرون على مبارك الذى كان يرفض الاستجابة للمطلب الشعبى المنادى برحيله، واستمرت هذه الحالة الإبداعية طوال الفترة الماضية، والتقط النشطاء خيوط السخرية فى الاحتجاجات التى تتواصل منذ تنحى مبارك، وابتكروا طرقًا وأساليب جديدة للتعبير عن آرائهم، وهو ما ظهر واضحًا فى الفترة الأخيرة فى أشكال متعددة، من بينها تنظيم عدد من النشطاء وقفة احتجاجية بالبرسيم أمام منزل الرئيس بمحافظة الشرقية، كما ظهر ذلك فى الوقفة الاحتجاجية التى نظمها أعضاء حركة 6 إبريل الخميس الماضى أمام منزل وزير الداخلية، والتى حملوا فيها الملابس الداخلية، وأيضًا الوقفة التى نظمتها السيدات بميدان طلعت حرب بالأوانى «الحلل» والسكاكين، إضافة إلى وقفات متكررة لعمال الشركات والمصانع أمام مجلس الوزراء وهم بالملابس الداخلية. وقال الكاتب والمحلل السياسى عبدالفتاح، إن الأشكال الاحتجاجية المتجددة تعبر عن تطور المجتمع المصرى، وتحديدًا الفئات الوسطى فى المدن ومعهم العمال، كما أن فكرة الاحتجاج عندما تبدو ساخرة فإنها تدفع بعض المشاركين فى المظاهرات إلى ابتكار أشكال أخرى من لاحتجاج".
وأضاف عبد الفتاح "هذه الأشكال الجديدة من الاحتجاجات تدل على عودة السياسية إلى المجال العام المصرى، وذلك بعد ظاهرة موت السياسية التى استمرت أكثر من 60 عامًا، ولا شك أن الحالة السياسية أخرجت الطاقة الإبداعية الساخرة للشعب المصرى".
وتابع: "الاحتجاجات فجرت طاقات العمل الجماعى والسخرية لدى الشباب الثورى بحيث تتحول من نشاط عملى سياسي إلى شكل من أشكال السخرية والضحك التى هى جزء من الثقافة المصرية»، مضيفا أن من بين العوامل التى أدت إلى ظهور الأشكال المبتكرة للاحتجاجات وجود أدوات الاتصال الجديدة عبر الإنترنت، كموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وغيره من المواقع التى تسخر من بعض الشخصيات السياسية والزعماء بسبب تصريحاتهم أو قراراتهم السياسية.
وأشار عبدالفتاح إلى أن "تغيير شكل الاحتجاجات بدأ من خلال اللافتات الساخرة التى حملها الشعب فى الثورة ضد النظام السابق، وأصبح يرفعها الآن ضد نظام جماعة الإخوان المسلمين، كما أن رسوم الجرافيتى تطورت بشكل سريع ومبدع عقب الثورة، لتعبر بصورة فعالة عن أساليب القمع التى يستخدمها النظام ضد الشعب والمتظاهرين".
من جانبه، قال أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، « لقد تغيرت أشكال الاحتجاجات بعد أن انتهى عصر المليونيات، لذا استخدم المتظاهرون وسائل مبتكرة مثل التى حدثت أمام منزل الرئيس أو أمام مكتب الإرشاد ومنزل وزير الداخلية، وذلك لجذب وسائل الإعلام للتركيز عليهم، كما أن تغير التكتيكات الاحتجاجية أمر طبيعى، فى حين أن الحكومة لا تزال تستخدم الأساليب القديمة والتقليدية ذاتها ضد المعارضين والمحتجين".
وأضاف: «نحن الآن فى مرحلة سياسة الشوارع، التى تختلف تمامًا عن تلك السياسات التى تمارس فى الفنادق والقاعات من قبل الحكومة والأحزاب السياسية، والشارع يحتاج إلى أشخاص يتميزون بالتجديد والتطوير".
وقال أستاذ الإعلام السياسى بجامعة حلوان، الدكتور محمد كمال القاضى، إنَّ «النظام الحالى يفتقد القدرة على إدارة الأزمات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، وطالما أن هذه الأزمات مستمرة فإن احتجاجات المعارضة ستستمر أيضًا، وستنتهج أساليب جديدة ومبتكرة فى التظاهر»، مشيرًا إلى أن «المشكلة ليست فى المتظاهرين وأساليبهم الجديدة، لكن المشكلة فى أن المواطن المصرى أصبح يحترق يوميًّا من آثار الأزمات السياسية والاقتصادية، فالجميع مضار منها، ومن ثم ستتواصل الاحتجاجات".
وأوضح القاضى: «المواطن يشعر بأن أهداف الثورة لم تحقق لذا يتساءل عما فعله له النظام الحالى، هو لا يلمس أى تغيير إيجابى سواء من قبل مؤسسة الرئاسة أو الحكومة، كما أننا لأول فى التاريخ نرى النظام الحاكم هو من يفتعل المشكلات فى الدولة بقراراته الخاطئة فى حين أن واجبه هو حل تلك المشكلات، فما معنى إبقاء الرئاسة على النائب العام الحالى الذى أصبح مرفوضًا شعبيًّا وقضائيًّا".
من جهتها، قالت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة خبيرة شئون الشرق الأوسط، د. نادية حلمى، إنَّ «هدف الاحتجاجات العمالية أو السياسية هو إحداث تغيير فى أوضاع قائمة، ومن المفترض أن يحدث هذا بطريقة سلمية ولكن فى الفترة الأخيرة لجأت بعض الحركات والقوى السياسية إلى أشكال من الاحتجاجات تنتهج العمل اللا سلمى والعنف فى التظاهرات".
وأوضحت حلمى أن «الاحتجاجات غير السلمية هدفها لفت أنظار الرأى العام الداخلى والخارجى بعد أن فقدت الاحتجاجات التقليدية جدواها لدى المسئول أو رجل الشارع".
وينتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. محمد مصطفى، الأساليب الجديدة التى يتبعها بعض النشطاء السياسيين قائلا «هذه الاحتجاجات تدل على عدم جدية المعارضة وعلى سطحية أفكارها وبرامجها، ولا بد أن تتوقف هذه الاحتجاجات، كى تدور عجلة الإنتاج من جديد، بعد مضى أكثر من عامين دون توقف.