وأنت فى حضرة ألوان حلمى التونى العميقة، وفى حضرة نسائه وخيوله، تنتابك تساؤلات وتأملات لا حصرية، لاسيما وأنت فى زمن الثورة المستمرة والبطولات المزعومة والفروسية المفتقدة.. تجد فى خيوله كثيرا من المجد والكرامة والبسالة.. وفى نساء لوحاته كثيرا من ملامح الوطن ومعانى الانتماء والحضور الإنسانى الطاغى والتقدير المفتقد. المرأة عنده أيقونة وحياة..لا يمكن أن تتداخل مع أى امرأة لدى أى فنان آخر.. فقبل أن يذيّل لوحاته بحروف اسمه.. تنطق هى باسمه وبملامحه وطقوسه الفنية التى لا يمكن أن تخطؤها.
فى معرضه الجديد.. يروى حلمى التونى المزيد عن عوالم المرأة التى يبدو أنها لن تنته.. شاركها البطولة كائن آخر تجتمع فى حسنه الآيات.. وهو الخيل.. الذى تبارى التونى مع نفسه أولا ليطرح منافسة حكائية وتكوينية وجمالية بين عنصرى معرضه الجديد وهما «نساء وخيول» الذى يستضيفه قاعة «بيكاسو» فى الزمالك ويستمر حتى 12 أبريل المقبل.
أطلق التونى العنان لخيول لوحاته.. حررها من سياجها.. وأضاف لبعضها أجنحة استعدادا للتحليق.. ربما يحيلك ذلك لما يمكن وصفه ب«حصان الخيال» ربما تدندن على العود كما بطل «الكيت كات» «يالا بينا تعالوا نسيب اليوم بحاله.. وكل واحد مننا يركب حصان خياله».. تتعالى مع دندنة الخيال تلك واحدة من بطلات التونى وهى تتماهى مع حصانها ذى الجناحين.. فهو تحرير وانطلاق وسفر بعيد.
يربط التونى بين ثنائية النساء والخيول فى سهولة ممتنعة.. تجده يحيك من معالم الجمال النسائية وتلك الخاصة بالخيل لوحات فريدة.. مقارنات عذبة.. تفاصيل يومية فصّل منها إبداعات خاصة.. تراه وقد صوّر فتاة بظهرها تعانق خيلا.. وفى مقدمة اللوحة شعرها شديد الطول والجمال يتماهى مع «ذيل الحصان» فى تفصيلة جمالية تجمع بين المرأة والخيل.
حتى الرشاقة والخفة صاغ منها مقارنة بصرية طريفة، عندما جعل راقصة باليه ترقص على ظهر حصان أبى هو الآخر إلا أن يشاركها الرقص والدلال.. فى لوحة تحرضك على الرقص ولو بقلبك.. تغادر تلك اللوحة إلى أخرى فتغادرك حالة البهجة تلك وأنت تشاهد على وجه إحدى بطلاته مسحات من حزن وشجن فتلجأ إلى حصانها ليكون لها حارسا وفارسا تستظل به.. وأخرى تمتطى حصانا آخر ليبرز لها جمالا مضاعفا وربما يسلب منها بعض الجمال لصالحه.
نوستالجيا وزمن بعيد كانا يطلان من عيون التونى وهو يرسم لوحة لطفلة صغيرة تمتطى حصانها الخشبى.. تذهب بعيدا وأنت ترمق ذلك الخشبى المتأرجح الذى داعب على مدار عمره المديد أحلاما صغيرة رائقة.
لم تكن هذه الصغيرة وحدها بجوار السيدات المفعمات أنوثة وفنا.. فبجوارها تجد فتاة صغيرة تقف وحدها فى حراسة حصان بارع الجمال و«لمبة» صغيرة تضىء لها بصيصا من أمل.
أبى التونى إلا أن يطلق العنان لمخيلتك أكثر وأكثر وهو يطرح أمامك عناصر محببة له فى لوحاته.. فهذا هو الهدهد بكامل ملكيته وبهائه وهو يحلق فى سماء نسائه ويبوح بأسرار أسطورته لهن ويستمع لأنينهن المكتوم فى صمت بئر سحيق.. تراه يحوّل أجواء معرض التونى فجأة إلى الفرعونية وهو يحاكى ملكة عذبة ويواجهها، تراه فى مرة أخرى يحلق فى سماء امرأة شاردة تطل من مشربية أحلامها البعيدة.