يظل عبدالحليم حافظ هو أسطورة الغناء المصرى عبر تاريخه الطويل. ربما تكون هناك أصوات أخرى جاءت قبله أو بعده أفضل من حيث الإمكانات الصوتية، لكن كان حليم كامل الأوصاف من حيث توافر العناصر التى تجعلنا نقول عنه أسطورة الطرب. من هذه العناصر الثقافة الفنية والعامة والذكاء الفنى والاجتماعى والقدرة على الاختيار من حيث الكلمة واللحن واختيار فريق العمل. إلى جانب حسن المظهر وطريقة الكلام، ومتى وأين يتحدث؟ كلها عناصر صنعت الأسطورة.
ويبقى جانب خفى يتبع منطقة الذكاء الاجتماعى فى شخصيته وهى علاقة عبدالحليم بأسر كبار الفنانين الذين تعاون معهم مثل أسرة الموسيقار محمد الموجى التى تربى فى أحضانها. باعتبار أن الثنائى نحتا سويا فى الصخر حتى وصلا إلى تلك النجومية كلا فى مجاله. وكذلك أسرة الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب الذى كان نقلة حقيقية فى حياة حليم كملحن ومنتج ومرشد له، خاصة أن عبدالوهاب كان له طبيعته الخاصة فهو لا يتواجد، حيث يتواجد الكثيرون علاقته بالناس يشوبها التحفظ تحركاته كان يحسبها بالخطوة لذلك كان لتعامله مع هذه الأسرة روح أخرى.
كيف كانت علاقة حليم الإنسانية والأسرية بهم وهل كان يغلب عليها الطابع البروتوكولى على اعتبار أنه نجم كبير أم كانت علاقة تقليدية مثل علاقة أى إنسان ببعض المقربين منه. هل كان يجلس معهم على سفرة واحدة؟ هل كان يستأذن ويذهب بميعاد؟هل كان له أكلات مفضلة وطبيعة العزومة نفسها مثل أبناء البلد أم يغلب عليها طابع الموائد التى تعد مسبقا عندما يكون هناك ضيف عزيز. تحدثنا فى البداية مع الموسيقار الموجى الصغير عن علاقة أسرة الموجى بحليم.
قال: منذ ميلادى وهناك رابط بينى وبين حليم لأننى ولدت يوم ظهور أغنية صافينى مرة للنور، وهو ما جعل والدى يتفاءل بى وكذلك عبدالحليم. وفى هذا اليوم كان والدى يرغب فى أن يكون اسمى عبدالحليم ولكن جدى اعترض وفضل أن يطلق على اسم الأسرة وهو الموجى.
وعلى مستوى العلاقة الإنسانية كل أشقائى «فتحوا عينهم» على عبدالحليم حافظ. وجدناه بيننا مثل أى فرد من الأسرة. كان يتابعنا حتى على مستوى الدراسة. لدرجه أنه حرمنا من الصيف فى إحدى السنوات بعد أن وجد أن درجاتى الدراسية ضعيفة من وجهة نظرة أنا وشقيقى الأكبر أمين. وحاولنا إقناع والدى بعدم تنفيذ وجهة نظره لكنه أصر على قرار حليم وقال ما فيش مصيف. وبعد أن التزمنا بالقرار منحنا إجازة أسبوعية نقضيها فى نادى الجزيرة. وفى العام التالى نجحنا بتفوق وذهبنا إليه جميعا فى منزله مرتدين ملابس حمراء لأننا كنا نعتقد أنه زملكاوى وكانت المكافأة منه فورية، حيث منح كل شقيقاتى سلاسل ذهبية، وأرسلنى أنا وأمين إلى لندن على نفقته الخاصة طيران ومصروف جيب وإقامة. وهذا يؤكد كيف كانت العلاقة الإنسانية بيننا.
وأضاف الموجى: حليم كان يعتبر منزلنا هو منزله دخوله أو خروجه أمر لا يخضع لأى مواعيد، كان عاشقا لأكل والدتى خاصة الملوخية بالفراخ، وكان يقول ملوخية أم أمين ليس لها مثيل. وذات مرة حضر إلينا أثناء إفطارنا فى أحد أيام رمضان، وكانت والدتى قد أعدت صينية من البطاطس بالدمعة، وكان ممنوعا بأمر الأطباء من الاقتراب من هذه النوعية من الأطعمة، ووقتها رفض والدى أن يقترب منه واستغل فرصة انشغال والدى وقام بأخذ معلقة منها مما أدى إلى إصابته بنزيف مفاجئ. وعنفه والدى يومها، وكان رده: كان نفسى فيها يا موجى.
وأشار الموجى: حليم لم يكن لديه وقت محدد لزيارتنا. فى إحدى المرات كان هناك خصام مع والدى وفوجئنا به بعد أن تم الصلح بالصعود إلى البيت فى السادسة صباحا لكى يخبرنا بنفسه عن الصلح، ودخل إلى حجرة نوم والدتى وحضنها باكيا لأنه ابتعد عنا كل هذه الفترة. علاقته بأمى هى علاقه أخ بأخته أو أم بابنها. لدرجة أن والدى كان له بعض الزيجات التى بالطبع رفضتها الأسرة، وكان حليم يتدخل حتى يترك الزوجة الجديدة، وفى إحدى المرات تزوج والدى من فنانة استعراضية، وأثناء دخوله لمعهد الموسيقى العربية أحد الموجودين قال كلمة لم تعجب حليم ودفعته للبكاء، وهو ما جعل والدى يرضخ لمشاعر حليم ويطلقها.
وقال الموجى إن والدتى أيضا تدخلت كثيرا لعلاج أى مشكلة تقع بين والدى وحليم.
وأضاف: «إن حليم كان يعنفنا لو أحد أشقائى قال له أستاذ عبدالحليم. كان يطالبنا بأن نقول له عمى.. وكان يرى أن كلمة أستاذ هى للأغراب فقط.
حليم كان أخا وأبا وعما وخالا.
وتحدثت السيدة عفت عبدالوهاب عن علاقة حليم بأسرة موسيقار الأجيال.. مؤكدة أن عبدالحليم الفنان الوحيد الذى كان يدخل منزلنا دون إذن مسبق رغم أن والدى معروف عنه بالتحفظ خاصة فى المواعيد. وأقرب فنان كان لنا كانت مديحة يسرى. فى أعياد الميلاد والأفراح كان هو نجمها كان يغنى لنا. وعندما تزوجت اصطحبنى أنا وزوجى وسهرنا معه لأن الحفل فى المنزل كان بسيطا فعوضنا بهذه السهرة. كان حليم يخاف علينا مثل بابا تماما لدرجة أن ذات مرة سقطت الكرة من البلكونة، ونزلنا لإحضارها وهنا عنفنا كثيرا. وقال لوالدى: كيف تسمح لهم بالنزول ولم يكن أصلا بابا يعلم بالأمر فأخذنا منه تعنيفا شديدا. حليم كان واحدا من الأسرة يأكل ما نأكل من فهو رحمه الله كان يفضل الأكل من نفس نوعية غذاء بابا المسلوق لأن صحته كانت ضعيفة. كان أيضا يتابعنا فى الدراسة. لذلك لم ننظر له كفنان. كان أخا أكبر أو عما