رئيس الشئون الدينية التركي يشيد بحكمة الرئيس السيسي ورؤيته الثاقبة    نائب محافظ الإسماعيلية: نكثف استعداداتنا لمهرجان المانجو الثالث ( صور )    وزير جيش الاحتلال يكشف احتمالية تجدد المعركة مع إيران    منتخب الناشئين تحت 17 عاما يختتم استعداداته لمواجهة العبور وديا (صور)    حسين عطية الثاني بالثانوية العامة: "والدي لم يبخل علي بشيء رغم مرضه"    من العندليب إلى سعد الصغير، 6 أغان تعبر عن فرحة النجاح بالثانوية العامة    وزير الرياضة يبحث مع رئيس اتحاد الجودو آخر استعدادات مصر لاستضافة البطولة العربية    ختام فعاليات ماراثون جامعة بنها الثاني لمشروعات التخرج 2025    «سانا»: بدء دخول الحافلات إلى السويداء لإخراج العائلات المحتجزة داخل المدينة    «مايقدرش يعنفها».. إنجي علاء تدافع عن راغب علامة بعد قرار إيقافه    حالتان يجوز فيهما إفشاء الأسرار.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    3 أطعمة لخفض الكوليسترول يجب إضافتها إلى نظامك الغذائي    استشاري تغذية علاجية: «الفاكهة خُلقت لتؤكل لا لتُشرب»    بالفيديو.. رقص محمد فراج وريهام عبدالغفور من كواليس "كتالوج" وبسنت شوقي تعلق    رئيس مجلس الشيوخ: حاولنا نقل تقاليد العالم القضائي إلى عالم السياسة    اعتماد أولى وحدات مطروح الصحية للتأمين الشامل.. وتكامل حكومي - مجتمعي لرفع جودة الخدمات    أوكرانيا تراهن على الأصول الروسية والدعم الغربي لتأمين الإنفاق الدفاعي في 2026    عروض زمن الفن الجميل في ثاني أسابيع "صيف بلدنا" بالعلمين    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى: الإيذاء للغير باب خلفي للحرمان من الجنة ولو كان الظاهر عبادة    لتعزيز صناعة الدواء بالقارة السمراء.. مصر تدرس إنشاء مصنع دواء مشترك مع زامبيا    رئيس اتحاد عمال الجيزة: ثورة 23 يوليو أعادت الكرامة للطبقة العاملة    أهم أخبار الكويت اليوم.. ضبط شبكة فساد في الجمعيات التعاونية    حملة للتبرع بالدم فى مديرية أمن أسيوط    الجريدة الرسمية تنشر قرارين للرئيس السيسي (تفاصيل)    هل يواجه المستشار الألماني ضغوطا لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل؟    «انتهت رحلتي».. نجم اتحاد طنجة يوجه رسالة إلى جماهيره قبل الانتقال للزمالك    "حلو التان" أغنية ل أحمد جمال بتوقيع الشاعرة كوثر حجازي    تقديم الخدمات المجانية ل 4010 حالات ضمن حملة "100 يوم صحة" بالمنيا    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    بكم طن الشعير؟.. سعر الأرز اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 في الأسواق    قصة حياة عادل إمام.. يوسف معاطي يروي حكايته مع الزعيم وكواليس أشهر أعمالهما    «في فرق كبير والتاني بيستخبي».. عبدالحفيظ يعلّق على تصرفات إمام عاشور وفتوح    وزير قطاع الأعمال يبحث مع هيئة الشراء الموحد التعاون بقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية    الداخلية تواجه سرقة التيار الكهربائي ب4120 قضية في يوم واحد    البورصة المصرية تخسر 12.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    انتظام محمد السيد في معسكر الزمالك بالعاصمة الإدارية    وزيرة التخطيط تلتقي ممثلي شركة ميريديام للاستثمار في البنية التحتية لبحث موقف استثمارات الشركة بقطاع الطاقة المتجددة    نقابة أطباء قنا تحتفل بمقرها الجديد وتكرم رموزها    رفع الأشجار المتساقطة من شوارع الوايلي غرب القاهرة    افتتاح نموذج مصغر للمتحف المصري الكبير بالجامعة الألمانية في برلين (صور)    «هو لازم تبقى لوغاريتمات».. شوبير ينتقد الزمالك بسبب عرضي دونجا وصبحي    بعد أيام.. موعد وخطوات ورابط نتيجة الثانوية الأزهرية    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    الصحة: إغلاق خمسة فروع لعيادة "بيلادونا ليزر كلينك" للتجميل والعلاج بالليزر    ماذا كشفت التحقيقات في واقعة ابتزاز الفنان طارق ريحان؟    فيلم الشاطر ل أمير كرارة يحصد 22.2 مليون جنيه خلال 6 أيام عرض    خاص| دنيا سامي: نفسي أعمل "أكشن كوميدي".. ومبسوطة بنجاح مصطفى غريب    تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي.. مؤشرات الحد الأدنى للقبول بالجامعات    اجتماع طارئ بجامعة الدول العربية لبحث الوضع الكارثي في غزة    استخراج جثامين طفلين من الأشقاء المتوفين في دلجا بالمنيا    طقس السعودية اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025.. أجواء شديدة الحرارة    الخطيب يطمئن على حسن شحاتة في لفتة إنسانية راقية    العش: معسكر تونس مفيد.. ونتطلع لموسم قوي مع الأهلي    وزير خارجية فرنسا: ما يحدث في غزة فضيحة.. ولا مبرر لعمليات إسرائيل العسكرية    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى الرئيس النيجيري    10 تيسيرات من «الداخلية» للمُتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة 2025    من الهند إلى أوروبا.. خطة سرية كبرى بين نتنياهو وترامب لليوم التالي بعد إنهاء الحرب في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



..مصر تتطلع إليكم.. فلا تخذلوها..
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 02 - 2009

عزيزى القارئ.. تخيل أنك قاضٍ، وأن الحكومة قد عهدت إليك بالإشراف على انتخابات مجلس الشعب.. أنت تعلم مثل المصريين جميعًا أن كل الانتخابات فى مصر تزورها الحكومة لصالح مرشحيها وأن الاستفتاءات التى يستند إليها رئيس الجمهورية ليبقى فى السلطة، مزورة من أولها إلى آخرها.. لكنك كقاضٍ، واجبك أن تتحقق من نزاهة الانتخابات.. وقبل الانتخابات بقليل جاء إليك مسئول رفيع لينصحك، بطريقة مهذبة وودية للغاية، بأن تركز اهتمامك على ما يحدث داخل اللجنة الانتخابية وليس ما يحدث خارجها.. لم يطلب هذا المسئول منك لا سمح الله أن تشترك بنفسك فى تزوير الانتخابات، كل ما هو مطلوب أن تتحقق من سلامة الإجراءات الانتخابية كما تشاء، ولكن داخل اللجنة وليس خارجها.. أنت، بخبرتك كقاضٍ، تعلم تمامًا ما سوف يحدث: سوف يقف رجال الأمن خارج اللجنة ليمنعوا الناخبين جميعًا من الدخول ماعدا المؤيدين للحزب الحاكم.. إنها، إذن، مسرحية مشينة وأنت كقاض ستكون مشاركًا فيها، سوف يتولى الأمن ضرب الناس واعتقالهم فى الخارج بينما تجلس أنت فى الداخل لتضفى بوجودك مظهرًا شرعيًّا كاذبًّا على انتخابات تزور فيها إرادة الأمة.. فى هذه الحالة، أيها القاضى، أنت أمام اختيارين: إما أن تشترك فى الجريمة وتكون قد خنت الأمانة وخالفت ضميرك وحمّلت نفسك ذنبًا عظيمًا أمام الله.. وإما أن تصر على متابعة الانتخابات داخل اللجنة وخارجها وأن تمنع التزوير أو تفضحه كما يقتضيك شرف القاضى.. الاختيار بين الموقفين صعب لأن القاضى فى مصر ليس مستقلًّا عن الحكومة فهى تتدخل فى شئونه وتملك ثوابه وعقابه بل تدمير مستقبله أيضًا إذا أرادت.. فرواتب القضاة تصرف من وزارتى المالية والعدل، التابعتين لرئيس الدولة الذى يسعده كثيرًا، طبعًا، أن يستأثر أتباعه فى الحزب الوطنى بكل المقاعد فى مجلس الشعب، كما أن إدارة التفتيش القضائى وهى الجهة المختصة بمحاسبة القضاة وعقاب المخطئين منهم، تابعة بالكامل لوزير العدل، الذى يعينه رئيس الجمهورية أيضًا بنفسه،.. أضف إلى ذلك أن وزير العدل يستطيع أن يكافئ من يعجبه من القضاة بانتدابهم كمستشارين فى الوزارات المختلفة، مقابل رواتب تبلغ أضعاف رواتبهم الأصلية.. كل ذلك يجعل الاختيار صعبًا أمام القاضى المشرف على الانتخابات، أمامه العدل والحق من ناحية ومن ناحية أخرى أمامه سيف المعز وذهبه.. والقاضى إنسان ورب أسرة لديه التزامات ومطالب الأولاد تلح عليه ويشكو مثلنا جميعًا من الغلاء وصعوبة المعيشة.. وفى مثل هذه الظروف فإن من يتمسك بأداء واجبه من القضاة ليس مجرد إنسان شريف وإنما هو بطل حقيقى، والأبطال فى التاريخ الإنسانى قلة من البشر أوتوا الصلابة والقدرة على الدفاع عن الحق إلى النهاية مهما يكن الثمن.. ولا يمكن أن نطالب الناس جميعًا بالبطولة لأن ذلك مخالف لطبيعة البطولة ولطبيعة الناس.. ولكن فى مصر العظيمة، يحدث أحيانًا أن يتجلى معدن شعبها الأصيل النادر فتنكسر القواعد الإنسانية ويحدث ما يشبه المعجزات.. فقد اختار قضاة مصر أن يدافعوا عن الحق مهما يكن الثمن.. وسوف تسجل صفحات التاريخ، بفخر وإعزاز، أن قضاة مصر رفضوا أن يشاركوا فى مسرحية تزوير الانتخابات، وقد انعقدت الجمعية العمومية الشهيرة عام 2005 التى حضرها أكثر من خمسة آلاف قاض، دخلوا إلى القاعة باعتبارهم قضاة يمثلون القانون وخرجوا منها أبطالًا حقيقيين يمثلون إرادة الأمة فى الحق والعدل والحرية. لم يفكر هؤلاء القضاة فى المزايا التى تقول الحكومة إنها ستغدقها عليهم لو أغمضوا أعينهم عن التزوير، بل فكروا فقط فى معنى الشرف، فى مسئوليتهم أمام الله والوطن والشعب المصرى.. فأعلنوا رفضهم للإشراف على الانتخابات مادامت لم تتوافر ضمانات حقيقية لعدم تزويرها، وطالبوا بالاستقلال الكامل للقضاء عن وزارة العدل ورئيس الدولة.. وتحول رموز نادى القضاة بين يوم وليلة، إلى رموز للمصريين جميعًا.... ولا أعتقد أن النظام فى مصر قد انزعج أو ارتبك من حدث مثل مطالبة القضاة باستقلالهم؛ أولًا لأن القاضى يشغل فى الوجدان المصرى مرتبة جليلة ورفيعة تؤهله بسهولة للزعامة.. وثانيًا لأن القضاة أثبتوا أنهم غير قابلين للشراء ولا للتهديد مما يجعل إخضاعهم لأهواء النظام مستحيلًا. وثالثًا لأن النظام يعلم أن استقلال القضاء لو تحقق فإن مصر كلها ستتغير، فى ظل قضاء مستقل ستنتهى المحسوبية والوساطة والاستثناءات ولن يفلت فاسد مهما كبر منصبه من المحاكمة، سوف يحاسب الناس جميعًا بموجب قانون واحد وأمام قاضٍ عادل لا سلطان عليه إلا لضميره. إذا استقل القضاء فى مصر سيكون بمقدور أصغر وكيل نيابة أن يحقق مع أكبر مسئول فى الدولة مثل أى مواطن عادى، إذا استقل القضاء سوف يتوقف اعتقال الناس وتعذيبهم وإهدار كرامتهم فى أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة.. وسوف ينتزع المصريون حقهم الطبيعى فى انتخاب من يمثلهم ومن يحكمهم.. هكذا وجد النظام نفسه فى مأزق وهو الذى كان يتصور أن القضاة مثل أناس كثيرين، سوف يفضلون مصالحهم الشخصية على الحق والعدل.. وتم شن حملة شرسة للتنكيل بنادى القضاة وتشويه صورته أمام الرأى العام بكل الوسائل، وانطلق كتبة النظام والطبالون والزمارون ليتهموا القضاة الشرفاء بالعمل بالسياسة.. وهذا كلام سخيف متهافت لأن استقلال النظام القضائى عن السلطة التنفيذية، فى العالم كله، ليس مطلبًا سياسيًّا وانما هو الشرط المهنى الأول لمهنة القاضى.. فلا قيمة ولا مصداقية للقضاء إذا لم يكن مستقلًا.. إن القاضى المطالب باستقلال القضاء، أشبه بجراح دخل إلى حجرة العمليات لينقذ حياة المرضى فوجد جهاز التعقيم معطلًا، فهل إذا طالب هذا الجراح بإصلاح جهاز التعقيم يكون مشتغلًا بالسياسة..؟ أم أنه يطالب بشرط مهنى أساسى يستحيل العمل فى غيابه.. يوم الجمعة المقبل سوف يتوجه آلاف القضاة للإدلاء بأصواتهم لاختيار مجلس الإدارة الجديد لنادى القضاة.. وقد حشد النظام كل قوته وأتباعه لإسقاط تيار الاستقلال فى نادى القضاة الذى يمثله المستشار هشام جنينه وزملاؤه.. الشائعات تملأ الأوساط القضائية عن مزايا كثيرة سوف تنهال على القضاة اذا امتنعوا عن انتخاب القضاة الإصلاحيين: سيارات بأحجام وألوان مختلفة وأراض زراعية وشقق وقصور وفيللات وشاليهات تطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض.. وهذه العروض من رجال النظام تدل على أنهم لا يفهمون كيف يفكر القضاة فى مصر.. فالذين رفضوا أن يتواطئوا على تزوير الانتخابات ونزلوا بأوسمتهم بالآلاف ليعلنوا للعالم أن فى مصر قضاء شريف عادل، لا يمكن أن تضعف إرادتهم أمام سيارة بالتقسيط.. أضف إلى ذلك أن المصريين جميعًا يعلمون أن كل هذه وعود فى الهواء لن تتحقق أبدًا، فالحكومة لم تف بوعودها قط مع أية نقابة مهنية (هل تذكرون وعد الحكومة برفع رواتب الصحفيين..؟ أين هو الآن..؟).. إن انتخابات نادى القضاة يوم الجمعة المقبل، لا تخص نادى القضاة وإنما هى ملك لمصر كلها، لأن ما يحدث فى نادى القضاة سيحدد ما سوف يحدث فى مصر.. إن ملايين المصريين الذين عقدوا أملهم فى التغيير على استقلال القضاء.. الذين ساندوا حركة القضاة بكل مشاعرهم وقوتهم، الذين تحملوا ضربات الأمن المركزى والاعتقال والتنكيل وهم يهتفون بحياة القضاة، كل هؤلاء ينتظرون من القضاة يوم الجمعة المقبل، أن يكملوا مسيرة الشرف التى بدأوها عام 2005.. مصر نفسها، مصر المنهوبة المستباحة من الفساد والاستبداد، مصر الممنوعة من اختيار حكامها ومن تقرير مصيرها، مصر المظلومة تترقب العدل، والعدل لن يتحقق إلا بأيديكم... أيها القضاة... مصر تتطلع إليكم فلا تخذلوها...
العنوان الإلكترونى
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.