«ما يحدث بمصر لا يمكن مقارنته بالوضع فى مالى، وأتمنى ألا يحدث لمصر ما تشهده مالى، لأن تعرض الآثار المصرية للهدم والإتلاف سيكون بالنسبة لى نهاية العالم»، بهذه الكلمات أعرب المخرج المالى سليمان سيسيه عن مخاوفه مما وصفه ب«التطرف الدينى». وقال سيسيه، أحد أبرز مخرجى القارة السمراء، على هامش تكريمة بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، إنه وافق على التدخل الفرنسى فى بلاده لأنه شاهد الأطفال والنساء يعذبون ويقتلون كل يوم على يد «جماعة متطرفة»، مشيرا إلى أن المعترضين على التدخل الفرنسى لا يعيشون فى مالى، ولا يلمسون خطورة الموقف.
وأضاف أنه من جيل كبر مع الوطن وحمل له أحلاما كبيرة له، وكان من الصعب عليه أن يرى ما يحدث فيه من تدمير للقيم الإنسانية والثقافية، ومن هنا رفض مبدأ التفاوض مع المتطرفين، وعلق قائلا: «على أى شىء نفاوض الفاشيين».
ورأى سيسيه أن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يفتح آفاقا جديدة، وقال إنه علم بالمشكلات التى تواجه المهرجان خلال وجوده فى الأقصر، لكنه أكد أن المهرجان سيتغلب على المشكلات بإصرار القائمين عليه، وقال إنه سيستمر رغم كل شىء، وسنقف جميعا خلف هذا المهرجان كى يستمر.
وشدد المخرج المالى على أهمية التعاون بين دول القارة السمراء، وقال إن الأوروبيين عقدوا اتفاقات ومعاهدات وصنعوا أشياء لدعم التعاون بينهم، ومنها الاتحاد الأوروبى والسوق المشتركة وغيرها، وفى أفريقيا تفرض علينا الجغرافية أن نقيم هذا التعاون، واستشهد بحوض النيل الذى يربط مصر والسودان وغيرهما من الدول، وقال إن وجود مهرجان للسينما فى الأقصر يفتح مساحة للتبادل الثقافى.
وعن السينما المصرية، قال إنه تعرف عليها من خلال يوسف شاهين، الذى اقترب منه عندما عملا معا بمنظمة الفرانكوفونية، وإن كانت علاقته بالأفلام المصرية قد بدأت منذ الطفولة عندما كانت تعرض فى مالى أفلام مصرية، لم يتذكرها لأنه كان صغيرا جدا، ولم يتجاوز الخمس سنوات من عمره.
وأضاف أن غياب الأفلام المصرية عن مالى فترة طويلة جاء لأسباب كثيرة منها عدم وجود شاشات عرض، وقال إن هناك هموما مشتركة بين السينما فى مصر ومالى، وهناك الكثير من الأفلام تطرح نفس القضايا الاجتماعية التى يعانى منها المواطنون فى بلاده.
وقال سيسيه إنه خلال مشواره السينمائى رفض السير مع موجات الأفلام الوافدة من الخارج والتى يقدمها المخرجون الشباب، مثل أفلام العصابات وغيرها من الأنماط التجارية، مشيرا إلى ارتباط تجربته بحياة الناس فى بلادة وتجسيد معاناتهم وأحلامهم، وقال إنه من جيل شهد استقلال بلاده وتطلعها للمستقبل، ومن هنا انعكست هذه الحالة على أعماله والموضوعات التى يتناولها.
وتحدث سيسيه عن الأزمة التى مر بها عام 1974، مع أول أفلامه الروائية الطويلة «الفتاة»، والذى تم منع عرضه لمدة 3 سنوات، وتعرض بسببه إلى السجن دون محاكمة بعد خلافه مع جمعية السينما التى كانت تتشكل من عناصر تنتمى للسلطة.
ونفى أن يكون محتوى الفيلم هو سبب الخلاف، وقال إن الفيلم لا يوجد فيه أى شىء يستوجب منعه، وهو موجود على مواقع الإنترنت ويمكن لأى شخص أن يشاهده، وهو فيلم يتناول بشاعرية شديدة قضية فتاة تعرضت للاغتصاب، مضيفا أن الأفلام فى مالى لا يمكن منعها مادام حصل مخرجوها على موافقات من الجهات الرسمية.
لكن سيسيه عاد للإشارة إلى أنه بعد مشكلة الفيلم ظل يعانى لسنوات إلى أن حصلت أفلامه على جوائز من مهرجانات عالمية، وعندها احتفل به من فى السلطة باعتباره مخرجا يمثل مالى فى المحافل الدولية ويحقق لها الجوائز.
ويعد سليمان سيسيه واحدا من أهم المخرجين فى القارة، برز اسمه فى عام 1987 عندما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان «كان» عن فيلمه «البراق»، وأكد وجوده على ساحة السينما العالمية عندما نافس فيلمه «الوقت» على ذهبية مهرجان «كان» فى عام 1995، وعرض له مهرجان الأقصر، فى إطار تكريمه، الفيلم التسجيلى «عثمان سمبين» والذى يتناول فيه حياة صديقه المخرج السنغالى الراحل عثمان سمبين.