لم يسبق أن فاز بنيامين نتنياهو فى الانتخابات بأغلبية كبيرة، أو أغلبية مريحة مثلما جرى مع أريئيل شارون أو يتسحاق رابين أو إيهودا باراك. فقد كان فوزه دائما يستند إلى أغلبية ضئيلة، فهذا ما حدث مثلا فى سنة 1996 عندما فاز على شمعون بيرس بنحو نصف بالمائة، ورغم المجهود الكبير الذى بذله فى انتخابات 2009 خسر الليكود أمام كاديما بفارق مقعد واحد. ويبدو أن هذا التقليد لم يتغير أمس أيضا مع الهزيمة النكراء التى نزلت بقائمة الليكود بيتنا.
أمّا نتنياهو شخصيا فقد تلقّى صفعة مدوية من ناخبى اليمين، ذلك بأن القائمة، واستنادا إلى النتائج الحقيقية وشبه النهائية، خسرت 11 مقعدا، مقارنة بقوتها فى الكنيست المنتهية ولايته، أمّا كتلة اليمين التى يتزعمها نتنياهو فخسرت خمسة مقاعد. صحيح أن نتنياهو سيتمكن من الحفاظ على منصبه، لكن ذلك سيكون بشروط صعبة للغاية. ويبدو أنه لن يكون فى استطاعة مجلة «التايم» الأمريكية تتويج «بيبى ملكا» على إسرائيل فى المستقبل المنظور، فبالأمس ولد ملك جديد هو يائير لبيد.
إن فوز يائير لبيد هو بمثابة نجاح للسياسة العصرية، سياسة التليفزيون، والبرامج الواقعية. وممّا لاشك فيه أن يائير شاب محبوب وطيب، لكن تجربته تقتصر على تقديم البرامج التليفزيونية وعلى الصحافة. وهو بعد شهر سيجد نفسه فى غرفة المجلس الوزارى حيث عليه أن يتعامل مع معلومات استخباراتية وعسكرية لم يخطر بباله أنها موجودة. والمفارقة أن رجلا مثل شاؤول موفاز، رئيس أركان سابق ووزير دفاع سابق أيضا والوحيد فى الجهاز السياسى الذى ينطبق عليه صفة الرجل العسكرى، فشل إذ بحسب النتائج شبه النهائية اقتصر فوز كاديما على مقعدين فقط، فى حين أن لبيد الذى لم يدخل معترك الحياة السياسية إلاّ قبل 12 شهرا، استطاع الفوز ب 19 مقعدا (وهذا الكلام ينطبق على نفتالى بينت زعيم حزب البيت اليهودي).
من المنتظر، فى الأيام المقبلة، أن تُدرس ظاهرة يائير لبيد، لكن ما يمكن قوله فى هذه المرحلة هو أن استطلاعات الرأى الجدية كلها أظهرت تزايد قوته، وأنه، أسبوعيا، كان يفوز بمقعد أو مقعدين جديدين. وقد أظهرت استطلاعات الرأى 13 مقعدا. وكان التى نُشرت فى نهاية الأسبوع أنه سيحصل على ما بين 12 واضحا لكل من لديه معرفة بسيطة بالاستطلاعات أن قوة لبيد مرشحة لمزيد
من الصعود، وتبيّن أمس أن هذا الصعود سريع جدا. فقد نجح لبيد فى جذب جميع الذين كانوا يترددون بين التصويت له أو لحزب العمل، وبينه وبين ليفنى، وبينه وبين نفتالى بينت. ويمكن القول إن التصويت لمصلحته كان من جهة تصويتا احتجاجيا، لكن من جهة أُخرى فإن الذين انتخبوه هم، فى أغلبيتهم، ينتظرون منه المشاركة فى الحكومة.
إن المشهد السياسى الذى برز أمس هو مشهد واضح تماما: لا مجال لنشوء حكومة مقبولة ومنطقية، يمكن أن يترأسها نتنياهو من دون أن يتعرض للعزلة فى العالم إلا إذا كان لبيد مشاركا فيها. نظريا فى إمكان نتنياهو تأليف حكومة يمين مع الحريديم، لكن لا بد من أنه يدرك أن هذا معناه نهاية حياته السياسية. وفى ظل هذا الوضع، تحوّل لبيد إلى أهم لاعب فى التركيبة السياسية. ونظرا إلى كونه لا يعتبر نفسه مرشحا لرئاسة الحكومة، فإنه سيجد نفسه أمام إمكانين: أن يتحول إلى زعيم للمعارضة فى الكنيست التاسع عشر، أو على العكس من ذلك أن يصبح وزيرا كبيرا ومؤثرا فى حكومة نتنياهو الثالثة.
وفى حال اختار لبيد الإمكان الثانى، وتصرف بصورة صحيحة من دون ادعاءات أو غرور، فإنه سيكون قادرا على تحقيق شعار حزبه بالتغيير.
فى ظل توزيع عدد المقاعد الحالى، فإن لدى نتنياهو ولبيد ونفتالى بينت، زعيم حزب البيت اليهودى، أكثرية فى الكنيست، فهناك نحو 61 مقعدا (بحسب النتائج شبه النهائية). إن تركيبة حكومية تجمع بين هذه الأحزاب الثلاثة ستحمل لإسرائيل صفقة هى بحاجة ماسة إليها، أى تغيير قانون الانتخابات والنظام السياسى، وإصدار قانون جدى لتجنيد الحريديم، وإصدار ميزانية مسئولة. باختصار، فإن الوعود الانتخابية كلها التى أعطاها لبيد هى الآن فى متناول يده، ويمكنه تحقيقها كلها.
تبقى هناك أربع ملاحظات: الأولى، أن زعيمة حركة ميرتس استطاعت أن تفعل ما لا يُصدّق، إذ إنها ضاعفت عدد مقاعد الحركة، وخاضت معركة ذكية تمركزت حول شعار بسيط هو أن ميرتس هى الحزب اليسارى الوحيد الذى يفتخر بكونه يساريا، ولذا، فإن على جميع اليساريين التصويت له. وعلى الرغم من التساوى فى عدد المقاعد بين ميرتس وحزب هتنوعا بزعامة تسيبى ليفنى، ستة مقاعد لكل منهما، فإن ميرتس استطاعت أن تنتقم من تسيبى التى 3 مقاعد. أخذت من الحركة فى انتخابات 2009.
الملاحظة الثانية، هى أن حزب العمل برئاسة يحيموفيتش حصل على 15 مقعدا، وهذه نتيجة ما زالت بعيدة عن التوقعات التى برزت فى بداية الحملة قبل دخول ليفنى إلى السباق الانتخابى، والتى كانت تشير إلى إمكان حصول الحزب على 22 مقعدا. لكن ليفنى لا تتحمّل وحدها المسئولية عن ذلك، بل إن مَن يتحملها أيضا هو الحملة الانتخابية التى خاضتها شيلى يحيموفيتش التى لم تحفّز الناخبين أو تحمّسهم.
الملاحظة الثالثة، هى أن المقاعد التى خسرتها أحزاب الوسط واليسار نتيجة عدم تمكن أحزاب صغيرة من تخطى نسبة الحسم، أدت إلى ضياع الأصوات ومنع حدوث انقلاب فى الكتل. الملاحظة الرابعة، هى أنه فى الوقت الراهن يبدو الحريديم شاس ويهدوت هتوراه بعيدين جدا عن الحكومة المقبلة، إلاّ فى حال قرر نتنياهو تأليف حكومة تجمع بين اليمين والحريديم، وهو أمر غير منطقى. ومن المحتمل أن يقوم نتنياهو باستغلال خسارته الانتخابية بصورة إيجابية من خلال تأليف حكومة مدنية من دون الحريديم، فالشعب يريد حكومة مدنية من دون شاس ويهدوت هتوراه.