حين قالت وزيرة القوى العاملة فى مصر إنها تخوض حربا مع رجال الأعمال للحد من العمالة الآسيوية، فإنها كانت تعبر عن نمط التفكير البيرقراطى، بأكثر مما تعبر عن التفكير العملى والبراجماتى. وإذ أفهم أن تكون حماية العمالة المصرية من مسئوليات وزارة القوى العاملة، فإن هذه الحماية المفترضة لا تكون فقط بالإجراءات، وإنما تصبح فعالة أكثر إذا لجأت إلى رفع الكفاءة وتحسين القدرات. ذلك أن رجال الأعمال حين يلجأون إلى استقدام العمالة الأجنبية، الآسيوية أو غيرها، فإنهم لا يفعلون ذلك من قبيل الوجاهة والتباهى بأنه حتى العمالة عندهم مستوردة من الخارج، ولكنهم يلجأون إلى ذلك لأنهم يجدون فى تلك العمالة ما يفتقدونه فى مصر، وما يضيف إليهم شيئا أو أشياء لاتوفرها العمالة المصرية. وقبل أن استرسل فى شرح وجهة نظرى أنبه إلى أننى مع الوزيرة فى موقفها وهدفها، ولكننى مختلف معها فى الأسلوب الذى تخيرته لبلوغ ذلك الهدف. ذلك أننا إذا تتبعنا تاريخ وجود العمالة الأجنبية فى مصر، فسنجد أن استقدام الخبراء الأجانب كان عنصرا حاضرا على الدوام، من الصناعة إلى أطقم التحكيم فى مباريات كرة القدم. ولكن دخول العمالة إلى البلاد أمر حديث نسبيا، بدأ بالعمالة المنزلية وانتهى بالعمالة فى المجالات الصناعية والمعمارية. وسيظل مثيرا للدهشة لاريب أن يحدث ذلك فى بلد يعج بملايين العاطلين، الأمر الذى يعنى أنه لايوجد نقص فى الأيدى العاملة، وإنما هناك مشكلة فى كفاءة العامل ومهاراته. إن شئت فقل إن المفارقة تدل على أن هناك فشلا فى استثمار الموارد البشرية المتاحة، دفع رجال الأعمال إلى توفير المهارات المطلوبة من مصادر بديلة فى الدول الآسيوية. قال لى صديق يملك مصنعا كبيرا للمنسوجات ويصدر جانبا كبيرا من إنتاجه لحساب بعض الشركات العالمية، إنه طلب استقدام 150 عاملا فنيا من بنجلاديش للاستعانة بهم فى توسعاته والوحدات الإنتاجية الجديدة التى قرر تشغيلها. وسمعت كلاما مشابها من صاحب مصنع أدوية، وثالث يملك مصنعا للمسبوكات. حين سألت عن سبب لجوئهم إلى جلب عمال من الخارج قالوا إنهم بذلك يضربون عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية يحصلون على مهارات فنية غير متوفرة فى السوق المصرية، ومن ناحية ثانية يطمئنون إلى مستوى الانضباط والدقة فى العمل. تكرر هذا الرد على مسامعى أكثر من مرة، حتى وجدت ما يشبه الإجماع على أن العمالة المصرية تعانى من عيبين أساسيين هما: نقص المهارة، والتراجع فى قيم العمل وأخلاقياته. سمعت امتداحا لذكاء العامل المصرى وسرعة تعلمه وبديهته، وقدرته على «الفهلوة». كما سمعت انتقادا لتواكله وفرديته التى تعطل العمل الجماعى وتساهله فى إتقان العمل ومواعيده، وحرصه على أن يأخذ بأكثر مما يعطى. وفى رأى رجال الأعمال أن تلك النقائص أكثر ظهورا فى محيط الأجيال الجديدة من العمال. وهى الأجيال التى أفرزها المناخ السائد فى مصر الذى شهد تحولات كبيرة فى منظومة القيم الاجتماعية. وكان السلبى منها أكثر من الإيجابى. إذا صحت هذه المعلومات فهى تعنى أن كفاءة القوى العاملة فى مصر تتراجع، الأمر الذى يدفع أصحاب الأعمال إلى محاولة تكملة النقص من خلال العمالة الأجنبية، ويؤدى فى الوقت ذاته إلى تراجع سوق هذه العمالة فى العالم العربى. وهى الظاهرة التى برزت بوضوح خلال السنوات الأخيرة، فى منطقة الخليج بوجه أخص. هذه الخلاصات تعنى أيضا أن الحد من العمالة الآسيوية لا يتحقق بقرار تصدره وزيرة القوى العاملة، أو بعقبات تضعها أجهزة الدولة الأخرى، علما بأن هناك ما لا حصر له من الثغرات التى تسمح بالالتفاف على هذه القرارات وإبطال مفعولها. لكن هذا الهدف يمكن تحقيقه عن طريق علاج أسباب العزوف عن العمالة المصرية بالارتقاء بها وإعادة تأهيله. وهذه مهمة ينبغى أن تكون ضمن أولويات وزارة القوى العاملة والنقابات العمالية. ذلك أن البشر يمكن أن يتحولوا إلى ثروة كبرى إذا أحسن استثمار طاقاتهم، وكارثة كبرى إذا تحولوا إلى كم خامل وعاجز عن العطاء ويعول على «الفهلوة» بأكثر من تعويله على المهارة.