الاعتراف بالأخطاء هي العبادة التي يحرص عليها الأقباط، ولأنها الأصعب على النفس جعلتها الشريعة المسيحية سرية، تقتصر على الكاهن وغرفة الغفران. في السياسة الوضع مختلف، فالاعتراف بالأخطاء هدفه الوحيد اجتنابها في المستقبل، ومراجعة النفس ضرورية لفصيل دخل المعترك السياسي في الآونة الأخيرة بشكل مستقل، لذلك كانت «الشروق» حريصة على أن تواجه التيار القبطي، الذي اقتحم السياسة وهو اتحاد شباب ماسبيرو، وأصبح طرفًا فاعلا في عدد من الأحداث، التي مرت بها مصر، بدءًا من أحداث ماسبيرو، حتى الاستفتاء على الدستور الجديد.
يعترف ل«الشروق» الناشط القبطي مينا ثابت، عضو مؤسس في اتحاد شباب ماسبيرو، ويكشف الخطايا التي وقع فيها الأقباط بعد عامين على الثورة.
الثورة
أكبر خطأ وقع فيه الأقباط أنهم لم يخرجوا من عزلتهم وقت الثورة، بينما خرجوا للتظاهر من منظور طائفي، خاصة بعد هدم كنيسة أطفيح، والسبب في عزلة الأقباط الأنظمة القمعية، وخوف البابا شنودة على أبنائه من عنف التيارات الإسلامية في السبعينيات، وهذا ما أحجم بسببه أغلبية الأقباط عن المشاركة في الثورة، لأنهم كانوا في عزلة عن المجتمع، ورغم هجومنا على البابا شنودة، عندما أيد مبارك وقتها، لكنه كان على حق، لأنه توقع ما يحدث الآن بسبب تجربته المؤلمة مع التيارات الإسلامية في السبعينيات، والخطأ الذي وقع فيه رجال الدين أنهم نفذوا الوصايا المسيحية بالحرف، ولم يلتفتوا إلى أن المسيح كان ثائرًا على أفعال اليهود.
التعديلات الدستورية
أخطأت رموز الكنيسة عندما وجهت الاقباط للتصويت ب«لا»، لأنهم أعطوا شرعية للتيارات المتشددة، أن تحول المعركة الانتخابية إلى طائفية، وحشدوا الكثير للتصويت ب"نعم".
اعتصام أطفيح
أخطأنا عندما تظاهرنا بدافع طائفي، رغم تضامن كثير من المسلمين معنا، وأسسنا أول كيان قبطي في هذا الاعتصام، وهو اتحاد شباب ماسبيرو، والخطأ الثاني كان سوء التنظيم وعدم وضوح رؤية مستقبلية تناسب قوة الاعتصام، والشعارات الطائفية التي ضايقت إخوتنا المسلمين، وأكبر خطأ عندما أنهينا الاعتصام بدون خطة واضحة، بعدما تعهدنا للمجلس العسكري بفض الاعتصام، واستغل الجيش عشوائية فض الاعتصام في ضرب المعتصمين وسحلهم ليلا.
اعتصام إمبابة
لم يكن سبب هذا الاعتصام في الأساس حادث الاعتداء على كنيسة في إمبابة، ولكن كان هدفه الضغط للإفراج عن المعتقلين، وكان هناك خلاف حول جدوى الاعتصام، لكن بعد حادث إمبابة والاعتداء على كنيسة العذراء، قررنا الاعتصام، وأكثر الأخطاء التي وقعنا فيها كانت طول مدة الاعتصام، لدرجة أن المجلس العسكري نجح في مساومتنا في فض الاعتصام مقابل الإفراج عن معتقلي أحداث عنف كنيسة عين شمس، بينما أصر بعض النشطاء على الاعتصام بسبب الظهور والشو الإعلامي.
هدم كنيسة الماريناب واعتصام 4 أكتوبر ومجزرة ماسبيرو 10 أكتوبر
مرت سنة على حادث ماسبيرو، لكن ندم أغلب النشطاء الأقباط مازال يعيش في قلوبهم كلما تذكروا هذا اليوم، ومظاهرة 4 أكتوبر، بدأت المظاهرة باجتماع الحركات القبطية والاتفاق على التظاهر أمام دار القضاء الأعلى وليس مبنى ماسبيرو، لكن أثناء المظاهرة حدث موقف اعتبره الكثير السبب الحقيقي في شق صفوف الاتحادات القبطية، وهو الخلاف بيننا حول التظاهر أمام مبنى ماسبيرو أو القضاء الأعلى، وأصر البعض على الاتجاه إلى ماسبيرو بجموع الأقباط، وحدثت «موقعة البطاطين» بعد خلاف آخر حدث في اجتماع بين نشطاء الأقباط حول الاعتصام في ماسبيرو أو الاكتفاء بالتظاهر فقط، واتفق الحاضرون على التظاهر ماعدا شخصين رفضًا واتهمانا بالخوف، وتراجعنا عن موقفنا، وأعلن الاعتصام وبمجرد محاولتنا تسريب «البطانين» إلى المعتصمين، هجمت قوات الجيش علينا وسحلت الشباب، وطاردتنا إلى ميدان رمسيس، وأجبرنا عنف الجيش على التظاهر، وعدم التراجع مرة أخرى والدعوة إلى يوم 10 أكتوبر، ما عرف بمليونية «قوة الأقباط» والاتجاه إلى ماسبيرو، في تحدٍ صريح للجيش، من أجل القضية القبطية، واستشهد الكثير بسبب هذا القرار وعنف الجيش.
شجعنا الحشد الكبير للأقباط على التظاهر أمام ماسبيرو، وتحدى الجيش ولكن لم نتخيل أن مظاهرة ماسبيرو ستواجه بالدهس، ولأول مرة نردد شعارات تنادى بإسقاط حكم العسكر، وفجأة هجمت علينا قوات العسكر، واستخدموا كل الوسائل للقضاء على الأقباط، وأعترف أن الخطأ الذي ارتكبته الحركات القبطية بدأ يوم 4 أكتوبر وترتب عليه مجزرة ماسبيرو، وأشعر كناشط قبطي دعا إلى مظاهرة أمام ماسبيرو بمسئولية كبيرة، والكنيسة اختارت عدم الصدام مع السلطة، ولم تطالب بمحاسبة المسئولين بل دعتهم إلى قداس الميلاد.
انتخابات مجلس الشعب
اخطأت الكنيسة عندما خرج بعض رموزها ودعوا إلى انتخاب القوى المدنية «الكتلة المصرية»، ولم تتعلم من أخطاء استفتاء التعديلات الدستورية، ومنحت فرصة للتيارات الإسلامية، بتحويل الانتخابات إلى معركة طائفية، واستخدام ورقتهم الوحيدة، وهي الترغيب بالجنة لإدارة المعارك.
انتخابات الرئاسة
يتحمل خطأ الانتخابات الرئاسية جيل كبار السن من الأقباط، لأن جيل الشباب دعم حمدين صباحى، لكن كبار السن أخطأوا بتأييدهم للفريق أحمد شفيق في الانتخابات لأنه أكثر المرشحين اهتمامًا بالقضية القبطية وهجومًا على الإخوان، لكن دفعنا ثمن اختيارهم في المرحلة الثانية، عندما أجبرنا على انتخاب أحمد شفيق، خوفًا من شبح الدولة الدينية، التي يمثلها الدكتور محمد مرسي وجماعته ووقعنا في الفخ واليوم ندفع الثمن.
الجمعية التأسيسية للدستور
الكنيسة أخطأت عندما تأخر قرار الانسحاب بالرغم من جميع المخالفات والفضائح، التي حدثت في الجمعية التأسيسية للدستور، وعلى مستوى الاتحادات القبطية لم نعمل بقوة فى التوعية برفض الدستور، وانشغلنا بأمور أخرى.
مراحل اليأس القبطي بعد الانتخابات الرئاسية.. الهجرة
أغلبية الأقباط قرروا الهجرة، ولكن كيف أنصح قبطيًا بعدم الهجرة وسط الأجواء الطائفية، التي نعيشها، لأول مرة تحدث في تاريخ مصر أن يمنع أقباط من الصلاة في نجع حمادى في عيد الغطاس، بسبب تطرف البعض وهدم الكنائس، خطأ الهجرة يتحمله المجتمع والتيارات المتشددة والتيارات المدنية، التي فشلت في طمأنة الأقباط.
أقباط المهجر
دائمًا أخطاء البعض من المهجر يدفع ثمنها أقباط مصر، بسبب تصريحاتهم الانفعالية والطائفية، والتي لا تعبر أغلبها عن الأقباط في مصر.
هشاشة الاتحادات والائتلافات القبطية بعد الاعتصامات الثلاثة، من الطبيعي أن يخرج النشطاء الأقباط من العباءة القبطية، والعمل على مستوى أوسع بعد العزلة داخل الاتحادات القبطية، والتقوقع في لقب ناشط وكاتب قبطي، والاندماج داخل الاتحادات الثورية والاهتمام بقضية الوطن، التي تحمل حلول القضية القبطية ولا تنفصل عنها، لكن اعترف أن السبب الحقيقي في هشاشة الاتحادات والكيانات القبطية هو الخلافات والصراعات داخلها، ومحاولات البعض تشويه الرموز بسبب الغيرة أو الشو الإعلامي، والبعد عن الاهتمام بالقضية القبطية.