اتحاد شباب ماسبيرو كان نقطة تحول فى مسيرة «مسيحيى مصر».. والكنيسة استجابت بدرجة كبيرة لمتغيرات السياسة بعد الثورة 25 يناير 2011 يوم فاصل فى تاريخ مصر، شئنا أم أبينا، منذ هذا اليوم حدثت تغييرات واضحة فى مصر، سواء رضينا عنها أم لم نرض. حاجز الخوف الذى انكسر عند المصريين، وفى القلب منهم الأقباط، كان هو التحول الأهم خلال عامين هما عُمْر الثورة المصرية، وهم الذين ارتبكوا كغيرهم من المصريين مع زلزال 25 يناير، الذى لم يكن متوقعًا.
قبل 25 يناير، خصوصا منذ عهدى السادات ومبارك، لم يكن للأقباط صوت سياسى سوى الكنيسة، والكنيسة كمؤسسة تم اختزالها فى شخص قداسة البابا الراحل شنودة الثالث، الذى أرغمته الظروف السياسية على أن يلعب هذا الدور، كما أشار إلى ذلك المفكرُ القبطى كمال زاخر منسق التيار العلمانى القبطى، وهو ما كان يحدث عند حدوث أى مشكلة طائفية، بعدها يتوجه المواطنون المسيحيون للتظاهر داخل أسوار الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
إلا أنه فى الشهور الأخيرة من عام كسر الأقباط هذه القاعدة، حين خرج مجموعة منهم فى مواجهة «داخلية العادلى» بسبب أحداث كنيسة العمرانية، ووقتها قطعوا الطريق وواجهوا الداخلية، ثم خرج بعدها الأقباط بعد تفجير كنيسة «القديسيْن» مطلع عام 2011، وكانت مظاهرات المصريين من «المسيحيين والمسلمين» المنددين بالحادثة هى «البروفة الأهم»، ليوم 25 يناير 2011.
ورغم الدعوات من شباب التواصل الاجتماعى بأن 25 يناير سيكون يوم ثورة فإنه كان مفاجئا ومربكا لنظام مبارك الذى سعى لدى المؤسسات الدينية الرسمية (الأزهر والكنيسة) ليطلب منها العون بتهدئة المصريين حتى لا يخرجوا يوم جمعة الغضب، وبالفعل استجاب شيخ الأزهر والبابا وطالبا المواطنين بالهدوء وعدم التظاهر، إلا أن هذه الدعوات لم تؤثر بشكل كبير على حجم المظاهرات، وخرج المسيحيون للتظاهر، وحين كان يلاحظ وجود البعض منهم فى الميدان كان يسألهم متظاهرون مسلمون «لماذا أنتم هنا والبابا طلب منكم أن لا تتظاهروا؟»، وكان الرد: «إنه واجبنا الوطنى وليس لأحد وصاية علينا فيه، والبابا وشيخ الأزهر مضطران لمطالبتنا بعدم التظاهر بسبب ضغط رجال مبارك عليهم».
خلال ال18 يوما الأولى للثورة كان لكنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية دور مهم فى الثورة وحفظ ماء وجه المسيحيين الذين تم التشكيك فى مظاهراتهم، حيث فتحت الكنيسة أبوابها، وجعلت من الفناء الخاص مستشفى ميدانيا، كما شارك قساوسة من هذه الكنيسة ب«قدّاس رمزىّ» فى ميدان التحرير صباح كل يوم جمعة، لكن الذى تم رصده أن الأغلبية من المواطنين المسيحيين لم تشارك فى المظاهرات، وهى الفئة التى تنتمى إلى «حزب الكنبة» كما يطلق عليهم، وخافت من المشاركة.
بعد الثورة وقع اعتداء من متشددين على كنيسة الشهيدين بقرية صول بأطفيح أدى إلى هدم الكنيسة يوم 5 مارس 2011، خرج على أثرها المواطنون المسيحيون للتظاهر أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، لينبهوا الإعلام إلى مشكلتهم، وكان أغلبهم يرفع «الصلبان وصور القديسين»، وكان هتافهم «كريالايسون.. يا رب ارحم.. ارحمنا»، وكان أغلبهم ينزلون لأول مرة للتظاهر، أما المواطنون المسيحيون الذين شاركوا منذ 25 يناير فكانوا يحاولون دعواتهم للتظاهر داخل ميدان التحرير، ورفع مطالبهم داخل ميدان التحرير، ومع هذا الاعتصام (ماسبيرو 1) تكون اتحاد شباب ماسبيرو، الحركة السياسية الأبرز خلال السنتين الماضيتين بعد الثورة.
عضو المكتب السياسى بالاتحاد بيشوى تمرى يقول إن النواة الأولى التى تكون منها الاتحاد هى مجموعة من «جبهة الشباب القبطى»، إذ تكونت الجبهة قبل الثورة، من مجموعة الشباب الذين خرجوا من حركة «أقباط من أجل مصر»، بسبب مهاجمتهم أحمد عز وأعضاء الحزب الوطنى على خلفية حادثة نجع حمادى، وهو ما لم يرق لقيادة الحركة -على حد قول تمرى- وكان أبرز أعضائها بجانب تمرى الشهيد مينا دانيال وعضو الاتحاد رامى كامل، وهما من مؤسسى اتحاد شباب ماسبيرو.
عقب حادثة حرق كنيسة السيدة العذراء بإمبابة، تظاهر المسيحيون مرة أخرى أمام «ماسبيرو»، وكان اعتصاما منظما من قبل شباب الاتحاد، إلا أنهم لم يستطيعوا إقناع جميع المعتصمين بفض الاعتصام، وهو ما جعل القس فيليوباتير جميل يطلب من المتظاهرين فض الاعتصام يوم 20 مايو 2011 والوعد بالعودة إلى التظاهر يوم 27 مايو مع بقية القوى السياسية ورفع مطالب الثورة، لا المطالب التى تخص حادثة إمبابة فقط، وهو تطور فرضته خبرة الخروج للشارع بعد سكون دام عشرات السنين.
هذا التطور استمر فى عدة مظاهرات شارك فيها شباب ماسبيرو ومنها مظاهرة 12 أغسطس 2011 التى نسقوا تنظيمها مع عدد من القوى السياسية ومنها الطرق الصوفية، وكانت دعوة إلى الإفطار فى ميدان التحرير، وكانت ردا على جمعة «قندهار» وفض الاعتصام فى ميدان التحرير بالقوة فى أول أيام رمضان من قبل جنود الشرطة العسكرية.
ظل شباب ماسبيرو ومن خلفهم عدد من المسيحيين يتحسسون خطاهم نحو الاندماج مع القوى السياسة والانصهار الكامل مع القوى الثورية، إلى أن جاءت واقعة هدم كنيسة «مار جرجس» بقرية المريناب بأسوان، اضطر يومها شباب ماسبيرو فور أن عرفوا بالواقعة أن يتركوا التظاهر بميدان التحرير، والذهاب للتظاهر أمام دار القضاء العالى للإعلان عن مشكلة الكنيسة بشكل واضح، خرجت بسبب هذه الحادثة عدة مسيرات من دوران شبرا إلى دار القضاء العالى، وكان آخرها مسيرة عددها كان كبيرا نسبيا مساء يوم الثلاثاء 4 أكتوبر 2011، وهنا انقسمت الحركات القبطية التى دعت إلى هذه التظاهرة ما بين إكمال الطريق وإعلان اعتصام عند ماسبيرو أو إنهائها كما كان متفقا عليه، وذهب عدد بالفعل إلى ماسبيرو لإعلان اعتصام هناك، إلا أنه تم فضه بالقوة من قبل قوات الشرطة العسكرية، وتعرض شاب يدعى «رائف» للسحل على يد الجنود، مما دعاهم إلى التظاهر يوم الأحد التالى 9 أكتوبر، ردا على فض الاعتصام وسحل رائف.
اندمج شباب ماسبيرو وكل الحركات القبطية التى تأسست خلال هذه الفترة مع كل الحركات والقوى السياسية وشاركوا فى كل المظاهرات من محمد محمود إلى مجلس الوزراء للعباسية وصولا إلى الاتحادية، ومن هذه الحركات «أقباط من أجل مصر، وائتلاف أقباط مصر».
بعد خروج المواطنين المسيحيين إلى الشارع السياسى ومع رحيل نظام مبارك، ووفاة البابا شنودة الثالث، تغير الوضع بمجىء الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والمدن الخمس الغربية فى ليبيا كقائمقام البابا ومن بعده البابا تواضروس الثانى بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية، لأول مرة لم يصدر من «الإكليروس» توجيه مباشر للمسيحيين باختيار مرشح بعينه كان فى الانتخابات الرئاسية، وكان قرار الأنبا باخوميوس هو ترك الحرية للمواطنين للاختيار، كذلك انسحبت الكنيسة من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور فى تشكيلها الأول والثانى «انطلاقا من دورها الوطنى» وحين جاءت المظاهرات ضد إعلان مرسى «الديكتاتورى» فى نوفمبر الماضى، خرج المواطنون المسيحيون بكثافة مع كل المصريين الرافضين للإعلان، وصمت البابا تواضروس الثانى، ولم يطلب من أحد التظاهر أو عدم التظاهر.