قال الكاتب والروائى الشاب محمود الغيطاني: "كنا نتمنى بالفعل أن تفرز الثورة ثقافتها التي تخصها؛ لاسيما وأن المصريين جميعا كانوا في حالة فخر تام وشموخ وكرامة أمام العالم في الوقت الذي حدث ما نسميه ثورة. وأكد الغيطانى:" إن العالم نظر إلينا نظرة مختلفة في ذلك الوقت، ورأى أن المصريين شعب قادر على الفعل والخروج من حال الموات التي كان فيها، ولكن اكتشفنا فيما بعد أنه لم تكن هناك ثورة، وإنما كان الأمر أشبه بانتفاضة من يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو حلاوة روح كما نقول؛ وبالتالي كانت ثقافتها التي أفرزتها هي ثقافة الهزيمة والاكتئاب والألم، بعد أن سرقها من يتاجرون بالدين منذ ثمانين عاما مع زعيمهم حسن البنا حتى اليوم".
وقال: "إني أرى الأمر اليوم باعتباره انتكاسة قوية ومدمرة ومؤلمة أشبه بما حدث لنا في انتكاسة 1967، وما تلاها من جروح عميقة في نفوس كل المصريين"، لافتا إلى أن الأمر هنا لا يختلف على الإطلاق؛ لأن من يطلقون على أنفسهم "الإخوان المسلمون" ليسوا إلا أعداء الشعب المصري، ولديهم الاستعداد التام للتحالف مع الشيطان ضدنا كمصريين من أجل مصالحهم الخاصة، إذن فانتكاستنا لا تختلف كثيرا عما سبق مع الإسرائيليين؛ فالاثنان وجهان لعملة واحدة - حسب قوله.
وأضاف أن المثقفين لم يلعبوا أي دور في إشعال الثورة على الإطلاق، وتابع:" أرى أنك تعول على المثقفين كثيرا، بالرغم من أنهم ليس لهم أي دور بارز وواضح في الشارع المصري، تلك الفكرة التي في خاطرك، والتي دفعتك إلى طرح هذا التساؤل، هي فكرة مثالية جدا عن المثقف، ربما كان هذا المثقف قادرا على هدم الواقع وإعادة تشكيله فيما مضى، ولكن هذا كان أيام وجود مثقف حقيقي قادر على الفعل والقول وتشكيل العالم، أي المثقف العضوي، كالعقاد والحكيم وغيرهم من المثقفين والكتاب.
وأشار إلى أن مثقف اليوم ليس إلا إنسانا منسحبا داخل ذاته، رافضا للواقع في بعض الأحيان، مكتئبا وناقلا للاكتئاب لمن حوله، وإذا لم يكن كذلك فهناك النموذج الآخر الذي لا يعنيه أي شيء على الإطلاق سوى مصالحه الشخصية فقط بعيدا عن المصلحة العامة، من السفر إلى المؤتمرات والتربيطات، والتقرب من وزارة الثقافة من أجل المحسوبية والشللية والجوائز الزائفة، إذن فهو مثقف برجماتي لا فائدة كبيرة ترجى منه..
وتساءل: ماذا تنتظر من هذا المثقف سوى اللا شيء؟ للأسف الوسط الثقافي يغمره الفساد والتضليل الذي يجعله بلا تأثير في المجتمع، وليس معنى كلامي هذا عدم وجود مثقفين حقيقيين، لكنهم للأسف قلة لن تؤثر وسط كل هذا الغثاء، والذين لعبوا دورا حقيقيا في إشعال الثورة كانوا مجموعة من الشباب الذين لم يدعوا أي ثقافة.
وقال الغيطانى: بالنسبة للشق الرسمي فليس هناك أي ثورة حدثت، لقد كانت مجرد ألعاب كرتونية استمتعنا بها، ثم عدنا إلى ما كنا عليه من فساد؛ فثقافة الفساد لم تزل كما هي، وإن كان مسماها أو غطاؤها الشرعي قد اختلف من السياسي إلى الديني، كنا نود بالفعل وجود ثورة حقيقية في الثقافة، إلا أن ما رأيناه على أرض الواقع أنه لم يتغير شيء عن ذي قبل..
وتابع: بل كانت فترة فاروق حسني في نظري اليوم من أفضل فترات وزارة الثقافة، بالرغم من أننا كنا نراها الأسوأ، ولكن هكذا الأمور تسير حينما نرى الأسوأ فنعرف أن ما قبله كان أفضل كثيرا، ولعلنا لا نستطيع نسيان المصادرات والحجب الذي حدث للكثير من الصحف بعد ما أسميناه ثورة، والأكثر الاعتداءات على الصحفيين وتقديمهم للمحاكمة، لافتا إلى أن كل هذه الأمور لم تحدث بمثل هذا الشكل السافر والمتبجح في عهد مبارك.
وأضاف: "أما على المستوى الأهلي أو الشخصي بالنسبة للمثقف نفسه، فلقد تأثر بعض المثقفين والكتاب وحاول التغيير في الاتجاه الثوري، إلا أن تيار الفوضى واللامبالاة والفساد لن يجعل الآخرين يغيرون بسهولة، بالتأكيد هناك الكثيرون من المنتفعين في الوسط الثقافي الذين يحاولون أن يحابوا المتأسلمين؛ وبالتالي فالتغيير على المستوى الشخصي سيكون أكثر صعوبة من ذي قبل، لاسيما وأن المتأسلمين في حالة معاداة دائمة للكتاب والمثقفين والإبداع بشكل عام.