عيوب الدستور الحقيقية ستظهر مع التطبيق على الأرض قريبا.. ولمن كان يجادل بأن الدستور «آخر فل» عليه أن يسمع ما قاله القطب السلفى ياسر البرهامى مؤخرا فى فيديو مثير متاح الآن على اليوتيوب، حيث كشف بعض الألغام التى تم وضعها بمكر شديد. أحد أفضل مميزات الكثير من الإخوة السلفيين أنهم لا يزالون أبرياء فى عالم السياسة، ولذلك تجد ما فى قلوبهم على ألسنتهم، يقولونه بمنتهى العفوية حتى لو كان يقود إلى كوارث لا حصر لها. فى قلب غيرهم ربما ما هو أخطر، لكنه مدرب إلى حد ما على كتمانه اتباعا لمبدأ التقية.
الكلام السابق أظنه التفسير الأقرب إلى الصواب لكلام البرهامى حيث يكشف أنهم تمكنوا خلال اجتماعات الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من تمرير المادة رقم 219 المفسرة للمادة الثانية، إضافة إلى المادة العاشرة. والمادتان تتيحان لهم تغيير أى قانون يخالف الشريعة الإسلامية، اضافة الى نواياهم فيما يتعلق بالحريات خصوصا حرية الصحافة. فى هذا الفيديو أيضا قال البرهامى إنهم هددوا شيخ الأزهر بالعزل فوافق على مبتغاهم.
الدنيا قامت ولم تقعد بعد تصريحات برهامى، لكن أغلب الظن أنها ستمر مثلما مرت أشياء خطيرة كثيرة.
لو كان البرهامى سياسيا محترفا ما أطلق هذه القنابل الخطيرة، حتى لا يثير على نفسه وتياره شياطين الإنس والجن، أما لو كان يدرك خطورة تصريحاته، وأطلقها متعمدا فالخطورة أشد وأنكى وتعنى أننا انتقلنا إلى مرحلة جديدة من فرض الرؤى السلفية قسرا بل والمباهاة بذلك.
المنطق البسيط يقول إن استمرار مثل هذه التصريحات من قادة التيار الإسلامى يعنى أن عملية الاستقطاب التى نعانى منها الآن لن تقل بل مرشحة للتفاقم، لأنها تشبه صب الزيت على النار.
مثل هذه التصريحات التى أطلقها البرهامى هى أسوأ هدية يمكن ان يتلقاها الرئيس محمد مرسى فى العام الجديد.. والأنكى أنها من أحد الحلفاء.
هذه النوعية من التصريحات أيضا هى أخطر تحدٍ يمكن أن يواجه الإخوان المسلمين فى المستقبل، هى أيضا خطر على الجماعة السلفية نفسها، لأنها تبعث برسالة إلى المواطنين البسطاء بأن السلفيين يريدون «سلفنة» المجتمع بأكمله، وأن لا هم لهم إلا الطقوس وليس الجوهر.
هناك أكثر من تفسير لمثل هذه التصريحات الغريبة، أولها أن البرهامى يريد أن يقنع بعض السلفيين الرافضين للدستور أنه حقق لهم نتائج جيدة.
والثانى أنه يريد المزايدة على الإخوان المسلمين وإظهار أن التيار السلفى هو الأكثر حرصا على الشريعة منهم، خصوصا أنهم مقبلون على انتخابات برلمانية يفترض أن تكون قريبة. والثالث ان جزءا رئيسيا من التيار السلفى يبدو أنه قرر أن يلعب دور «الفزاعة» التى يستخدمها بعض الإخوان لإرهاب بقية القوى السياسية المدنية، بحيث يقوم الشيخ حازم أبو إسماعيل وأنصاره بلعب دور «العضلات على الأرض» والشيخ البرهامى ورفاقه دور «العقل المحرض»، فى حين يبدو غالبية الإخوان هم «البراجماتيون» الذين يتحدثون عن التوازن والتعددية والديمقراطية ويصافحون الأجانب بمن فيهم ربما الإسرائيليون.
نظريا فإن تصريحات الشيخ ياسر البرهامى وأمثاله ستضر الإخوان ومؤسسة الرئاسة وكل التيار الإسلامى المعتدل، لكن ألا ترون ان استمرار تشدد البرهامى وقادة الحركة السلفية سيعطى نتيجة غاية فى الغرابة هى أن الإخوان المسلمين سيبدون فى نظرنا ونظر العالم الخارجى أكثر اعتدالا، وأكثر عقلا وسنقول وقتها، «نصف العمى ولا العمى كله» على طريقة بعض العرب الذين يعتقدون أن حزب العمل الإسرائيلى أكثر اعتدالا واحتمالا من الليكود.