رئيس جامعة المنصورة يُشارك في اختبارات الأكاديمية الوطنية للتدريب    أبناء "الوفد" ظلموه.. ماذا يتوقع الجلاد للحزب العريق في البرلمان المقبل؟    إغلاق 5 مراكز تعليمية غير مرخصة في المنتزه بالإسكندرية    متحدث الكهرباء: لا تخفيف أحمال في الصيف    تعاون مع السويد لتوطين صناعة الأتوبيسات الكهربائية    بين سندان التعاون ومطرقة الجمعية    محافظ سوهاج: 90% نسبة تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة» بمركز جرجا    أولمرت: بن غفير وسموتريتش إرهابيان ويجب طردهما من الحكومة    عبد العاطي يسلّم رسالة من الرئيس السيسي إلى ملك المغرب    4 دول أوروبية تدعو لقبول فلسطين كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة    عبد المنعم سعيد يكشف دلالة زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة    تشيلسي بطلا لدوري المؤتمر الأوروبي بفوز كبير على ريال بيتيس    الزمالك يشكر سيراميكا كليوباترا على استضافة تدريبات الفريق    تضم قامات مرموقة في مختلف التخصصات.. «الأولمبية المصرية» تعتمد أسماء رؤساء 13 لجنة    حملة تفتيشية موسعة على المنشآت الطبية الخاصة بمصر الجديدة    تأجيل محاكمة عاطل لقتله شخصًا ودفعه لمجرى مائي بكرداسة.. ليوليو المقبل    مشيرة إسماعيل ترفض اعتذار آية سماحة: سأقبل أي قرار يتخذه النقيب    هل يفكر أحمد السقا في الزواج بعد طلاق زوجته؟ النجم يجيب    الزهر هيلعب معاهم.. 3 أبراج تنتظرها مفاجآت سعيدة قريباً    أحمد موسى: صدور حكم نهائي بشأن أراض متنازع عليها بجنوب سيناء    حكم الجمع بين نية صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وقضاء رمضان    أمين الفتوى بالإفتاء: الأيام العشر من ذي الحجة تحمل معها أعظم درجات القرب من الله    جولات ميدانية لمدير الرعاية الصحية بالأقصر لمستشفى طيبة ووحدات طب الأسرة بإسنا    المصل واللقاح: نسب دخول المستشفيات بسبب دور البرد الحالي ضعيفة    خط ساخن لتغيير فكرة الانتحار    اغتنموا الطاعات.. كيف يمكن استغلال العشر الأوائل من ذي الحجة؟ (الافتاء توضح)    نوران ماجد تتعاقد على تقديم مسلسل «للعدالة وجه آخر» ل ياسر جلال    وزير الصحة اللبناني يوجه نداء استغاثة للمجتمع الدولي لتمويل احتياجات النازحين السوريين    وزير التموين: إقامة نحو 10 أسواق ل "اليوم الواحد" في الإسكندرية    أمن الغذاء.. «هيئة ضمان الجودة» تعتمد برنامجين جديدين ب كلية الزراعة جامعة بنها    سقوط طائرة الحجاج الموريتانية.. اعرف التفاصيل الكاملة    حكم صلاة العيد يوم الجمعة.. أحمد كريمة يوضح    نابولي يتفوق على أندية أوروبا الكبرى ويتوصل لاتفاق مع جوناثان ديفيد    غدًا الأوبرا تستضيف معرض "عاشق الطبيعة.. حلم جديد" للفنان وليد السقا    دانا أبو شمسية: اتهامات حادة لنتنياهو بالفشل فى استعادة المحتجزين داخل الكنيست    رئيس وزراء كندا يؤكد سعي بلاده لإبرام اتفاق ثنائي جديد مع أمريكا لإلغاء الرسوم الجمركية    المستشار الألماني: سنساعد أوكرانيا في تطوير أسلحة بعيدة المدى    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    مدير «جنيف للدراسات»: تزاحم أوروبي أمريكي للاستثمار في سوريا    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    مسئول أوروبي يتوقع انتهاء المحادثات مع مصر لتحديد شرائح قرض ال4 مليارات يورو أواخر يونيو    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    إدارة الأزمات والتداخلات العاجلةب " الجبهة ": تناقش سيناريوهات الوقاية ومواجهة التحديات    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير العمل يعلن استمرار التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل "الوزارة" و"مديرياتها"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب أفريقيا بعد مانديلا .. درس من مرحلة انتقالية
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 12 - 2012

فى 1994، فى أعقاب تولى نيلسون مانديلا منصبه، كأول رئيس لجميع مواطنى جنوب أفريقيا، نشرت إحدى الصحف المحلية مقابلة أجرتها معه، تحت عنوان رئيسى بارز «مانديلا: لست مسيحا» ونجد فى اعتبار هذا النوع من الأخبار التى يجب إبرازها بشدة، شاهدا على مدى أسطورية وعدم واقعية التوقعات المنعقدة على الرجل. ويبلغ عمر الرجل الآن 94 عاما، وهو نزيل فى مستشفى، للتعافى بعد عملية جراحية لاستئصال حصوة، ومن إصابة فى الرئة، ألمت به إثر مرض السل الذى عانى منه فى السنوات التى قضاها بسجن جزيرة روبين المترب المتوافر به كثيرا من أسباب العدوى.

●●●

كانت ثقافة التسوية الصبورة أهم ما منحه مانديلا لجنوب أفريقيا. فهو لم ينتصر على الأبارتيد بقضائه 27 سنة فى السجن، وحصوله إذ ذاك على جائزة لسموه الأخلاقى. بل انتصر لأنه قضى 27 عاما فى السجن، عقد بعدها صفقة مع الرجل الذى تسبب فى سجنه صفقة حمت مؤقتا فرص العمل والأراضى والثروة الصناعية من الأقلية البيض، صفقة جعلت الأغلبية من المحرومين ينتظرون صابرين تعويضهم، صفقة قللت إلى أقصى حد هروب رأسمال البيض وخبرائهم، وجنبت البلاد حمام دم قد يستمر لفترة طويلة. وباختصار، كان سياسيا من الصنف النادر فى المؤتمر الوطنى الأفريقى حينها، ولا يوجد منه الكثير الآن، سواء هنا أو فى واشنطن: صنف السياسيين الذين لديهم أهداف عليا، ورؤية واضحة عن المستقبل، وروح كريمة بسخاء، واحتياطيات عميقة من الانضباط وسعة الحيلة.

وبالعودة إلى جنوب أفريقيا، لا عجب أن نجد ذلك البلد المبارك التى أسىء إليها، لم تتحقق فيها بعد وعود زمن مانديلا. ولا يرجع هذا إلى خطأ اقترفه مانديلا، ولكنه جزءا من تركته. لأن ما تركه خلفه لم يكن حكومة حقا بعد، ولا حتى حتى حزب سياسى حقيقى، بل حركة تحرير، لها عقلية وعادات وثقافة النضال المتواصل.

●●●

وينبئنا التاريخ بأن مثل هذه الحركات لا تنجز بسهولة كبيرة التحول إلى ديمقراطيات مستقرة. ويمكن النظر إلى الإرث البالى لكاسترو، واستبداد روبرت موجابى فى زيمبابوى، وكابوس البلاشفة الطويل، أو إصرار كوامى نكروما على الحكم السلطوى فى غانا. وكان المؤتمر الوطنى الأفريقى، الذى يحتفل بذكراه المئوية، منذ سنواته الأولى خليطا من المصالح والأيديولوجيات، من تحالف قوس قزحى للمثاليين إلى القوميين السود الذين رددوا هتافات سفك دماء الفلاحين البيض، ومن الشيوعيين إلى ذوى النزعات الغربية، ومن الليبراليين البيض المحملون بشعور الذنب إلى الانتهازيين المتعطشين للسلطة. وتوجد به أيضا فصائلا ممن كانوا بالمنفى وفصائلا كانت داخل البلاد، وفصائل السجن وفصائل سرية. وكان محتوما أنه بمجرد هزيمة العدو المشترك المتمثل فى اضطهاد البيض، أن يدخل الجميع فى نزاع حول الاتجاه والغنائم.

وتنجح حركات التحرير التى تعمل بشكل سرى وتآمرى فى ظل الانضباط والشكوك، وعقاب الميالون إلى الانحراف عن الخط والمعارضة. وقد نظم المؤتمر الوطنى الأفريقى فى المنفى بعض المعسكرات التى تبدو إلى جوارها مشاهد التعذيب فى «زيرو دارك ثيرتى» مجرد أشياء عادية. وفى بعض الأحيان، حاد مانديلا بالتأكيد عن الإرادة الجماعية ليظهر مبادرة غير اعتيادية. وكان الأهم فى هذا، إنه حينما استشعر ضعف موقف الحكام البيض أثناء وجوده فى السجن، فتح مناقشات مبدئية دون استشارة رفاقه فى المؤتمر الوطنى الأفريقى وكان متأكدا من عدم موافقتهم. ولكنه بقى رجلا حزبيا فى جوهره إلى حد أنه ترك كبراء الحزب يختارون ثابو مبيكى كأول نائب للرئيس وخليفة له، وهو الرجل الذى لا يحبه مانديلا ولا يثق فيه. (أخبرنى صديق مطلع بما يجرى من أمور بعد تقاعده، أن مانديلا كان يجرى المحادثات الحساسة فى الهواء الطلق، لأنه يعتقد أن مبيكى يراقب منزله).

●●●

حركات التحرير تفوق لديها أهمية النتائج على الوسائل لا توجد خصوصية فى اختيار اصدقائها، أو تدقيق بشأن معاملاتها. لم يخلف الرئيس مانديلا سجلا بما كان يتلقاه، ولكنه كانت لديه دائما منافذه إلى رجال الأعمال الذين كانوا يدفعون للمؤتمر الوطنى الأفريقى. وتحت راية حقوق الإنسان، باعت حكومته أسلحة إلى نماذج كتلك لحقوق الإنسان، رواندا واندونسيا والجزائر وجمهورية الكونغو وفى بعض الحالات كان يكافئ فقط الأنظمة التى دعمت المؤتمر الوطنى الأفريقى فى المنفى.

كانوا دائما يعالجون ما يظهر من «تعارض المصلحة» باعتبار أن هذا الكلام ترف يخص الصحافة النخبوية، فمن الطبيعى أن يشعر بعض ممن تحملوا أعباء النضال بإحساس عميق بأنهم يستحقون. وكانت عناوين الصحف هنا تضج يوميا بفضائح، تبدأ عند القمة تحديدا، مع الرئيس جاكوب زوما، الذى أدى ما فعله بمفرده إلى أن يبدو مبيكى إلى جواره نموذجا للفضيلة. إذ حول زوما ملايين كثيرة من دولارات مالية الدولة ومنح المصالح الخاصة، إلى منزل فخم فى إقليم نكاندلا، المبتلى بالفقر والإيدز.

●●●

وخلال 18 عاما، منذ حلول حكومة المؤتمر الوطنى الأفريقى فى السلطة، وهى تخلق طبقة وسطى سوداء حقيقية، وكادرا بارزا من أصحاب الامتيازات السود بعدد أصغر. ولكنها لم تقلص بشكل واضح الفجوة الكبيرة بين سكان الأكواخ من الطبقة الدنيا وسائر الناس. وينمى الظلم حالة تذمر خطيرة، احتجاجات عنيفة ضد الخدمات غير المتوافرة، إضرابات، نزعة قدرية. وبالطريقة التى يتحدث بها أحيانا المسنين الروس من العهد السوفيتى عن الأشياء التى كانت أفضل فى عهد برجينيف، يمكننا بالمثل العثور على سود يتحدثون عن أيام الأبارتيد فى حنين إلى الماضى.

والسؤال الملح الآن، هل يمكن أن تنضح الحركة التى خلفها مانديلا فى بلاده إلى حكومة اكثر مصداقية قبل أن تخرج الجماهير عن صبرها المعهود وتبدأ فى البحث عن مسيح جديد.



كاتب بصحيفة نيويورك تايمز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.