مع صدور العدد 45 من مجلة «بانيبال»، تكون المجلة، التى يرأس تحريرها الأديب العراقى صمويل شمعون، قد أكملت بالتمام والكمال 15 عاما من الصدور المنتظم، منذ فبراير 1998 وحتى اليوم. وقد خصصت المجلة العدد الأخير للاحتفاء بالادب الفلسطينى الجديد، الذى جاء تحت عنوان «أدباء من فلسطين» والذى تضمن أعمالا روائية وشعرية ل23 أديبا فلسطينيا من القدس، رام الله، غزة، حيفا، عكا والناصرة، وهم: مايا أبو الحيات، علاء حليحل، داليا طه، ابتسام عازم، اياد البرغوثى، نجوان درويش، تمارا ناصر، زياد خداش، ايناس عبدالله، باسم النبريص، طارق الكرمى، عالية السقا، راجى بطحيش، اسراء كلش، مروان مخول، محمود أبو هشهش، حنين نعامنة، ريم غنايم، يوسف القدرة، ماجد عاطف، أسماء عزايزة، أكرم مسلم، ومهيب البرغوثى مرة أخرى يتبدد حلم جمع أعمال كبار فنانينا التشكيليين فى متحف واحد يحفظها ويقدمها للأجيال ويصونها من التشتت والانفراط لتصبح مجرد مقتنيات متفرقة لدى الميسورين من القوم. هذا ما حدث أخيرا لأعمال إنجى أفلاطون (1924 1989) التى تقارب التسعمائة عمل فنى والتى كان مقررا لها أن يقام لها متحف فى منطقة الفسطاط بموجب عقد أبرمه ورثة الفنانة مع وزارة الثقافة يقوم على التبرع بالأعمال الفنية فى مقابل إقامة متحف باسم انجى افلاطون، لكنه ذهب أدراج الريح إلى أن أقيمت دعوة ضد وزارة الثقافة انتصر فيها الورثة وحكم لهم منذ أقل من شهرين باسترداد ما تبرعوا به من أعمال.
بداية لا يمكن ذكر اسم انجى أفلاطون إلا مصاحبا لكونها رائدة على الصعيد الفنى ومناضلة على الصعيد السياسى فى آن واحد، وللأجيال الجديدة التى لم تعرفها، فقد ارتبط اسم أفلاطون بالعدالة الاجتماعية التى آمنت بها والتى صارت اليوم أحد مطالب الثورة بالنسبة لشرائح مختلفة من المصريين على اختلاف توجهاتهم، وعلى اختلاف إلمامهم بالشأن السياسى. تتلمذت فنيا وفكريا أيضا على يد الفنان كامل التلمسانى والتحقت بجماعة الفن والحرية، وفى سن العشرين من العمر التحقت بإحدى المنظمات الشيوعية، ودفعت ثمن قناعاتها السياسية أربع سنوات فى معتقلات الخمسينيات من القرن الماضى، وهى ابنة الارستقراطية التى لم تكن تعرف فى طفولتها لغة للمحادثة إلا الفرنسية، وحين شبت شعرت بالخجل من عدم اتقانها لغة بلادها وتتلمذت فى العربية على يد الشاعر فؤاد حداد الذى كان يتقاسم معها الفكر اليسارى، وحين تزوجت من مثقف يسارى ينتمى للطبقة الوسطى الصغيرة رحل بعد سنوات قليلة من زواجهما، اعترفت أن هذا الزواج خلصها من «عقدة ذنب» صاحبتها نتيجة لانتمائها لطبقة لم تخترها وفى نفس الوقت انغماسها مع قضايا البسطاء، كما كان لها دور رائد فى مجال الحركة النسائية، حيث أسست رابطة الفتيات الجامعيات وفتيات المعاهد التى كانت تدعو للمساواة وتطالب بحقوق المرأة فى المجتمع، كما كان لها مؤلفات مهمة فى هذا المضمار مثل «80 مليون امرأة معا» و«نحن النساء المصريات»، وانعكس هذا الفكر التقدمى الحر فى أعمالها الفنية، حيث رسمت مجموعة ضخمة للسجينات فى أثناء اعتقالها، ورصدت أحوال المرأة المصرية فى الريف وداخل الاسرة، وانشغلت بالطبيعة الريفية ولكن برؤية تخصها وحدها تجمع ما بين الواقعية والغنائية. وكانت أفلاطون غزيرة الانتاج حتى أنه بعد رحيلها، ورغم المقتنيات العديدة لأعمالها فى مصر وفى متاحف عالمية بالخارج، إلا أن الوزارة حصرت المتبقى منها بمساعدة الناقد والفنان عزالدين نجيب ورصدت نحو 248 مائيات و432 لوحة زيتية و220 رسما ودراسات تحليلية (اسكتشات).
أما عن فشل إقامة متحف قومى يحمل اسم الفنانة، فقد بدأت القصة بعد عدة سنوات من وفاة إنجى افلاطون، حين أرادت شقيقتها جولبيرى أن تنفذ وصيتها فى إقامة متحف يضم أعمالها، فطالما حلمت الفنانة أن تكون أعمالها متاحة للجميع للشباب ومحبى الفن والناس العادية التى تناولتهم فى أعمالها، وقامت وزارة الثقافة بحصر الأعمال والمقتنيات فى عام 1994 على أن ينتهى فى غضون أربع سنوات، كما يروى حسن جلال الدين الوريث الوحيد للفنانة بعد وفاة خالته جولبيرى أفلاطون الشاعرة والقاصة فى أبريل من العام الماضى. ثم قررت الأسرة، بعد المماطلة فى عمل المتحف وعدم مراعاة أصول تخزين اللوحات التى تكدست فى قصر ثقافة مدينة 15 مايو، رفع قضية ضد الوزارة لإخلالها بالاتفاق المبرم بين الطرفين، ثم كان أن كسب الورثة القضية فى الحكم الابتدائى وأقامت الوزارة معرضا دائما لإنجى أفلاطون قائم بقصر الأمير طاز يضم 60 من أعمالها الزيتية، وليس متحفا باسمها يضم أعمالها كاملة كما كان مقررا منذ البداية. ثم كسب الوريث الوحيد القضية وتسلم منذ شهرين مجمل أعمال إنجى أفلاطون، فيما عدا مجموعة قصر الأمير طاز التى سيتم التعاقد عليها قريبا بصفتها هبة من الورثة للدولة.
فلجأ جلال الدين إلى أهل الخبرة والحنكة فى مجال الفن التشكيلى، لتتولى شيرويت الشافعى صاحبة قاعة سفر خان والخبيرة فى أعمال رواد الفن التشكيلى المصريين ويكون لها كامل التصرف فى الأعمال وإقامة المعارض لها، حيث تعكف على إقامة معرضا للفنانة فى نفس القاعة فى مطلع يناير القادم، يضم فقط 35 عملا بعنوان «انجى أفلاطون من السوريالية إلى مرحلة التنقيط»، فضلا عن انتاج كتاب يضم مجمل هذه الأعمال مصحوبا بالنقد والتحليل، كما قامت السيدة شيرويت بجهود ملحوظة فى إعادة ترميم بعض اللوحات التى طالها الإهمال فى السنوات الماضية.
نعلم اليوم أن الأعمال فى أيد أمينة وأنها سيتم توثيقها بصورة منهجية، ورغم ذلك يعترينا الأسى والتأسى على تشتتها بين المشترين بدلا من احتضانها داخل متحف واحد، حتى وإن علمنا أن إقامة المتحف يفوق احتمال موارد الدولة المحدودة ويتجاوز القليل المخصص للفن التشكيلى، وحتى إن كان هذا هو ثمن الشهرة الفادح أن يتقاسم الأعمال الفنية مشترون من الداخل ومن الخارج، لكن هناك دائما الحد الأدنى الذى ينبغى الحفاظ عليه من قبل الدولة والذى يتعين أن يعكس مسيرة الفنان ومراحله المختلفة