ليلة لم ينم فيها الفلسطينيون، ليس بسبب القصف الإسرائيلى فى الليالى الثمانى الماضية والذى أقلق مضاجعهم، ولكن بسبب الفرحة التى عمت الشوارع والمدن الفلسطينية بعد التوصل إلى اتفاق التهدئة.. ليلة عمتها الفرحة والبهجة كأنها ليلة عيد حيث تكبيرات والأفراح فى كل الشوارع. اختلفت غزة تماما بعد بدء التهدئة.. فما لبثت هذه المدينة التى كانت ساكنة وخالية من المارة طوال 8 أيام لم يستطع فيها المواطنون الخروج من بيوتهم كأنهم محاصرون أن تحولت إلى فرح كبير خرج الجميع إلى الشوارع الشيوخ والنساء والأطفال والشباب، يحتضنون بعضهم بعضا كأنهم كانوا جميعا على سفر بعيد.
مستشفى الشفا الذى كان يستقبل الشهداء والمصابين تحول إلى ملتقى للفرحين، وخرجت المسيرات من أماكن عديدة تهتف للمقاومة وتطالب بإنهاء الانقسام، هتف الشباب «تحية لكتائب عزالدين القسام»، و«أبوالعبد تحية.. من حماس الأبية»، ورفع بعضهم السلاح بجانب علم حركة حماس وأطلق آخرون الرصاصات احتفالا بالنصر، وظهرت صور بن لادن والجعبرى وعرفات فى الاحتفالات بجانب أعلام حماس وفتح والجهاد.
وزير الصحة الفلسطينى، الدكتور مفيد المخللاتى، قال ل«الشروق» إن ما تم من اتفاق هو «حق طبيعى للشعب الفلسطينى وأقل حقوقه أن يتوقف العدوان.. وما قامت به الشقيقة مصر وتركيا وباقى القوى هو موقف إيجابى وجيد وساعد القضية فى الوصول إلى الاتفاق بشروط مشرفة».
من جانبها، قررت حكومة حماس أن يكون يوم أمس، الخميس، إجازة رسمية للاحتفال بالنصر على أن يستأنف العمل فى المؤسسات الحكومية وفى المدارس غدا السبت، ومن المعلوم أن الأيام الماضية كانت إجازة بسبب القصف الإسرائيلى.
الشعب يريد إنهاء الانقسام
«الشعب يريد إنهاء الانقسام»، و«وحدة وحدة وطنية»، كانت هذه الهتافات هى الأبرز والأكثر إلحاحا لدى الفلسطينيين.. المشاهد عديدة دلت على أن هذا المطلب بات أمرا حيويا لدى الفلسطينيين حيث خرج كثير من المواطنين رافعين أعلام حماس وفتح وحركة الجهاد، يسيرون إلى جوار بعضهم البعض، كما رفع البعض علمى فتح وحماس وبينهما صورة الراحل ياسر عرفات.
ويقول لواء هاشم، سائق تاكسى كان يرفع علم حماس وهو يهتف مطالبا إنهاء الانقسام، ل«الشروق»: «نحن نريد المصالحة وأن تتم الوحدة الفلسطينية، نسأل الله أن يكون هذا الانتصار مؤديا للوحدة وإقامة الدولة الفلسطينية، نحن فى هذا الوقت أقرب من أى وقت مضى للمصالحة لأن عدونا واحد».
يضيف سعد أحمد، فى السنة الأولى من الجامعة: «هذه الحرب كشفت أشياء كثيرة.. انظر لهذه اللحظة»، يشير إلى أعلام فتح وحماس متعانقان ويكمل «الذى قام بهذه التفرقة هم اليهود والمتربصون لتمزيق الدولة، المقاومة هى الحل».
واعتبرت حماس التوصل إلى اتفاق للتهدئة انتصارا كبيرا لها وللفصائل الفلسطينية المسلحة، مؤكدة أن المقاومة ستبقى خيارها، وبالتزامن رفع مواطنين صور الشهيد أحمد الجعبرى قائد كتائب القسام، كما حملوا السلاح، مشيرين إلى أن المقاومة هى الحل وهتف الشباب اضرب اضرب تل أبيب»، وهى أغنية شهيرة هنا فى غزة، كما هتفوا «تحية لكتائب عزالدين».
وفتحت المساجد أبوابها لتعلن من خلال ميكرفوناتها الانتصار فى الحرب وبدأت فى شكر المقاومة وقال إمام المسجد المقابل لمستشفى الشفا فى الميكرفون إن «كتائب القسام فعلت العجائب».
محمود الزهار القيادى بحركة حماس، فقال: «الحمدلله على انتهاء فترة الدفاع عن النفس لنبدأ مرحلة جديدة وهى الحصول على حقوقنا.. انتهت الفترة التى كانوا يغزونا فيها وجاءت الفترة التى نغزوهم نحن.. البندقية هى شعار المرحلة.. نحن على يقين ان كل نقطة دم عبارة عن شمعة تضىء، لا خيار للشعب الفلسطينى سوى المقاومة والبندقية.. ولكل من له توجهات غير توجهات المقاومة أطالبه بإعادة حساباته وأقول للمقاومين أنتم اليوم أكثر إدراكا من أى وقت مضى إننا فى طريقنا إلى النصر».
فيما قال الدكتور يوسف الزهار مسئول الدفاع المدنى فى قطاع غزة، وشقيق محمود الزهار: إن «هذا النصر جاء بالإيمان بالله والصبر والمجاهدة.. صبر المرابطين وجائزة المقاومين من الصابرين الصادقين الذين أعدوا العدة كما أمر الله»، وأضاف «دماء الشهداء لا تذهب هدرا وصواريخنا ليست عبثية ولكنها أعدت كما أمر الله لتدك حصون صهيون.. إن العزة لله ولرسوله والمؤمنين».
أما سامى أبوزهرى، المتحدث باسم حركة حماس، فقال: «نحن من هنا نعلن انتصار المقاومة على الاحتلال فى معركة حجارة السجيل.. وما يقوله نتنياهو بأنه حقق أهدافه هى محاولة يائسة لتبرير الهزيمة، ونحن نؤكد أن هذه المعركة ستؤسس لعملية تحرير فلسطين ولكل ذرة من تراب أرضها وما فعلته المقاومة فى الحرب سيبقى درسا للاحتلال لن ينساه، الشعب عبر عن صموده ووقوفه خلف المقاومة بهذه المسيرات العفوية، ونتقدم بالتحية لكل أرواح الشهداء».
وقال إيهاب الغصين، المتحدث باسم حكومة حماس: «الشعب انتصر انتصارا كبيرا والمحتل لم ينهزم، منذ قيام الدولة الصهيونية، كما انهزم اليوم لم نتصور فى يوم من الأيام أن ينتظر العدو الإسرائيلى إعلان وقف إطلاق النار».
من جانبه، قال الدكتور بلال أبوطه، الطبيب بمستشفى الشفا والذى كان يساهم فى إنقاذ المصابين «انه انتصار عظيم واستطاعت المقاومة أن تفرض شروطها وان تفرض المعادلة لصالحها».
تحيا الثورة المصرية
مثلما احتفل الغزاوية باتفاق الهدنة احتفلوا أيضا بمصر، أحد المواطنين فى غزة رفع العلم المصرى وعلق لافتة على سيارته كتب عليها «مصرى فلسطينى دم واحد.. كل مصرى على أرض غزة هو درع لغزة وأهلها»، كل من عرف أننا مصريون كان يستقبلنا بحفاوة ويحتضننا، ثم يحملنا أمانة نقل الشكر لمصر والرئيس المصرى بخلاف شكرهم للصحفيين المصريين على تغطيتهم للاعتداءات الإسرائيلية ووجودنا معهم تحت القصف.
يقول سامى أبوزهرى: «تحية إلى مصر العظيمة ورئيس مصر الذى سعى لوقف إطلاق النار على شعبنا ولكل الأطراف لتركيا ولجامعة الدول العربية.. نؤكد أننا سنبقى على العهد وعلى هذا الطريق الذى أثبت جدارته فى مقاومة الاحتلال.. نعم هناك ضمانات لكننا نقول لهم إن عدتم عدنا.. إن ضربتم فى غزة فستصير فى تل الربيع وما بعد تل الربيع».
أما محمود الزهار فاعتبر جهود الرئاسة المصرية «صحوة إسلامية بدأت فى الدول العربية وبدأت ثمارها تجنى فى فلسطين.. عندما يأتى الاخوان فى الحكم فى مصر فهم سيقودون الأمة بكاملها».
ويقول المواطن الغزاوى، عبدالفتاح هاشم: «لن ننسى دور مصر العظيم، دور الشعب المصرى والرئيس محمد مرسى، لولا الثورة المصرية لما كان هناك وقف للاعتداءات الإسرائيلية، مصر هى التى أعطتنا دفعة قوية وإصرارا على مواصلتنا، هذه إرادة الشعوب الشعب يوما إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر»، أما المواطن جهاد فيهدى انتصار المقاومة للشعب المصرى.
وعلى الرغم من أن الأيام الثمانية الماضية كانت مضنية بسبب الحرب والقصف الذى قطع الكهرباء فى مناطق عديدة، فإن الجبهة الداخلية فى قطاع غزة كانت مؤمنة بشكل جيد ولم يحدث أى انفلات أمنى فى القطاع، ورصدت «الشروق» انتشار الشرطة خلال أيام الحرب رغم أن بعضهم كان مستهدفا.
وقال الرائد إسلام شهوان الناطق باسم داخلية حماس ل«الشروق»: «الحمدلله لم يسجل أى اختراق واحد فى جبهتنا الداخلية بفضل تكاتف كل أبناء الشعب الفلسطينى والذى استطعنا من خلال صموده الوصول إلى هذه الاتفاقية واللحظة المباركة
رئيس المكتب الإعلامى لحركة حماس ل«الشروق»: لم نطلب دعمًا عسكريًا لأن العرب غير جاهزين للحرب
الطيران الإسرائيلى يواصل تحليقه فى سماء غزة رغم الهدنة