«هنا.. كان فيه منزل.. لكنه أصبح الآن ركاما كما ترى»، يقولها محمد حسن أحد جيران البيت المهدم بالكامل، بعض البيوت المجاورة تم هدم أكثر من نصفها أما البيت المقابل فكل زجاجه مكسور مما يدل على شدة الانفجار، بالإضافة إلى أنه كان هناك مخزن للسلع الغذائية بجانب البيت تم هدم جزء منه، وأمام البيت المتهدم كان هناك أتوبيس متفحم بالكامل يخص عائلة الدلو.. كان هذا هو المشهد الدال على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. عرفت الغارة باسم مذبحة الدلو بعدما استشهد فيها 11 شهيدا وأصيب 30 شخصا فى غارة واحدة، 9 من الشهداء من عائلة الدلو، منهم 4 أطفال و5 سيدات، فضلا عن اثنين من البيتين المجاورين منهم سيدة عجوز، تبلغ من العمر 83 عاما من عائلة أخرى، وشاب فى العشرينات من العمر من عائلة ثالثة.
لم يكن يعلم ناصر صلوحة ابن السادسة عشرة عاما أن يكون شاهدا على أكبر مذبحة للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. لحظات الموت والقصف رواها ناصر ل«الشروق» حيث طارت أخته وأطفالها الأربعة وتحولوا إلى قطع مفتتة خلال تناوله معهم وجبة الغداء جراء القصف الإسرائيلى.
ذهبنا إلى بيت ناصر، شقيق زوجة أبومحمد، كان فى البيت مع الشهداء، يتناول وجبة الغداء مع أخته وأولادها ولكنه الوحيد الذى نجا منهم، لكنه مصاب بكدمات واضحة فى كامل جسده «أنا لا أعرف كيف نجوت لأن أختى وأطفالها كانوا معى يتناولون الغداء وكلهم طاروا أمام عينى وأنا نزلت فى مكانى مع البيت للأسفل».
يحكى بداية القصة فيقول «اتصلت بى أختى وطبت منى أن أشترى غداء لها ولأولادها وذهبت إليها لأحصل منها على المال ثم بالفعل اشتريت الغداء من مطعم قريب وبعدها رجعت إلى دارها وجلست معها وقالت لى اجلس لتأكل معنا فجلست معها ومع أطفالها وبعدما بدأنا فى تناول الغداء شعرت بشىء ضخم اصطدم بالدار ورأيت أختى وأطفالها يطيرون امام عينى، وأغمى على لثوانٍ.. وبعدها وجدت نفسى أنزل وأنزل أكثر لأننى كنت فى الدور الثانى ولم أكن أعرف إذا كنت انا على قيد الحياة أم لا وفجأة توقفت عن النزول ورفعت سبابتى لأستشهد وبعدها شعرت بالرمال تنزل على فعلمت أننى على قيد الحياة.. بعدها بدأت فى الزحف نحو الشارع وبالصدفة وجدت سيارة إسعاف وأشرت لها فأخذتنى فى طريقها».
توجهت «الشروق» لتقديم العزاء لعائلة الدلو أمام البيت المدمر كاملا.. بالرغم من أن براءة الأطفال الشهداء فى صورهم التى تنتشر فى المكان مما جعل البعض متأثرا بصور هؤلاء الأطفال.. لكن عندما تجلس فى العزاء لا تشعر بأنك فى سرادق للعزاء حيث لم يفتحوا القرآن بصوت عال كما يفعلون فى مصر ولكن كانت هناك الأناشيد والأغانى الحماسية وإلقاء شعر ومن حين لآخر يمسك الميكروفون المذيع عندما تأتى إحدى الشخصيات المعروفة بقطاع غزة حتى المعارضين من التيارات المختلفة ويرحب هذه الشخصيات.
قبيل مجىء الوفد الوزارى العربى لمقر العزاء ب10 دقائق تقريبا وصلت مسيرة يتقدمها موتوسيكل مربوط به عميل للموساد من رجليه ويجر على الأرض.. يقول المذيع فى الميكروفون.. إخوانكم قضوا على 6 عملاء من الخونة.. يجرى عليه الشباب والرجال والكبار والأطفال لضربه.. منهم من كان يضربه برجليه ومنهم من كان يضربه بالطوب.. حتى إنه كان ينزف الدم من جسده.. وهم يهتفون الله أكبر.. الموت للخونة والعملاء».
يقول أحدهم «هم يفعلون ذلك حتى يرتعب العملاء الآخرون لأن بعضهم بلا قلب ويسير فى الشوارع بلا أدنى خوف وهم يقومون بالإبلاغ عن بعض القيادات.. وأماكن إطلاق الصواريخ وبعض قياداتنا الكبار قتلوا من خلال العملاء مثل الشيخ أحمد ياسين».
يقول أبومحمد الذى استشهد كل أولاده وزوجته وأمه وأخته ل«الشروق»: «تم قصف بيتى صباح الأحد الماضى.. 3 أدوار بكاملها نزلوا على رءوس الأطفال.. كل البيت كان مليئا بالأطفال والمرضى والنساء حتى الأتوبيس راح.. كل شىء راح.. لم يتبق أى شىء حسبى الله ونعم الوكيل الله ينتقم منهم.. بيت أعزل ساكنين فيه لماذا يقصفونه هل يضرب منه صواريخ.. هؤلاء يريدون الأرض بلا بشر ويريدون أن نقول لا.. لكن هى نعم بإذن الله وسنأخذ الأرض ونطهرها من هؤلاء الأنجاس».
يضيف «كنت فى عملى أنا وابنى الذى تبقى لى بعد هذه المجزرة حيث كنا على بعد كيلو واحد من البيت وسمعنا القصف.. كنا قد تعودنا على ذلك لكن جاءت لى التليفونات من الجيران يقولون لى ان القصف كان على بيتى فصدمت وهرعت إلى بيتى ووجدت مشهد أطفالى وهم تحت البيت.