«خمسة جنيهات» هى قيمة تذكرة الزيارة لمرضى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، وهى السبيل الوحيد أمام الأهالى لرؤية مرضاهم.. طالت فترة مكوث المرضى أو قصرت، تظل رؤية ذويهم مرهونة بالجنيهات الخمسة التى يرغمون على دفعها فى كل مرة رغم أنهم يدفعون آلاف الجنيهات مقابل الخدمة الطبية التى يحصل عليها ذووهم من المرضى. «إهمال شديد فى النظافة».. عامل كهل ضئيل الجسد، يجر قدميه بصعوبة وفى يده قطعة قماش «متّسخة» وغير مبللة بأى محلول للتعقيم، يطوف بها على الأرضيات فى محاولة جاهدة لتنظيف المكان.. ممرات تكاد تتيه فيها، ولوحات «متضاربة» من المفترض أنها موجودة لترشد الداخل للمستشفى على الموقع الذى يريده، عويل وصراخ ينبعث من الطرقات، ومرضى يُدفعون على سرائر متهالكة أمام العامة، دون حرمة لمرضهم أو مراعاة لمشاعرهم.
تقطع هبة تذكرة وتهرول للطابق الثانى حيث الرعاية المركزة «ج» لرؤية شقيقتها التى أصيبت فى حادث سيارة، لا تجد مقعدا شاغرا للجلوس، تنظر حولها لتجد عشرات من الرجال والنساء أتوا من الصعيد لرؤية ابنهم، ولم يجدوا سوى الأرض مقعدا لهم، تمر الدقائق بطيئة إلى أن يأتى موعد الزيارة، الساعة 3 عصرا.
تتحسن صحة شقيقتها نسبيا، ليقرر الأطباء نقلها لغرفة عادية، وهناك كانت الكارثة.. تقول هبة: «لم تمض 24 ساعة على خروج شقيقتى من العناية المركّزة للغرفة العادية، حتى بدأت ألاحظ عدم قدرتها على التنفس»، فتستنجد بالممرضة التى كانت فى نفس الطابق، والتى تثاقلت إلى الأرض قبل أن تقوم من مقعدها، رغم أنهم يدفعون 800 جنيه فى اليوم الواحد مقابل إقامة ابنتهم فى غرفة عادية بالمستشفى، على حد تعبير هبة.
«مالها ما هى زى الفل أهى» قالت الممرضة لهبة وانصرفت، بعدها دون أى قدر من المبالاة أو الإنسانية، لم تجد هبة حلا أمامها سوى الصراخ، بعد أن كست الزرقة وجه شقيقتها.
صراخ متواصل لمدة 3 ساعات متتالية دون طبيب أو ممرضة، ودون رحمة أو شفقة كذلك.. انطلقت للبحث فى الطوابق المختلفة عن أى طبيب لإسعاف شقيقتها.. تقول هبة: «لقيت دكتورة فى الطوارئ واترجيتها تطلع معايا، عشان تشوف أختى، وطلعت معايا فعلا».
الطبيبة أمرت الممرضة بصرف بعض المسكنات استعدادا لوضع جهاز تنفس صناعى لشقيقة هبة، إلا أن الممرضة رفضت.. «إنتى مش رئيستى عشان أقدر أصرف لك»، قذفت كلماتها، ليعلو بعدها صوت الصراخ والعويل من قبل أهالى المريضة وهو الأمر الوحيد الذى جعلها تنتصر لتعليمات الطبيبة.
تعود المريضة للرعاية المركزة ليدفع أهلها نحو 2000 جنيه فى اليوم الواحد، ولكن هذه المرة فى طابق آخر، عدة أسرة بجوار بعضها البعض لا يفصل بينها وبين الآخر سوى ستار، عادة ما يكون مكشوفا.
«الشروق» رصدت خلو الطابق الأول من أى مسئول، قبل تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرا، وبرغم أن الطابق غير مخصص للمرضى إلا أنه كان على درجة عالية من النظافة والاهتمام بخلاف الطوابق الأخرى التى تشمل العيادات وغرف العناية المركّزة.
العناية الإلهية أنقذت شقيقة هبة التى قالت «كل ده حصل وهى متوصّى عليها، أمال كان هيحصل إيه لو مفيش توصية؟».
«الحمدلله إحنا أحسن من غيرنا كتير»، تقول هبة وهى تروى قصة مريض رأته بعينها فى الرعاية المركزة بالسرير المجاور لسرير شقيقتها «المريض كان غرقان فى دمه، وحطوا له محاليل، ولكن لما زوجته عرفت إن تكلفة السرير 2000 جنيه فى الليلة وقالت إنها مش هتقدر تدفعهم، كتب له الدكاترة على خروج».
تلك واحدة من القصص التى عايشتها «الشروق» بخلاف عشرات القصص والتى كانت منها قصة مروة.. «الإهمال حدّث ولا حرج، والتمريض سيئ، مع إن المستشفى خاصة وبندفع فيها ألوفات» كانت أول ما قالته ل«الشروق».
مروة أتت بابنتها التى لم يتجاوز عمرها بضعة أشهر لتجرى عملية قلب مفتوح، وبعد إجراء العملية الجراحية، تم وضع جهاز تنفس صناعى لها واحتجازها فى سرير بالرعاية المركزة.
مر أسبوعان على وضع جهاز التنفس الصناعى لابنة مروة دون تحسن، تقول مروة: «لقيت ابنتى بقت سخنة، فقولت للممرضات فردوا عليا لا مش سخنة، كفاية كده اطلعى برّة، ملكيش دعوة بشغلى».
فى المقابل المستشفى كان يحصل على كل مستحقاته، تقول مروة «مضّونى على ورقة بيضا، وخدوا بطاقتى وخلونى أكتب إنى أم الطفلة وإنى وافقت على إجراء عملية جراحية لها، دون أن يحددوا فى الورقة تكلفة العملية التى سندفعها»، ويبقى الوضع على ما هو عليه.