داخل قلايته الصغيرة -التي تحتوي علي سرير ومنضدة عليها الإنجيل وكتاب الصلوت القبطية والألحان- قبل ساعات من إجراء القرعة الهيكلية، لم يترك البابا تواضروس الإنجيل من يديه لحظة، وسط عملية تداعي للذكريات عن الأيام التي قضاها داخل قلايته راهباً، قبل أن يرسم أسقفاً عاماً علي إيبراشية البحيرة.
لم ينس خلال هذه الساعات القس شنودة، الذي صار البابا 117، الذى كان السبب فى حبه وعشقه للأديرة والكنيسة، خاصة وأن جسده يرقد بالقرب من قلايته في دير الأنبا بيشوي، فعندما كان البابا تواضروس فى الصف الأولى الابتدائى كان يمر عليه القس شنودة ويصطحبه معه فى سيارته إلي الكنيسة، فكانت بمثابة رحلة كنيسة أسبوعية.
قبل قداس القرعة الهيكلية بساعات يقيم البابا الجديد صلاة التسبيحة والتساؤلات والحيرة والخوف، أن تصيبه القرعة ويجلس على الكرسى البابوى ليتحمل مسئولية الشعب القبطى امام الله، ولكنه ينهى أفكاره بكلمات قليلة لكنها تحمل معانى عميقة "ربنا يختار اللى فيه الخير".
وبمجرد انتهاؤه من الصلاة احتشد رهبان دير الأنبا بيشوى وتلاميذه - حسب رواية الراهب فلتوس، أحد تلاميذه، والمصور الخاص بالأنبا تواضروس- يشاهدوا قداس القرعة الهيكلية وأمالهم ودعواتهم إلي الله لم تتوقف، حتي يختار معلمهم، الذى رفض مشاهدة القداس، واتجه إلى قلايته حتى يكمل صلاته التى بدأها من ليلة القرعة الهيكلية.
ومرت الساعات ورهبان دير الأنبا بيشوى، مثل مشجعى الدرجة الثالثة أمام التليفزيون والأنبا تواضروس فى معزل داخل القلاية، وانتهى القداس، وأجرت القرعة الهيكلية، ووقف الأنبا باخميوس ومعه الطفل بيشوى، الذى اختار القرعة.
وسيطر التوتر على رهبان الدير حتي أعلن القائم مقام اسم البطريرك ال 118 البابا تواضروس الثانى، وينتفض رهبان الدير ويجروا جميعهم إلى قلايته، وهم يقولون "ياسيدنا أنت بقيت البابا الجديد"، لكن عندما سمع هو ذلك انهمرت الدموع فى عينيه، وأسكت الجميع، قائلا لهم "تعالوا نروح نصلى فى الكنيسة صلاة الشكر"، وذهب إلى الكنيسة الأثرية فى دير الأنبا بيشوى وسط الرهبان والعاملين فى الدير ومحبيه وأبناء ايبراشياته فى البحيرة.
"يارب اشكرك وقوينا على المسئولية".. بهذه الكلمات بدأ البابا تواضروس صلاة الشكر، وبعدها قال قال الصلاة الربانية (من صلوت الأقباط الهامة)، وطلب من الحاضرين الذهاب إلى مزار البابا شنودة الثالث الموجود داخل الدير، وداعب أحد الرهبان زميله قائلاً "دير الأنبا بيشوى أصبح كلية البطاركة فالبابا شنودة من ديرنا، والأنبا تاوضروس أيضا"، ووقف البابا الجديد متكأ على قبر البابا شنودة الثالث وهو يقول "ياسيدنا بطلب روحك معى فى الخدمة والمسئولية الصعبة ده".
ثم توجه البابا تواضروس إلى المقر البابوى فى الدير وسط محبيه، ليتصل به أول المهنئين له فى الساعة 1 ظهرا، وكان وزير الداخلية، اللواء أحمد جمال الدين، وبعده محافظ البحيرة، المهندس مختار الحملاوى، الذى تربطه صداقة وطيدة بالبابا ال 118.
وبعد ساعات معدودة وصل الأنبا روفائيل، والقمص روفائيل أفامينا مينا، الذين كان منافسين له في الانتخابات البابوية، وقدم الأنبا روفائيل صديق الانبا تواضروس التهنئة شاكرا الله أنه لم يختاره لتحمل هذه المسئولية الكبيرة، ووصف البابا توضروس علاقته بالانبا روفائيل بالصداقة، وأنه شخص ملاك على الأرض، وأنه هو والقمص أفامينا أحق منه بالجلوس على الكرسى المرقصى.
وفجأة دخل الأنبا باخميوس معلمه والقائم مقام وقائد المرحلة الانتقالية، وبالأحضان الحارة استقبله تلميذه البابا تواضروس–حسب وصف الراهب فلتوس-، وجلس معا داخل قاعة الاستقبال بالمقر الذى امتلت بالأساقفة وقدم كل اسقف التهنئة الخاصة به، مثل الأنبا أرميا، والأنبا يؤانس، والأنبا موسى، أسقف الشباب.
واتجهت أنظار الحاضرين إلى طفل صغير يحمله والده، وتساءل البابا تواضروس عن هذا الطفل الذي صار مشهوراً، ليعرفه القس بولس الأنبا بيشوى "تلميذ البابا شنودة والمسئول عن المقر"، بأنه طفل القرعة بيشوى جرجس، فأخذه البابا من والده وحمله قائلاً "أنا بحبك يابيشوى"، فابتسم الطفل وجلس بجوار البابا الذى اختاره.
وفى نهاية اليوم الذى استمر 8 ساعات قضاها البابا الجديد مع شعبه، أكد أنه سيستقبل كل الأقباط والمقر سيفتح لشعبه لكن بشئ من النظام.