يرى الشاعر عبد العزيز موافي، أن الإشكالية والمعضلة التي تعاني منها قصيدة النثر الآن ليست في عدم وجود شعراء جيدين، وإنما في غياب حركة تنتظمهم، منابر أدبية مناسبة، حركة نقدية، أو وسائل اتصال مع الجماهير لتقديم هذا المنتج الجيد وبالتالي يظلون شعراء غرف مغلقة بدورهم، وبرغم هذا فإن لها منجزًا مهمًا ويتمثل في رفضها مداعبة الأذن متمثلة في الإيقاع الذي يطغى أحيانًا على الفكرة والمضمون.
وضح موافي أن هناك حراكًا شعريًا هائلا بين مختلف الأجيال الموجودة على الساحة الآن، لكننا نمتلك شعراء لا حركة شعرية، وهذا هو السبب الرئيس في أن دولاً عربية أخرى تنظر إلى مصر على أنها متخلفة شعريًا، ومتفوقة في الرواية، والإشكالية الحقيقية أن الشعراء الفرادى لا يستطيعون التأثير في وجدان أمة؛ ففي الستينات كان هناك أكثر من 10 دوريات أدبية، وجزء كبير منها كان موجودًا لمتابعة الحركة الثقافية؛ لأن هناك لا يوجد نقد نتيجة لغياب الدوريات النقدية، مما ترتب عليه انتفاء الحركة الشعرية، وبالتالي يظل الشعراء أسرى الأماكن المغلقة فيتحدثون لأنفسهم ولا يسمعهم أحد في الداخل أو الخارج، وهذا ما يجعل أي إنجاز شعري أسير الجدران المغلقة .
وأعرب عن رأيه فيما يخص مقولة جابر عصفور « إننا فى زمن الرواية»: "إنني أتفق مع النتيجة لكنني أختلف مع المقولة، والنتيجة أننا نعيش عصر الرواية وهذه ليست نظريته وإنما هي نظرية القرن الثامن العشر الذي كان يتصور أن الشعر هو نتاج العصر الكلاسيكي، لأن الشاعر كان هو المنشد وصاحب الجهاز الإعلامي في الدول الإقطاعية القديمة، وفي العصر البرجوازي عندما أصبح الإنسان هو مركز العالم وتراجع الانتماء إلى الأسرة، وأصبح الانتماء للذات الفردية، ومعظم الشعراء في القرن الثامن عشر هم من الطبقات الدنيا وتبوؤوا مكانة عالية؛ لأن العصر كان عصر الإنسان الفرد، ومن هنا كان لا بد من ظهور نوع أدبي جديد يحمل معه تصورات وأحلام الإنسان البرجوازي الذي بدأ يتشكل، فكانت رواية روبنسون كروز هي فاتحة للدخول في هذا العصر، وفي العالم العربي بدأنا مؤخرًا منذ الربع الثاني من القرن العشرين ندخل في العصر البرجوازي، ولهذا السبب وحده انتشرت الرواية ولكن ليس على حساب الشعر، كما يعتقد البعض، وبعد ظهور أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية التي بدأت تعتمد على الدراما، مما قرب الرواية من ذهن القارئ وأبعده عن الشعر، أصبح قارئ الشعر نخبويًا، والحقيقة هناك طفرات هائلة في الشعر تفوق ما حدث في الرواية، لكن لأن الفيصل في الإبداع دائمًا ما يكون هو الجمهور فيبدو الأمر كما لو كنا نعيش عصر الرواية، ونحن نعيش عصر الرواية على مستوى الإنتاج الكمي وحده.
وأضاف موافي: "لا أؤمن بوجود وزارة ثقافة في مصر، فهي نتاج مرحلة كانت تهدف إلى التوعية من خلال الثقافة الجماهيرية وقامت بدور رائع في وقت من الأوقات، وفي حقبة السبعينيات كان لمعظم المثقفين ميول يسارية أو ناصرية أدخلتهم في صدام مع السلطة ليتم غلق جميع المنابر الأدبية، وأسست مجلة هزيلة اسمها الجديد برئاسة رشاد رشدي الذي كان ينتمي للفكر الساداتي، وهنا شعر المثقفون بلحظة الخطر التي تحيل الفرد إلى المجموع لنلتف جميعًا حول هدف أسمى، وبدأنا نصدر مجلات الماستر لتوزيعها باليد على بعضنا البعض، وبدأنا نؤسس الثقافة الشعبية، كمجلة النديم، كتابات، وعشرات من الإصدارات التي انتشرت في القاهرة، الأمر الذي فعَّل الحراك الثقافي وأدى وجود وزارة الثقافة في مصر بدعة."
أكد موافي، أن قصيدة النثر لها مجموعة من الخصائص المختلفة تمامًا عن خصائص الأشكال الشعرية السابقة عليها، كالمجاز البصري وفعل المشهدية، والمشكلة أن من يتعاملون مع قصيدة النثر من خلال معايير نقدية سابقة، واختلاف الأدوات هو الذي يجعلهم يدخلون في حالة ضبابية، وإذا استطاعوا أن يضعوا أيديهم على المرتكزات الأساسية داخل هذا الجنس الأدبي الجديد واستوعبوا هذه العناصر، وبدؤوا يطبقونها سيكتشفون أن هناك جماليات جديدة تنقلها لنا قصيدة النثر.
يُذكر أن صدر لموافي دواوين عدة؛ منها: “كتاب الأمكنة والتواريخ” و”كائنات” و”الكتابة فوق الجدران” و”صورة النساء” و”إيماءات” و”25 ميدان التحرير” وكتاب قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية”.