«التنظيم والإدارة» يعلن مسابقة لتعيين 14031 معلم مساعد لغة عربية    جامعة بنها تحتفل بالذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو.. صور    وزير قطاع الأعمال العام يتفقد تطوير مصانع «النصر للكيماويات الدوائية»    توجيهات في المنيا بتكثيف الحملات الرقابية والتموينية على الأسواق    محلل سياسي إسرائيلي عن أحاديث التطبيع: مَن يتمنى أكل الحمص بدمشق يحلم    العراق يحث على تنويع منافذ تصدير النفط مع تصاعد التهديدات في مضيق هرمز    الأمين العام للاتحاد الكويتي لكرة القدم يكشف كواليس طلب استضافة السوبر المصري    معلق مباراة مانشستر سيتي ضد الهلال في كأس العالم للأندية    ماطل في سداد ثمن لحمة عيد الأضحى.. مقتل مزارع على يد شقيقين في بهبشين ببني سويف    بعد مصرع سائق «ملاكي».. النيابة تطلب فحص تراخيص السيارة والونش في حادث الأوتوستراد    بمشاركة نانسي عجرم وآمال ماهر وبهاء سلطان.. خريطة حفلات مهرجان «ليالي مراسي» بالساحل الشمالي    «استعادة الوعي للشعب المصري».. يسرا تحيي ذكرى ثورة 30 يونيو    محافظ أسوان يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيو المجيدة    عون يبلغ ابانيارا بأن الظروف الراهنة في لبنان والمنطقة تفرض بقاء اليونيفيل في الجنوب    وزير الخارجية الألماني يصل إلى كييف في زيارة رسمية    مدير تعليم الجيزة يحذر: لا للتبرعات.. والشؤون القانونية بانتظار المخالفين    وزيرة التنمية المحلية: سيتم توفير بيانا واضحا بعدد ومساحات الأراضى كل محافظة    رسمياً.. الاتحاد السكندري يتعاقد مع جنش لمدة موسم    أول رد..شيكابالا يثير الجدل بعد أنباء اعتزاله    رئيس البنك الأهلي يفجر مفاجأة بشأن ضم مصطفى شلبي    البلجيكى يانيك فيريرا الأقرب لقيادة الزمالك.. ومدرب آخر يعطل التوقيع    تحرك هام من الأهلي لتأمين إمام عاشور.. شوبير يفجر مفاجأة    على إيقاع الطبيعة الساحرة.. هكذا يمارس السائحون الرياضة في جنوب سيناء    مدبولي: التعاون الإنمائي الدولي بات أمرًا ضروريًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030    مصرع شاب سقط من القطار في الجيزة    بالصور.. إحباط تهريب عشرات الزواحف والكائنات النادرة بمطار القاهرة    ممنوع نزول البحر لليوم الثاني.. ماذا يحدث على شواطئ الإسكندرية؟    حريق بمحلات تجارية في الدويقة.. و4 سيارات إطفاء لإخماده    نجمة أسترالية تقطع رأس حبيبها وتخفيها وتمزق جسده وتحرقه    4.8 مليار متر مكعب سنويا، الري تنفذ مشروعات جديدة لإعادة استخدام المياه    مرصد الأزهر: ثورة 30 يونيو.. إرادة شعب صنعت تاريخ    تفاصيل المؤتمر الصحفي لمسرحية "الملك لير" بحضور الفخراني (صور)    حقيقة إيقاف تصوير فيلم الشايب ل آسر ياسين    آخر رايات الأندلس وسقوط القمر على مسرحي روض الفرج والسامر ضمن مهرجان فرق الأقاليم    ما حكم الاغتسال بمياه الصرف الصحي بعد معالجتها؟... أمينة الفتوى تجيب    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    محافظ المنيا: إدراج وحدة طب الأسرة بالجزائر ضمن ثاني مراحل "حياة كريمة"    نائب وزير الصحة يبحث جاهزية "العلمين" للسياحة العلاجية    وجه الشكر للأطقم الطبية.. وزير الصحة: 300 مستشفى لاستقبال مصابي غزة للعلاج في مصر    تستمر 6 أشهر، تعرف على مواعيد وأماكن القوافل الطبية والعلاجية بالجيزة    برج العذراء «جميع الكواكب تلعب لصالحك».. توقعات الأبراج في يوليو 2025    السينما تنتصر ل ثورة يونيو.. «اشتباك» الأكثر تعبيرًا والأفلام الوثائقية الأوقع    حبس قاتل أمه ودفنها في الزراعات بالمنيا    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيين    التنظيم والإدارة يعلن عن حاجة «النقل النهري» لتعيين 57 مهندساً    محافظ شمال سيناء: «ثورة 30 يونيو» أثبتت وعي الشعب وحرصه على وطنه    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يونيو 2025    الرقابة المالية توافق على تأسيس "صندوق استثمار عقاري ومعادن"    نائب وزير الصحة يترأس اجتماعاً بمستشفى العلمين لبحث تقديم خدمات السياحة العلاجية    نقابة المعلمين: وفاة معلمة ببني سويف في حادث سير أثناء توجهها إلى مقر عملها    بوسكيتس: ارتكبنا أخطاء أمام باريس ودفعنا الثمن    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان عدة مناطق في قطاع غزة بالإخلاء    جمال ما لم يكتمل.. حين يكون النقص حياة    السيسي: مصر تبذل أقصى جهودها لدعم الأمن والاستقرار في ليبيا    حكم صيام يوم عاشوراء وفضله العظيم وعلاقته بتكفير الكبائر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 38-6-2025 في محافظة قنا    ترامب: لم أعرض أي شئ على إيران    سر تصدر آسر ياسين للتريند.. تفاصيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ادعوا لِمَلالا بالشفاء.. ولمصر أيضا
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 10 - 2012

عندما تكون لك ابنة صغيرة جميلة لطيفة متميزة، ومتوقدة الذكاء، فإنها تصير ريحانة روحك وبهجتها، بل تصير روح الروح. ثم يصعقك خبر ثلاثة رجال مسلحين أوقفوا باصها المدرسى وسألوا عنها بالاسم، وما إن استدلوا عليها حتى باغتوها بإطلاق الرصاص قبل أن يلوذوا بالفرار، فأصابت طلقة رأسها الصغير الجميل ونفذت إلى كتفها الغض، فيما أصيبت اثنتان من صويحباتها بجروح من جراء تطاير الرصاص، ونُقلت الابنة غارقة فى دمائها الطهور إلى المستشفى حيث أُجريت لها جراحة عاجلة، ولم تستيقظ منها بعد. ماذا يحدث لك؟


ماذا حدث ويحدث ليوسف زاى، رجل التعليم الباكستانى الذى يحب الشعر ويكتبه، والذى عندما رُزق بابنته هذه منذ أربعة عشر عاما إلا قليلا سمَّاها «مَلالا»، تيمنا باسم شاعرة بشتونية تزعمت المقاومة ضد الاستعمار البريطانى لبلدها عام 1880، وكما كل بنت نابهة تكون المدرسة حبها الأثير، تعلقت ملالا بمَدْرستها فى بلدتها «منغورة» كبرى مدن وادى «سوات» شمال غرب باكستان. لكن مع الفوضى الأمنية التى شملت منطقة الحدود مع أفغانستان والتى فرَّت إليها بعض قوات طالبان الأفغانية فى أعقاب الغزو الأمريكى لهذا البلد المنكوب، أسفرت حركة طالبان الباكستانية عن نفسها وتنامت، مسيطرة على مساحات واسعة من هذا الوادى، وراحت تفرض قناعاتها الظلامية على الناس بالترهيب والتكفير والسلاح، فمنعت تعليم البنات عام 2009، وكانت ملالا فى مطلع عامها العاشر.

ملالا الصغيرة الجميلة المتميزة ابنة رجل التعليم الشاعر وسَميَّة الشاعرة البشتونية المناضلة ضد الاستعمار، تحولت إلى مُدوِّنة تسهر الليالى لتكتب على الكمبيوتر باسم مُستعار مُنددِّةً بقهر طالبان، ومُدافعةً عن حق البنات فى التعليم والسلام والأمن، وفى إحدى مذكراتها أشارت إلى الخوف الذى ينتاب البنات من الذهاب إلى المدارس، وكيف أن بعض المدارس والطالبات قررن عدم الالتزام بلبس الزى المدرسى حتى لا يقعن بين مخالب طالبان، وسُمح لهن بارتداء ملابسهن العادية، وكن يخفين كتبهن تحت الشيلان بعيدا عن أعين بصاصى طالبان التى لم تكن تكف عن التجسس. وعندما اكتشف الطالبانيون سر المُدوِّنة الصغيرة ملالا، صارت أعدى أعداءهم فهددوها بالقتل، لكن عائلتها لم تتوقع أن يصل الأمر بحركة طالبان «المُجاهدة» إلى استهداف طفلة فى مثل عمرها لمجرد أنها كانت تحب المدرسة وتدافع عن حق البنات فى التعليم.


عندما كانت ملالا على مشارف الحادية عشرة ومع بدء العمليات العسكرية فى وادى سوات، بدأت تداهمها المخاوف والكوابيس ورأت فى منامها أن أمها قدمت لها الإفطار قبل أن تذهب إلى المدرسة وهى تشعر بالخوف من الذهاب لأن حركة طالبان أصدرت قرارا بحظر ذهاب جميع البنات إلى المدارس. وفى المدرسة اكتشفت أنه لم تحضر من زميلاتها غير 11 من أصل 27 وأخذ العدد فى التناقص بسرعة، وهذا ما كان يحدث فى الواقع، خاصة وأن كثيرا من عائلات صديقاتها اخترن الانتقال إلى «بيشاور» و«لاهور» و«روا لبندى» بعيدا عن نفوذ طالبان. وفى الكابوس بينما ملالا فى طريقها إلى المدرسة سمعت رجلا يقول: «سوف أقتلك». تسارعت خطاها فى فزع، والتفتت وراءها كى تتأكد مما إذا كان الرجل يتعقبها، واكتشفت بفرح أنه يتحدث عبر هاتفه المحمول مُهددا شخصا آخر وليس هى. ولم يكن هذا الكابوس سوى نذير رؤية مبكرة لطفلة، تحققت بمحاولة اغتيالها بالرصاص يوم الثلاثاء قبل الماضى، وهى على أعتاب الرابعة عشرة.

طوال الأسبوع الماضى مكثت أتابع مأساة ملالا، وكنت أتوقف طويلا وكثيرا أمام صورها والفيديوهات التى سُجِّلت معها قبل الفاجعة. فقد كانت ملالا طالبة متميزة على مستوى البلاد كلها، وفازت بجائزة السلام الوطنية. شاهدْتُ صور طوابير طلاب المدارس فى باكستان وأكثر من مكان فى العالم وهم يبتهلون إلى الله ويدعون لها بالنجاة والشفاء، وكنت أدعو مع الداعين، وأناديكم الآن للدعاء لها، طفلة كان حبها لمدرستها أكبر من خوفها من بطش طالبان، ولعل براءة عمرها هى التى منحتها هذه الشجاعة الاستثنائية فلم تُقدِّر حقيقة الخطر من كيان عدوانى يدَّعى الحفاظ على الإسلام، بينما هو يختطفه إلى نطاق نوازعه المتعصبة والمنحرفة. وبرغم أننا لم نصل بعد فى مصر إلى منزلق طالبان إلا أننا لسنا بعيدين عنه أبدا، ومن ثم صرنا أولى بالدعاء لبلادنا أن تنجو من مثل هذا الابتلاء، فثمة نُذُر خطيرة تحذرنا من أن متلازمة مرض التطرف والتعصب والتعسف تتراكم أعراضها وتتفاقم، مما يُلوِّح بالعنف الأعمى فى الأفق القريب، لا البعيد.

سيسارع البعض بالتهوين من هذه النُذُر وربما يتهمون المنبهين إليها بالتدليس، وكأن ما حدث ويحدث من قتل للأبرياء بسلاح وترويع جماعات التطرف فى سيناء حوادث فردية معزولة، وكذا ذبح طالب الهندسة فى السويس لمجرد أنه كان يجلس مع خطيبته فى مكان عام، وحرق كنيسة فى العريش كشفت العبارات التى كتبها المتطرفون على جدرانها المُحترقة مدى جهلهم حتى فى كتابة الآيات القرآنية التى يُؤولونها بتعسف لتبرير سلوكهم الجانح، فما من كلمة إلا وبها خطأ إملائى فاحش، هكذا يتزاوج التطرف مع الجهل ويباركهما غرور الشعور بالقوة التى تغطى عقد النقص الغائرة فى هذه النفوس، هذا إجرام لا إسلام، وتعبير عن شطط نفوس مريضة لا تسامى أرواح مؤمنة. وليت الأمر توقف عند هؤلاء.

فى يوم الجمعة الماضى كان المصلون فى معظم المساجد الباكستانية يبتهلون إلى الله أن يُشفى ملالا مما ألم بها على أيدى مجرمين يزعمون أنهم وحدهم المسلمون وغيرهم ليسوا كذلك، ويفرضون أنفسهم على الناس كجنود لله الذى لا يعرفون قدر عظمته اللانهائية، فينسون أنه غنى عن العالمين. وفى يوم الجمعة ذاته، تزاوج كذب علنى من بعض المحسوبين على الرئاسة فى موضوع الإقالة الفاشلة للنائب العام مع ملامح عدوانية تنبئ عن شرٍّ كامن فيما بدا واضحا وفاضحا فى تهديد الرجل بالضرب فى مكتبه والعدوان على حياته، وكان المشهد أوضح فى ميدان التحرير، فالمسافة الفارقة بين ذلك الشاب خفيف اللحية ذى الجلباب الأسود الذى كان أشد فريق هدم المنصة سعارا فى الدفع والتحطيم والرفس، وبين المسلح الطالبانى الذى أطلق الرصاص على ملالا الصغيرة لا يكاد يُذكَر، مجرد اختلاف فى الهدف والوسيلة فيما التركيبة العدوانية المتعصبة هى ذاتها، تهدم اليوم منصة وتقذف بالحجارة معارضيها وتشتبك بالأيادى والأقدام، وغدا تطلق الرصاص.

لقد كنت أحسب كثيرين من الإخوان أرقى من سوء الظنون المحيطة بهم، لكن يوم الجمعة الفائت وموقعة ميدانه وواقعة إقالة النائب العام وما أحاط بها كشفت عن نوع من غطرسة الشعور بالقوة وعدم الاستقامة فى القول والفعل، بل التحريض على البلطجة والتهديد بها من أناس لا أعرف إن كانت هذه هى وجوههم الحقيقية التى أجادوا إخفاءها طويلا أم هو «سويتش» التحوُّل الذى يجعل كائنا متحضرا ينقلب فجأة من حالته الإنسانية الفردية الدمثة والراقية إلى بطحجى حال تعبيره عن كينونته كترس أو عضو فى حزب أو جماعة، وهى ظاهرة ليست وقفا على الإخوان بل قرينة كل تحزب أيديولوجى متعصب.

على أية حال، لا تخلو النوائب من فرز يميز الخبيث من الطيب، وقد رأينا الخبيث فى هذه الأيام القليلة التى آمل أن نتجاوزها إخوانا ومعارضة لنبنى لا لنهدم، ولنُمكِّن لعموم الخير لا لخصوص تمكين فصيل سيضره هوس التمكين أكثر مما يفيده كما أوضحت عينة الأيام القليلة الماضية. وهذا لا يُبرئ أبدا كثيرين من مناهضى الإخوان الذين يكايدون ويتربصون لإثبات الوجود أكثر من كونهم يعارضون حتى ينتصر الأصوب والأفضل. وينبغى ألا ينسى هؤلاء وأولئك أن هناك من هو أظلم وأعتم ويتربص بالجميع تربص طالبان بملالا الصغيرة.

ومن الطيبات التى أفرزتها هذه الأزمة، يبرز موقف نبيل وشجاع للمستشار طارق البشرى، الذى صرَّح فى مواجهة محاولة إزاحة النائب العام دون شفافية ولا استقامة ولا احترام للقانون قائلا: «قرار مرسى عدوان على السلطة القضائية»، و«عبدالمجيد محمود من أفضل نواب العموم خلال نصف قرن»، وهذا الموقف الدال على نصاعة ضمير القاضى والمثقف الوطنى فى اللحظة الفارقة يحفزنى لتقديم اعتذار للمستشار البشرى يلح علىَّ تقديمه منذ فترة راجعت فيها نفسى، واكتشفت أن فرط الحنق على التعديلات الدستورية وجرائرها جعلنى لا أنتبه لحقيقة النبالة ورهافة الضمير عند الرجل الكبير فخاشنت فى التعبير عن حنقى وأسأت إليه ولو لمحا، وإننى لأعتذر، وليتنا جميعا لا نخجل من الاعتذار عما يوجب الاعتذار حين سفور الأمور، فهذا أهون من تضييع حق إنسان كريم أو خذلان أمة تتعطش للنهوض.

لندعو لمصر بالنجاة من هوج الشرور والشفاء من أمراض الانتصار للذات والمناكدة ولعا بالتناحر، ولا ننسى «ملالا» النائمة بين يدى الرحمن، فندعو لها ولكل من تُسفَك دماؤهم غدرا وغيلة، وما أكثرهم من حولنا، وما أَمَرُّ صمتنا وعجزنا عن نصرتهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.