كل الطرق إلى كوب مياه شرب فى الغربية، تؤدى إلى السرطان والفشل الكلوى، من خزانات المياه المتهالكة، إلى مواسير «الاسبستوس» المسرطنة، والمحرمة دوليا، والتى تم منعها فى مصر منذ عام 2004، ورغم ذلك مازالت تنقل «السرطان» إلى كل بيت فى المحافظة. وحتى الترع التى اعتاد الفلاحون على الشرب منها، أصبحت مقابر جماعية للماشية التى نفقت، متأثرة بالمياه الملوثة فى مراكز المحافظة الثمانية، وقراها ال317، وهو أدى إلى كارثة بيئية خطيرة، لم يعد المسئولون فى شركة مياه الشرب قادرين على إنكارها، بعدما تزايدت أعداد المصابين بالتلوث المائى والفشل الكلوى.
وكانت دراسة لجامعة طنطا، كشفت عن كارثة بيئية وصحية فى فرع النيل برشيد، فى زمام مدينة كفر الزيات، مؤكدة ارتفاع نسبة المعادن الثقيلة فى منتجات الألبان، نتيجة لتلوث المياه التى تشربها الماشية، فيما كشفت دراسة لمعهد بحوث صحة الحيوان، أن 60 عينة من اللبن الخام والرايب والجبن القريش، ظهرت فيها نسبة عالية من المعادن الثقيلة، متمثلة فى الرصاص والكادميوم.
ومن جهتها، قالت الباحثة الدكتورة إيمان الشاذلى، إن تأثير الكادميوم على صحة الإنسان، يتمثل فى اختزانه فى الكليتين والكبد والأعضاء التناسلية، مما يؤدى إلى الإصابة الحتمية بالفشل الكلوى، وضعف خصوبة الرجال، وإجهاض الحوامل، مؤكدة أن الوكالة الدولية الأمريكية، وضعت عنصر الكادميوم، ضمن المجموعة الأولى المسببة لمرض السرطان.
وفى قرية قليب أبيار بمركز كفر الزيات، التى ارتفعت فيها معدلات الإصابة بالفشل الكلوى بصورة غير مسبوقة، كما يقول أحد المواطنين، عصام عمارة، تمكن الأهالى بعد طول انتظار، من مقابلة رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى فى الغربية، اللواء أيمن عبدالقادر، لمواجهته بالكارثة التى يعانون منها، فرد عليهم قائلا: «إن المياه الملوثة تصيب بالإسهال والنزلات المعوية، أما الأملاح والمعادن الثقيلة فهى التى تسبب الفشل الكلوى، والمياه لا يوجد بها أملاح».
ومع تأكيد الأهالى لرئيس الشركة تلوث المياه، اعترف أخيرا بالكارثة، خصوصا بعد تقديمهم له نتيجة تحاليل عينة من المياه، تثبت احتواء بئر المياه الجوفية، الذى تشرب منه القرية، على نسبة زائدة على المسموح به من مادة الأمونيا.
ولم يختلف الوضع كثيرا فى قرية أبو الغر، التابعة لكفر الزيات، والتى يعانى من خزان المياه الجوفية الخاص بها من التلوث، خصوصا أن المياه تمر منه إلى المواطنين مباشرة، دون المرور بأى مراحل تنقية أو تطهير، رغم أن الخزان نفسه تحول إلى بيئة خصبة للحشرات.
وكشف أهالى القرية ل«الشروق»، أن المياه القادمة من الخزان، تصل إلى منازلهم عبر مواسير «الاسبستوس» المحرمة دوليا، والتى أصدرت وزارة التجارة والصناعة قرارا برقم 336 لسنة 2004، بعدم استخدامها فى مصر، بعدما ثبت أنها تسبب أنواعا مختلفة من السرطان، بالإضافة إلى تليف الرئتين، وتبين أن شبكة المياه التى تضم «أبو الغر» وباقى القرى المجاورة، مثل شبرا ريس، وقصر بغداد، مكونة من نفس مادة الاسبستوس.
ويعانى أهالى قرية إبشواى الملق، التابعة لمركز قطور، من كارثة بيئية «مزدوجة»، فبجانب أزمة المياه الملوثة، اضطر الأهالى إلى إلقاء 4 آلاف رأس ماشية نافقة بسبب مرض الحمى القلاعية، فى الترع والمصارف، بعد فشل المحافظة فى توفير محارق صحية للتخلص منها، وهو ما أدى إلى تلوث المصدر الأخير لمياه الشرب أمامهم، فيما لم يتم تشغيل شبكة مياه الصرف الصحى فى القرية على مساحة 3 أفدنة، بتكلفة 20 مليون جنيه، رغم انتهائها منذ 3 سنوات.
ويشكو أحد أهالى القرية، محمد عبدالعزيز، من انتشار الأمراض المزمنة كالتيفود والفشل الكلوى وأمراض الكبد والغدة الدرقية، نتيجة تلوث المياه، بعدما قررت مديرية الرى صرف مياه الرى المطور فى ترعة «ميت يزيد»، التى يتم حاليا بناء محطة لمياه الشرب عليها، فيما حذر سالم محمدين، من خطورة صرف مياه الرى المطور فى النيل، لاختلاط المياه بكميات كبيرة من السماد العضوى، ومواد الحديد والمنجنيز واليوريا، مشيرا إلى أن مياه ترعة ميت يزيد، هى المصدر الرئيسى لمياه الشرب لجميع قرى قطور والمحلة.
أما فى مركز سمنود، فأصبح «بحر شبين» المقبرة المعتمدة للحيوانات النافقة، وهو ما أدى إلى تلوث المصدر الرئيسى لمياه الشرب فى محافظات الغربية والدقهلية والمنوفية، وزاد من خطورة الموقف إلقاء النفايات الطبية الخاصة بالمستشفيات والمراكز الطبية والعيادات الخاصة، فى بحر شبين.
من جهته، يؤكد مدير الصحة البيئية فى الغربية، الكيميائى محمد حافظ، ل»الشروق»، أن جميع محطات معالجة المياه التى تنفق عليها الدولة مليارات الجنيهات سنويا لا تعمل، بدليل أن المياه الخارجة منها محملة بمواد مشعة ومسممة، مضيفا أن خدمة الصرف الصحى تغطى مدن المحافظة الثمانى فقط، بالإضافة إلى 70 قرية، فيما يجرى العمل حاليا لإدخالها فى ال139 قرية خلال الفترة المقبلة.
ويشير حافظ إلى أن نتائج تحليل العينات المأخوذة من محطات معالجة الصرف الصحى، أكدت عدم مطابقتها للمعايير، مع زيادة المواد العالقة، والأكسجين المستهلك كيماويا، والأكسجين الحيوى الممتص، والكبريتات، والزيوت، والشحوم، بالإضافة إلى وجود كلور مثبط، وعدم مطابقة المياه بكتريولوجيا، حيث أكدت النتائج عدم مطابقة191 عينة للمواصفات من إجمالى 195 عينة، بنسبة 98% تم أخذها من محطات المحافظة، «وهو ما يؤكد أن الشركات القائمة على التشغيل والصيانة، والتى تتقاضى ملايين الجنيهات شهريا، لا تقوم بعملها على الوجه المطلوب، فى ظل عدم وجود رقابة حقيقية وجادة على المحطات، مما يعد إهدارا للمال العام، على حد وصف حافظ.
ويوضح حافظ أن كل محطات الصرف الصحى والمصانع، ملحق بها وحدات معالجة، لكنها لا تعمل، نظرا لارتفاع تكلفة المعالجة، حيث تفضل المحطات الحصول على غرامات المخالفة، التى لا تتعدى ألف جنيه، بدلا من تحمل تكاليف المعالجة، التى تقدر بآلاف الجنيهات.
ومن جهته، يتفق الدكتور محمد عبدالله، أحد أبناء مركز سمنود، مع ما قاله حافظ، مؤكدا أن جميع أحواض محطات معالجة مياه الشرب والصرف الصحى متهالكة، ومتوقفة عن العمل، ورغم ذلك، تقوم شركة مياه الشرب والصرف الصحى بسداد مبلغ 25 ألف جنيه شهريا للمقاول المسئول عن التشغيل.
ودفع ظهور بقعة زيتية كبيرة فى ترعة الباجورية، المصدر الرئيسى للمياه فى العديد من قرى كفر الزيات وبسيون، محافظ الغربية، المستشار محمد عبدالقادر، إلى تشكيل لجنة برئاسة السكرتير العام المساعد، اللواء مصطفى بدر، وعضوية رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى، اللواء أيمن عبدالقادر، ورئيس جهاز البيئة فى المحافظة، الدكتور جمال الصعيدى، لمتابعة الموقف، كما قرر إغلاق محطتى مياه رئيسيتين تستمدان المياه من الترعة، هما «النحارية» بكفر الزيات، و«القضابة» ببسيون، وسبق واقعة التلوث الزيتى للباجورية، وقائع أخرى منذ سنوات، فى قرية كفر العرب التى تقع بالقرب من إحدى شركات البترول، واتهم الأهالى الشركة وقتها بإلقاء مخلفاتها فى الترعة.
ومن ناحية أخرى، كشف أهالى قرية ميت حبيش التابعة لمركز طنطا، عن تعرضهم لكارثة أخرى، بسبب حرمانهم من مياه الشرب، نتيجة سحب مصنع بيبسى المقام فى قريتهم لكميات هائلة من المياه من باطن الأرض، متسببة فى تبوير مساحات كبيرة من الأراضى، وهو ما رد عليه مسئول التسويق فى الشركة، عبدالله عصر، بتأكيده ل«الشروق»، أن جميع الإجراءات التى اتخذتها الشركة مطابقة للقانون، وتمت بموجب تراخيص بذلك، مشددا على أن الشركة «لا تتحمل أخطاء سوء تخطيط مسئولى المحليات والزراعة».
وفى اتصال تليفونى مع رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى، اللواء أيمن عبدالقادر، رفض الحديث عن تلوث المياه، معتبرا ذلك «تجنيا»، مكتفيا بتأكيد أن «المياه فى الغربية فى مستواها المقبول والمعقول، وبقليل من الجهد والمال، ستصل للمعدلات العالمية» ونفى فى الوقت نفسه أن تكون المياه سببا فى الأمراض والأوبئة، فيما اعترف المحافظ المستشار محمد عبدالقادر، بسوء حالة المياه، إلا أنه أكد أنه تسلم العمل فى المحافظة، وجميع مرافقها فى حالة انهيار شديد.
وأوضح المحافظ «أن شبكات المياه فى غالبية المراكز، لم تتغير منذ ما يزيد على 40 عاما، رغم زيادة عدد السكان»، مشيرا إلى أن مشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب مثل غيرها من مشروعات الدولة فى العصر السابق، بها الكثير من المخالفات الجسيمة، التى تعوق استخدامها والاستفادة منها بكامل طاقتها، كما أكد أنه يتابع بنفسه جودة مياه الشرب ومدى مطابقتها للمواصفات العالمية، مشددا على أنه لا تهاون مع أى مسئول، فى حالة ثبوت وجود أى تلوث فى مياه الشرب.