صرف موضوع المطالبة بالمساواة فى تحمل العبء الأمنى، وفرض الخدمة العسكرية أو الوطنية على قطاعات أخرى من السكان، مثل المتدينين المتشددين والسكان العرب، الانتباه عن المسألة الأكثر جوهرية من ذلك، وهى هل تحتاج إسرائيل فى سنة 2012 إلى الخدمة الإلزامية؟ ثمة توجه فى العالم الغربى نحو الانتقال من الجيش الذى يفرض الخدمة الإلزامية، إلى جيش يعتمد على المتطوعين، وذلك فى وقت نشهد فيه سنويا قيام مزيد من الدول بتغيير طريقة التجنيد والانتقال إلى الجيش المهنى. فعلى سبيل المثال، ثمة توجه فى الجيش الأمريكى، الذى يقوم على التطوع، نحو رفع متوسط أعمار الجنود، والقيام بعملية ترشيح ورقابة وإشراف على المجندين، الأمر الذى يؤدى إلى جيش نوعى ومميز يلائم التحديات التكنولوجية فى ميدان القتال الحديث.
لكن هل ما يلائم الولاياتالمتحدة يلائم أيضا اليهود فى الشرق الأوسط العاصف؟ الجواب هو، «نعم» مدوية. فى الماضى، عندما كان عدد سكان إسرائيل قليلا، كان هناك مبرر فعلى للاعتماد على المقاتلين وليس على التكنولوجيا. أما اليوم فالجيش الإسرائيلى النظامى (النظامى زائد الاحتياط) هو جيش كبير جدا، ولا سيما فى عصر الحرب الباليستية وغياب الحرب الجبهوية حيث لا مواجهات مع دبابات العدو.
فى سنة 1991، قال إيهود باراك بعد تعيينه رئيسا للأركان، إن ما تحتاج إليه إسرائيل هو «جيش صغير وذكى» وإذا كان هذا الكلام صحيحا فى حينه، فإنه صحيح أضعافا مضاعفة فى وقتنا الحالى، حيث توازن التكنولوجيا عدد المقاتلين.
على المستوى الاقتصادى، تظهر أبحاث حديثة أن الجيش المهنى الصغير هو أقل تكلفة من الجيش الذى يعتمد على الخدمة الإلزامية. أمّا على المستوى الاجتماعى، فيبين العديد من علماء الاجتماع أن الخدمة الإلزامية بالذات تمس النسيج الاجتماعى الحساس، وتفاقم الإحساس بالتمييز بين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية وبين المعفيين منها. من هنا فإن إلغاء الخدمة الإلزامية سيؤدى الى رأب الصدع، ولذا علينا ألا نختلف بشأن فرض التجنيد الإلزامى على قطاعات معينة من السكان، وإنما علينا البحث فى كيفية إلغاء الخدمة الإلزامية وتحويل الجيش الإسرائيلى إلى جيش مهنى ونوعى، «صغير وذكى».