تحت قصف المدافع وفى وسط الاقتتال وهجوم جيش النظام السورى على المدنيين وقوات الجيش الحر، عاش فريق من الأطباء المصريين، التابع لاتحاد الأطباء العرب، فى ريف حلب لأسبوعين، قدموا خلالها خدماتهم الطبية للمصابين من أبناء الشعب السورى، من دون أن ترهبهم المخاطر، فقد «وضعنا أرواحنا فى يد الله وسافرنا». فى سوريا أجرى الفريق نحو 70 عملية جراحية بعد أن تمكنوا من دخول سوريا عبر منفذ من تركيا يسيطر عليه الجيش الحر، الذى يقاوم نظام بشار الأسد.
الدكتور محمد هاشم، مدرس جراحة العظام، أحد أعضاء الفريق الطبى، أكد أنه أثناء إجراء العمليات الجراحية للمصابين والجرحى نتيجة، قصف القوات النظامية لبشار الأسد «شعرت أننى أخيرا وجدت الفرصة التى أقدم فيها جزءا من واجبى».
أعضاء الفريق الذى سافر إلى سوريا هم: الدكتور محمد هشام، أستاذ تخدير، والدكتور محمد هاشم، أخصائى جراحة عظام، والدكتور عمر عبدالباقى، مدرس أوعية دموية، والدكتور أحمد القروى، أستاذ الجراحة عامة، والدكتور أحمد الشاذلى، أستاذ جراحة قلب وصدر، والدكتور شامل أستاذ المخ والأعصاب.
«كل ما وصلنا إصابات حروب نتيجة قصف الطيران والقصف المدفعى، التى تؤدى إلى هدم المنازل»، هكذا قال الدكتور محمد هشام، أستاذ التخدير.
هشام، الذى سبق أن سافر إلى مناطق ملتهبة مثل ليبيا، وغزة، والصومال، يشير إلى أن الفريق الطبى المصرى بدأ العمليات بعد دخوله إلى سوريا عبر تركيا مباشرة فى المستشفى الميدانى بقبو أحد المساجد فى ريف حلب، بعد أن ضرب المستشفى الرئيسى بالصواريخ. أما الدكتور محمد هاشم، مدرس جراحة العظام، فسبق له السفر إلى ليبيا أثناء الثورة الليبية، ثم سافر إلى اليمن لإجراء عمليات للمصابين من الثوار جراء قصف قوات على عبدالله صالح الرئيس السابق، لمناطق الثوار، ويقول «كنت قررت السفر إلى سوريا منذ فترة طويلة، وخاطبت اتحاد الأطباء العرب برغبتى، وعندما جاءت الفرصة ذهبت مع أول وفد».
الأسد يستهدف المدنيين
يضيف هشام أن «نظام الأسد يستهدف كل الناس الشيوخ والأطفال، ونسبة الإصابات نتيجة الضرب العشوائى كبيرة جدا، ولو لم يوجد من يعالج المصابين فإن حياتهم تكون معرضة للخطر، وهذا حدث بالفعل».
لحظة الصفر
يوضح هشام أن اتحاد الأطباء العرب كان يقوم بنشاط على الحدود الأردنية السورية وعلى الحدود التركية السورية منذ فترة، وكان الأطباء يتحينون الفرصة لدخول سوريا، ومع تطور الأحداث، ومع وجود مناطق آمنة نسبيا، توقف فيها القتال، لعدم وجود الجيش النظامى بها قررنا الدخول»، مشيرا إلى أن بعض الحالات كانت تموت فى الطريق قبل أن تصل إليهم على الحدود.
وحول سبب الدخول من تركيا وليس من الأردن أو لبنان قال «الدخول عن طرق الاردن ولبنان صعب لان الجيش الحر لم يتحكم فى منافذ على الدولتين.. أما فى تركيا فقد سيطر على بعض المنافذ التى يمكن ان نتحرك من خلالها».
وعن اختيار موقع العمل قال «فى أى حالة اغاثية عادة ما تكون هناك مجموعة تستطلع الاماكن، وتستكشف المناطق الأكثر احتياجا، وترسل لنا وبناء على ذلك ذهبنا إلى ريف حلب، وبدأنا عملنا بعد ساعتين من دخول سوريا، وهو عمل كان قاسيا بسبب المآسى الإنسانية ففى فى أول أيام العيد، وقعت قنبلة على منازل الناس وجاءت أم فى غيبوبة وابنها ميت، أما الاب وباقى الاسرة فقد كانوا مصابين وفى حالة انهيار تام».
استقبال السوريين للوفد المصرى
أما عن استقبال الشعب السورى للفريق يوضحه هاشم بالقول «كانت مظاهرة فى استقبالنا ومظاهرة فى توديعنا»، بينما يقول هشام «كانوا يحتاجون لنا بقوة ولذلك شعروا بالجهد المبذول من أجلهم، فضلا عن أننا لم نكن بالنسبة لهم مجرد مجموعة اطباء، لكن ممثلين للشعب المصرى». وعن رأى السوريين من الموقف الرسمى المصرى تجاه الثورة السورية قال هاشم «كان هناك استياء بعض الشىء من رد الفعل المصرى الرسمى، لأنه كان هناك لديهم أمل كبير فى الرئيس مرسى، لذا استنكروا الإعلان عن زيارته لإيران، لكن بعد الخطبة التى ألقاها مرسى فى طهران أعتقد أن هذا الاستياء انتهى».
الجيش الحر والسلاح النوعى
يصف الدكتور محمد هاشم، المعركة الدائرة فى حلب قائلا «الجيش السورى الحر يقاتل لكن ليس لدية سلاح نوعى مثل الجيش النظامى.. يقاتل بالسلاح الخفيف إضافة إلى عدد قليل جدا من الاسلحة الثقيلة، التى حصل عليها غنيمة من الجيش النظامى، وعلى الرغم من ذلك خاض أكثر من معركة وكان بينها معارك ناجحة جدا مثل معركة أعزاز التى دمرت فيها 12 دبابة».
وعن انسحاب الجيش الحر من بعض الأماكن، يقول هاشم «هذا نتيجة أن أسلحة وذخيرة الجيش السورى الحر تنفد فيضطرون للانسحاب ليدخل الجيش النظامى ويقتل المئات مثلما حدث فى بارية فى دمشق حين قتل الجيش النظامى 250 شخصا».
ورأى هاشم أن من بين المصاعب التى واجهها عدم التواصل مع الأهل فى مصر «لأن شركة الاتصالات مملوكة لابن خال بشار الأسد، رامى مخلوف، وهناك سيطرة ومراقبة كاملة من قبل النظام السورى على الاتصالات، أحيانا يتم إشغال الشبكة لأن له جواسيس داخل صفوف المعارضة، يريدون التواصل معهم لمعرفة الأخبار أولا بأول.. وفى الوقت ذاته يقال إن لدى الأجهزة الأمنية أجهزة حديثة من إيران يلتقطون بها أى اتصالات عبر الأقمار الصناعية مثل الثريا، يحددون من خلالها مكان الاتصال وبالتالى يتم قصفه».
ويختتم هاشم كلامه عن الرحلة قائلا «خرجت من الرحلة بشعور أننا مقصرون إلى أقصى درجة، لابد أن يكون لنا وجود على الأرض أكثر من ذلك».
فيما يشير الدكتور محمد هشام إلى أن «فريقا طبيا مصريا جديدا وصل إلى سوريا وستكون هناك فرق طبية كل أسبوع لإجراء العمليات الجراحية للمصابين والجرحى فى الثورة السورية».
أكد الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، والمرشح الرئاسى السابق، عبدالمنعم أبوالفتوح، أن «الشعب السورى يتعرض لقصف عشوائى يوميا، من نظامه الدموى، مستهدفا الأطفال والنساء والرجال، دون أى رد فعل من جانب المجتمع الدولى، سوى الكلام، وكأن السوريين بشر لا وزن لهم».
وأشار أبوالفتوح أثناء مشاركته فى المؤتمر الصحفى لشهادات أول فريق طبى مصرى يصل سوريا، إلى أن هناك عقبات دولية أمام تقديم الدعم للشعب السورى، مضيفا أن «أطباءنا كانوا يقومون بعملهم الإنسانى هناك، دون أى تدخل فى الشأن السياسى، أو القتال الدائر هناك، ورغم ذلك كانوا مستهدفين».
وأضاف «الأطباء الذين يذهبون هم من كبار وأمهر الأطباء، وحياتهم غالية، وبالتالى فإن توفير الأمان لهم كان مهما، فلا يمكن لأى طبيب أن يقوم بعمله، وهو معرض للقتل فى أى لحظة، ورغم أنهم كانوا معرضين للقصف فى كل لحظة، إلا أنهم ذهبوا ليقوموا بعملهم الإنسانى، الذى لم يجدونه من أى منظمة دولية أخرى».
وكشف أبوالفتوح عن تعرض أحد أطباء الإغاثة المصريين فى لبنان، لاعتداء من جانب «شبيحة» النظام، موضحا «كاد الطبيب أن يموت، إلا أنه تم إسعافه فى اللحظات الأخيرة»، فيما أوضح الدكتور إبراهيم الزعفرانى، وكيل مؤسسى حزب النهضة، أن لجنة الإغاثة الإنسانية فى لبنان، توقفت عن عملها منذ بداية شهر يوليو الماضى، مطالبا باستئناف عملها مرة أخرى.
وطالب الزعفرانى السلطات الأردنية بتغيير مكان مخيمى اللاجئين السوريين، التى وصفها بأنها «غير آدمية»، مضيفا «ورغم أن المخيمات تتسع ل50 ألف لاجئ، إلا أن عدد السوريين فيها قليل جدا، لأنهم يفضلون الموت فى بلدهم، على الحياة فى هذه المخيمات».
ومن جهته، قال منسق لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، ورئيس الوفد الطبى العائد من سوريا، الدكتور محمد هشام، إن «المستشفيات المدنية كانت أول النقاط التى تتعرض للقصف، من جانب النظام السورى، عند الهجوم على أى مدينة، لذلك بحثنا عن أفضل مكان ننشئ فيه مستشفى ميدانيا، وأقمناه بالفعل فى ريف حلب، وكنا نقوم بعلاج أكثر من 5 حالات يوميا، يزدادون مع قصف أحد الأماكن القريبة منا، كما أن الأطباء السوريين عاجزون عن تقديم الخدمة الطبية، لأنهم أول المستهدفين من جانب النظام».