قد يشير استبعاد بي.بي من المنافسة على الاحتفاظ بدورها الرئيسي في قطاع النفط بالإمارات العربية المتحدة ليس إلى مشاعر استياء من الشركة البريطانية العملاقة فحسب بل إلى شرخ أعمق في العلاقات ناجم عن خيبة الأمل بشأن سياسات بريطانيا وحتى ما تبثه الإذاعة من لندن. وقالت عدة مصادر مطلعة في الإمارات إن ما يعتبر غطرسة بي.بي والغضب من دعم الغرب للربيع العربي وشعورا متناميا بأن مستقبل الإمارات يكمن في علاقات أوثق مع آسيا جميعها عوامل ربما أسهمت في قرار منع شركة النفط العملاقة من تقديم عرض لإدارة أكبر حقول نفط برية لها.
ونعمت الشركات البريطانية بشمس الخليج منذ إبرام اتفاق حماية مع الحكام المحليين في 1820. واضطلعت بي.بي بدور في استغلال نفط المنطقة منذ مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي. لكن مصادر قريبة من الوضع تقول إن دعم الغرب للثورات التي أطاحت بزعماء عرب في 2011 وبواعث القلق في دول الخليج من ترحيب زائد بالإسلاميين الذين حلوا محلهم قد نال من العلاقات البريطانية التي ترجع إلى قرون مضت.
وقال مصدر بالصناعة في أبوظبي لرويترز دون إسهاب "حدث بعض التوتر بين الحكومتين" وقال "تبحث بي.بي عن سبل لإصلاح هذه العلاقة" مضيفا أن محاولات الشركة لرأب الصدع مع مسؤولين إماراتيين كبار قد قوبلت بالرفض. وقالت ثلاثة مصادر أخرى قريبة من الوضع إن بي.بي استبعدت من مرحلة التأهيل الأولي للحقول البرية لأسباب منها "التوترات" بين الإماراتولندن.
ولم يتسن على الفور الاتصال بمسؤولي وزارة الخارجية الإماراتية للحصول على تعليق. واكتفى متحدث باسم الخارجية البريطانية بالقول إنه على علم بتقارير بأن بي.بي قد استبعدت. وبحسب هيئة التجارة والاستثمار البريطانية فإن الإمارات أكبر سوق للصادرات البريطانية في الشرق الأوسط ومن بين القطاعات الرئيسية البناء والدفاع والتعليم. وفي 2011 بلغت الصادرات غير العسكرية حوالي 4.7 مليار جنيه استرليني.
عامل آخر ذكرته عدة مصادر في الإماراتولندن هو تقرير للخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في وقت سابق هذا العام عن حملة حكومية ضد إسلاميين في الإمارات وقد أثار غضب أبوظبي. وغذى التقرير شعورا متناميا لدى الزعماء الخليجيين بأن لندن وواشنطن ترحب أكثر من اللازم بالإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى السلطة في مصر.
كان آخر اجتماع لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في لندن في يونيو حزيران. ولم يتضح ما إذا كان دور بي.بي أو تقرير هيئة الإذاعة البريطانية قد خضعا للنقاش ولا كيف سار الإجتماع.
وقالت مصادر في المنطقة إن افتراض بي.بي أنها ستدعى تلقائيا للمنافسة قد أثار استياء البعض داخل النخبة الإماراتية. وقال آخرون إن مسؤولي بي.بي ربما أغضبوا أحد صناع القرار المهمين عندما شككوا في اعتزام الإمارات دعوة شركات وطنية آسيوية للمشاركة أو في الشروط الصارمة المعروضة للامتيازات.
وإضافة إلى ذلك قد يرجع استبعاد بي.بي إلى أنها لم تعد من بين أكبر ثلاث شركات نفط عالمية ومن ثم أزيحت لإفساح المجال للشركات الآسيوية التي تشتري ما يقرب من كل النفط الإماراتي. وسيتحاشى المسؤولون التنفيذيون بصناعة النفط في الإمارات الاستغناء عن كل تكنولوجيا شركات النفط الغربية وعقود من خبرة العمل في الحقول التي تدر معظم ثروة البلاد أو تنفير حكومات غربية حليفة.
لكن لعلهم خلصوا إلى أن بمقدورهم استبعاد بي.بي دون إلحاق ضرر كبير مع بقاء شركة النفط الأمريكية العملاقة إكسون وثاني أكبر شركة شل البريطانية الهولندية داخل المنافسة مع توتال الفرنسية. وقال مصدر ذو علاقات نفوذ "المشكلة مع بي.بي أنهم يعيشون في الماضي... الشركات الأخرى .. الشركات الآسيوية .. أقدر على المنافسة.
"الإعلام البريطاني كان أحد الأسباب أيضا. يضخمون المسائل الصغيرة ويستغلونها للإساءة إلى البلد. إنهم هنا حساسون جدا لمثل هذه الأشياء." وأحجم متحدث باسم بي.بي عن التعليق بشأن عملية تقديم العطاءات قائلا إن الأمر يرجع إلى أبوظبي لإعلان أسباب عدم توجيه الدعوة للشركة. وقال إن شركة النفط التي مقرها في لندن مازالت تتمتع بعلاقات جيدة في مشاريع إماراتية أخرى. وتملك بي.بي حصة في امتياز بحري ينتهي في 2018.
وقال كامل الحرمي المحلل النفطي المستقل المقيم في الكويت إن استبعاد بي.بي "لم يكن متوقعا ولاسيما بسبب وضعها الرائد في المنطقة وبالنظر إلى المصالح الضخمة والعلاقة التاريخية. "إنه أمر مدهش. إنه أمر ضار نظرا للعلاقات ومصالح أبوظبي في الاستثمار في بريطانيا."
ويسمح نظام الامتيازات في الإمارات لمنتجي النفط والغاز بالحصول على حصة من إنتاج البلد عضو منظمة أوبك مقابل الاستثمار في المشاريع. وترتبط شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) حاليا بعلاقات شراكة مع رويال داتش شل وتوتال وإكسون موبيل وبي.بي وبارتكس للنفط والغاز في امتياز شركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية (أدكو).
وينتهي الامتياز الذي يستطيع إنتاج ما بين 1.4 و1.5 مليون برميل يوميا في 2014 ودعت أدنوك شركات نفط غربية أخرى للاستمرار في الاضطلاع بدور في المستقبل. وتطمح شركة النفط الوطنية الكورية وشركة النفط الوطنية الصينية إلى زيادة حصصهما في مشاريع للتنقيب والإنتاج بالخليج وذلك لتدبير إمدادات الوقود لاقتصاديهما المزدهرين ويعتقد أن الإمارات ليست أقل حرصا على توطيد العلاقات مع أكبر زبائنها.