دعونا لا نتحمس أكثر من اللازم بشأن الديمقراطية فى الشرق الأوسط. الانتخابات الأخيرة فى لبنان هى تطور مرحب به، فى ضوء الخسارة التى منى بها التحالف الذى يقوده حزب الله والمرتبط بإيران على يد لائحة أكثر ليبرالية وأكثر ميلا نحو الغرب. ولكننا رأينا هذا من قبل. ففى العام 2005، تحمس الكثير منا لرؤية الناخبين الشجعان الذين تدفقوا على مراكز الاقتراع فى العراق ولبنان وفلسطين ومصر. ولكن بعد عام من ذلك، كان العراق يعيش فترة أكثر دموية من أى وقت مضى، وكان لبنان يخوض حربا مع إسرائيل وسيطرت حماس على المجلس التشريعى الفلسطينى، والمرشح المصرى الوحيد الذى كان يملك ما يكفى من الشجاعة لتحدى الرئيس المصرى حسنى مبارك على الرئاسة انتهى فى السجن. لكن بغض النظر عن هذا الحذر، فإنه سيكون من الخطأ عدم الانتباه إلى الإشارات التى تؤشر إلى أن شيئا يحدث باتجاه الأفضل الآن فحسب. ففى غالبية التاريخ الحديث، ولأجل قلب رأى كارل فون كلويتز رأسا على عقب، فإن سياسات الشرق الأوسط تتمثل فى تواصل الحرب بوسائل أخرى. فعلى المستويات الدولية والوطنية، بل وحتى الإقليمية، فإن كل شىء بدا وكأنه يعود إلى المعارك الأيديولوجية. فالحرب الباردة انتهت بفتح الطريق أمام صدام الحضارات: إذ تم تقسيم العالم إلى أولئك الذين معنا وأولئك الذين يقفون مع الإرهابيين. غير أن ما كان مفقودا بصورة خاصة فى واشنطن هو فهم أن السياسة فى الشرق الأوسط يمكن أن تكون لعبة الفوارق الدقيقة، حيث يجب أخذ مصالح جماهير المؤيدين المعقدة ذات الأجندات المعقدة، والمتناقضة أحيانا، بعين الاعتبار. ومع أن ذلك يكون فى غاية الوضوح خلال الحملات الانتخابية النزيهة، فإن ذلك يكون صحيحا حتى فى الممالك أو الأنظمة السلطوية. وما أعتقد وآمل أن نراه الآن هو تقدير أكثر دقة للدور الذى يمكن أن تلعبه السياسة من دون الحرب حقا، بدلا من الحرب فى إعادة صياغة المنطقة. لقد كان خطاب الرئيس باراك أوباما فى القاهرة بمثابة استحضار لهذا النهج الجديد. وقد كانت الانتخابات اللبنانية خلال نهاية الأسبوع نافذة على هذا النهج نفسه. وقد يكون الأكثر إثارة للمفاجأة هو الدور الذى لعبته المملكة العربية السعودية، وهى الدولة غير الديمقراطية بصورة نهائية، على أكثر من مستوى مختلف. فهدفها بعيد الأمد هو الحفاظ على نظامها عن طريق إشاعة الاستقرار فى المنطقة عبر أى وسيلة سياسية أو دبلوماسية متوافرة لها. والتحدى الماثل أمامها حاليا تماما كالتحدى الماثل أمام الولاياتالمتحدة هو وقف الزخم الإيرانى السياسى الذى بدأ يتشكل على مدى السنوات القليلة الماضية. فى لبنان قدم السعوديون دعما ماليا هائلا للتحالف المنتصر الذى يترأسه سعد الحريرى. وقبل فترة بعيدة نسبيا فى شهر مارس الماضى، أبلغتنى شخصية سعودية واسعة الاتصالات والعلاقات بصورة خاصة، إنما بفخار واضح، أن بلاده قد أنفقت فى لبنان، وهو دولة لا يزيد عدد سكانها على 4 ملايين نسمة، أكثر مما أنفقته حملة أوباما الانتخابية فى الولاياتالمتحدة، وهو مبلغ 715 مليون دولار الذى كان مبلغا قياسيا غير مسبوق فى حينه. وحتى لو أن مصدرى هذا كان يغالى فى قوله، فإن مدى ما أصبحت عليه بيروت من سوق تجارية لمشترى الأصوات الانتخابية، من الرياضوطهران، تحول إلى عناوين رئيسية فى صفحات الأخبار الدولية الرئيسية. ولكن الهزيمة التى قدمها اللبنانيون لحزب الله ستكون نكسة سياسية صغيرة للملالى فى طهران إن لم تعمل الولاياتالمتحدة وحلفاؤها العرب الرئيسيون مصر والمملكة العربية السعودية والأردن على إعداد إستراتيجية سياسية متماسكة عبر المنطقة كلها. وشعورى من خلال تحدثى إلى المسئولين فى كل هذه الدول هو أننا لم نبلغ تلك المرحلة بعد، حتى لو كان أوباما يحاول نقل السياسة الأمريكية فى الاتجاه الصحيح. وفى صلب اهتماماتها هى المشكلة العربية الإسرائيلية. فحلفاء واشنطن العرب لايزالون ينظرون إلى هذا النزاع على أنه القضية السياسية الوحيدة التى تستعملها طهران بصورة ناجعة ضد أنظمتهم. إذ يستطيع رجل ديماجوجى مثل الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد، البعيد كل البعد عن مشاهد المواجهة، أن يلعب على المشاعر الشعبية. العرب فى كل مكان يرون معاملة إسرائيل للفلسطينيين على أنها ظلم فظيع يتعذر تفسيره، ومن منطلق سياسى، فإن هذا يضع الموقعين العرب على معاهدات سلام مع إسرائيل، المصريين والأردنيين، فى وضع خطر. وهو ما يعقد الأمور أمام صناع السلام والساعين إلى الاستقرار المستقبليين، مثل السعوديين. وقد أبلغنى وزير الخارجية السعودى سعود الفيصل حين التقيته فى باريس الأسبوع الماضى أن «إسرائيل هى بمثابة المفتاح لإيران للدخول إلى العالم العربى. إذا هددت إيران العالم العربى، فإنها تهدده عبر مشكلات تنبثق من الصراع العربى الإسرائيلى». والمنطق نفسه ينطبق أيضا على مسألة برنامج إيران النووى. فمن الناحية السياسية، لا يستطيع نظام فى المنطقة، سواء كان ديمقراطيا، سلطويا أو ملكيا، إقناع شعبه بأن من الممكن لإسرائيل أن تكون لديها أسلحة نووية غير معلنة، ولكن من غير المقبول بالنسبة إلى إيران، وهى الدولة الموقعة على معاهدة منع الانتشار لنووى، أن تستحوذ على تقنية مماثلة. ولهذا فإن صانعى السلام الحاليين والمستقبليين يريدون رؤية إسرائيل وإيران معا تتعرضان للضغط بالنسبة إلى هذه القضية. وقال لى الأمير سعود: «الطريق الوحيد لوقف الانتشار النووى هو القول بصورة قاطعة، ربما عبر مجلس الأمن الدولى، إن تطوير وحيازة أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط هما أمر غير مشروع». وأخيرا، فلهذا يشعر السعوديون والمصريون والأردنيون بأنهم بحاجة ماسة إلى التوصل إلى اتفاق ثابت وعملى مع إسرائيل، وليس اتفاقا يتم الحديث عنه فقط. وكما يرون الأمر، فإنهم طرحوا عرضا جيدا جدا: سلام شامل مع سائر دول العالم العربى والإسلامى مقابل إنهاء احتلال إسرائيل للأراضى التى احتلتها إسرائيل فى العام 1967، بما فى ذلك القدسالشرقية و«حق العودة» للاجئين الفلسطينيين للدولة الفلسطينية العتيدة. واضح أن هذا سيكون موضع تفاوض، ولكن من الناحية السياسية، فإن هذا أمر يصعب على الدول العربية الإقرار به علانية. وكما يرون الأمر بل والأهم فكما ترى شعوبهم الأمر فإن «خرائط الطريق» السابقة «لبناء الثقة» لم تفعل سوى منح المتشددين الإسرائيليين المزيد من الوقت للبناء الاستيطانى فى الضفة الغربيةالمحتلة. وقال الأمير سعود: «إن التفاوض من دون نهاية ليس أمرا سيقبله العرب. لقد تعلموا درسهم». وهكذا، لا، فالسلام والديمقراطية ليسا فى المتناول فى الشرق الأوسط بعد. لقد خسرت إيران معركة انتخابية، ولا أكثر من ذلك. ولكن إذا واصل الزعماء العرب لعب السياسة بدلا من الدعوة إلى الحرب، فإنه ستكون هناك على الأقل فرصة لبناء مستقبل أكثر استقرارا وديمقراطية فى المنطقة. Newsweek