تحسُّن مؤشرات مصر في تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2025    ثروة للبترول تعلن زيادة الاحتياطات المؤكدة بمنطقة غرب كلابشة 3.5 مليون برميل    «منتجي الدواجن» يكشف حقيقة نفوق 30% من الثروة الداجنة    نص كلمة الرئيس السيسي خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره اللبناني بقصر الاتحادية    ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية وانخفاض الأسهم والدولار    القسام تعلن استهداف 3 آليات إسرائيلية في كمين مركب شمال قطاع غزة    وزارة الدفاع الروسية تعلن استيلاء القوات الروسية على بلدة "نوفولينيفكا" شرقي أوكرانيا    بولندا تجرى جولة إعادة لانتخاب رئيس جديد    كونتي: نحن على بعد خطوة واحدة من كتابة التاريخ    وصول أول 1000 حاج من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة    15 كيلو ذهب و3 ملايين دولار.. لغز أكبر عملية سطو في مصر تطال رئيسة جامعة اكتوبر للعلوم الحديثة نوال الدجوي    ضبط 39.5 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    «خطة التفتيش» لتأمين لجان الثانوية العامة 2025.. قواعد تطبق لأول مرة    رئيس الوزراء يناقش سُبل الاستفادة من الآثار الغارقة بخليج أبي قير    محمد رمضان يتنقل بين القناطر الخيرية والفيوم لإنهاء تصوير فيلم أسد أسود    إعلام عبري: نائب ترامب قرر عدم زيادة إسرائيل بسبب توسيع عملية غزة    باستعدادات استثنائية.. صور من امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    من هو إبراهيم الكفراوي ممثل الأهلي في رابطة الأندية بدلاً من عماد متعب؟    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    توريد أكثر من 192 ألف طن قمح محلي بالصوامع والشون منذ بدء موسم الحصاد ببنى سويف    وصول أولى قوافل الحج السياحي القادمين برًا إلى الأراضي المقدسة    كيف ردت مصر على طلبات صندوق النقد الدولي في المراجعة الخامسة؟.. فخري الفقي يجيب    ضبط 60 ألف لتر سولار وبنزين قبل بيعها فى السوق السوداء بالبحيرة    كشف ملابسات مشاجرة 5 أشخاص في المطرية    القناة 12 الإسرائيلية: ضغوط أمريكية كبيرة من أجل التوصل إلى اتفاق في غزة ورفضه سيكون مشكلة    جهاز استخباراتي "صديق".. كيف استعاد الموساد أرشيف الجاسوس إيلي كوهين من سوريا؟    بعد مشاهدته.. إلهام شاهين تكشف رأيها في فيلم "المشروع x"    بدءا من اليوم.. قصور الثقافة تقدم 11 عرضا مسرحيا مجانيا بالإسكندرية    الحكومة تنفي ارتفاع نسب نفوق الدواجن: لا انتشار لأوبئة جديدة والتحصينات متوفرة بالكامل    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    "أونروا": تضرر وتدمير 92% من المنازل فى قطاع غزة    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين 19-5-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    صدامات نارية في إياب ربع نهائي كأس عاصمة مصر مساء اليوم    لتكريم إرثه.. مكتبة الإسكندرية تفتتح ركنا خاصا لأدب نجيب محفوظ    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    "القومي للمرأة" يستقبل وفدا من كلية الشرطة الرواندية وكبار الضباط الأفارقة    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 بالمنيا.. التفاصيل الكاملة لجميع الشعب والمواعيد الرسمية    GAC الصينية تعلن ضخ استثمارات بقيمة 300 مليون دولار لإنشاء مصنع سيارات في مصر    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضانات    بعد إصابة «بايدن».. أعراض الإصابة بسرطان البروستاتا    إثيوبيا تتعنت، خبير يكشف سر تأخر فتح بوابات سد النهضة    ضبط متجرى المواد المخدرة ومصرع عنصرين جنائيين عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    أمين الفتوى: الوصية الشفوية يُعتد بها إذا أقر بها الورثة أو سمعوها من المتوفى    الرعاية الصحية تطلق مبادرة "دمتم سند" لتعزيز خدمات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفالية مرور 17 قرنا على مجمع نيقية بالكاتدرائية المرقسية    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    نجم بيراميدز يرحب بالانتقال إلى الزمالك.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    مبابي في الصدارة.. تعرف على جدول ترتيب هدافي الدوري الإسباني    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شريف باشا أبو الدستور
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 08 - 2012

شهدت نهاية السبعينيات من القرن التاسع عشر تحولا مهما فى نضال الشعب المصرى من أجل الدستور، فقد طرحت الحركة الوطنية الصاعدة التى ضمت قادة النخبة السياسية الجديدة الدستور والرقابة البرلمانية على الحكومة والمشاركة فى التشريع على رأس مطالبها، وكانت تلك النخبة الجديدة تضم نوابا تمرسوا فى العمل البرلمانى منذ عام 1866، وبعضا من أعيان الريف، ومجموعة من الكتاب ورجال الفكر والصحافة، وعناصر من الجهاز البيروقراطى للدولة، ومن ضباط الجيش خاصة من ذوى الأصول المصرية.

ارتبطت المطالبة بالدستور منذ ذلك الحين بقضية استقلال القرار الوطنى ومواجهة التدخلات الأجنبية فى شئون البلاد، فقد تفجرت الأزمة السياسية بين مجلس شورى النواب والحكومة فى الأشهر الأخيرة من عصر الخديو إسماعيل بسبب أزمة الدين الخارجى، والرقابة الثنائية البريطانية الفرنسية على مالية مصر، ورفض الوزير البريطانى المثول أمام مجلس شورى النواب وتجاهل الوزير الفرنسى لقرارات المجلس وتوجيهاته.

وقد انتهت تلك الأزمة بقبول الخديو إسماعيل للائحة الوطنية وإقالة ابنه توفيق من منصب رئيس مجلس النظار وتكليف شريف باشا بأعباء المنصب، وقراءة مبررات إقالة الحكومة تكشف عن قوة الحركة الوطنية واستجابة الخديو لها، فقد جاء فى تلك المبررات:

«لما لم يتيسر لهيئة مجلس النظار السابقة التوفيق للخدمات المتعلقة بإصلاح الأمور المادية والمعنوية المحتاج إليها الوطن، وإجرائها على المحور الموافق لعزم الأهالى قد صمم عموم أهالى الوطن العزيز تصميما جازما على تبديل هذه الهيئة بغيرها، وتسليم إدارة المصالح مع تأسيسها على أساس صحيح إلى ذوى اللياقة والأهلية من حضرات قدماء المأمورين الكرام الذين حازوا حسن الوثوق والاعتماد عليهم فى أمور الحكومة، واعترف لهم بها الجميع، وبناء على هذا اجتمعت جمعية حافلة من حضرات أعضاء شورى النواب والعلماء الأعلام والذوات الفخام والمأمورين الكرام ووجوه البلد وأعيان المملكة ومعتبرى الأهالى، وبعد أن وقعت بينهم المذكرات الكثيرة، مع ملاحظة ما ينبغى ملاحظته فى خصوص هذه الوظيفة المهمة وإصلاح أحوال المالية والأمور الداخلية، عرضوا لأعتاب الحضرة الفخيمة الخديوية اللائحة العمومية التى حرروها على وفق الآراء العمومية، فتعلقت الإرادة السنية بوجوب إجراء المواد المندرجة فيها».

إننا أمام تطور مهم فى الحياة السياسية المصرية، فنص الوثيقة يعترف بشكل واضح بالإرادة الشعبية، والخديو يوافق على تغيير الحكومة نزولا على إرادة الأمة وممثليها، وفى نص الإرادة العلية الصادرة من الخديوى إسماعيل إلى شريف باشا لتكليفه بمسئولية منصب ناظر النظار فى 7 أبريل سنة 1879 تأكيد على هذا المعنى؛ فقد استهل الخديو أمر التكليف قائلا: «إنى بصفة كونى رئيس الحكومة ومصريا أرى من الواجب على أن أتبع رأى الأمة وأقوم بأداء ما يليق بها من جميع الأوجه الشرعية». ورغم أن إسماعيل كان حينئذ يخوض معركته الأخيرة مع الدائنين ومع الدول الأوروبية مستفيدا من الحركة الوطنية، إلا أن خطاب تكليف شريف باشا أرسى مبدأ نزول الحاكم على الإرادة الشعبية وانصياعه لها وإقرار مبدأ رقابة الأمة على الحكومة، وقد تأكد هذا المعنى فى أكثر من موضع فى الخطاب، فعندما يوجه الأمر لشريف باشا بتشكيل الحكومة يشير إلى «أن تكون تلك النظارة مشكلة من أعضاء أهليين مصريين يتبعون فى سيرهم الطرق المنصوص عليها فى الإرادة المذكورة، ويتحفظون على مأمورياتهم كل التحفظ، إذ إنهم مكلفون بالمسئولية لدى مجلس الأمة الذى سيجرى انتخاب أعضائه وتعيين مأموريته بوجه كاف للقيام بتأدية ما يلزم للحالة الداخلية ومرغوب الأمة نفسها». وفى موضوع آخر قال: «وأن تجتهد النظارة قبل كل شىء فى أن تستعد لاستحضار قوانين مماثلة للقوانين الجارى عليها العمل فى أوروبا». فى تكليف واضح بصياغة دستور للبلاد.

وقد بادر شريف باشا عقب توليه رئاسة مجلس النظار بتنفيذ إرادة النواب فى استمرار انعقاد مجلس شورى النواب، فدعا المجلس للاجتماع فى 10 أبريل 1879، وتُلى كتاب وزير الداخلية باستمرار دورة المجلس وإلغاء القرار الذى سبق أن أصدرته حكومة محمد توفيق باشا بفضه.

وفى 17 مايو اجتمع المجلس، وحضر شريف باشا رئيس مجلس النظار وقدم للمجلس مشروع اللائحة الأساسية الجديدة لمناقشتها وإقرارها، فى خطوة مهمة فى طريق منح المجلس النيابى سلطة التشريع فى مصر، حيث أشار شريف باشا فى كلمته بشكل واضح إلى سلطة مجلس شورى النواب فى مراجعة القوانين وتعديلها أو إقرارها.

وتم تشكيل لجنة من أعضاء المجلس ضمت كلا من: عبدالسلام بك المويلحى وعثمان الهرميل والسيد السرسى ومحمود سالم وبدينى الشريعى وعبدالغنى خالد وباخوم لطف الله وعبدالرزاق الشوربجى وإبراهيم الجيار وعبدالوهاب الشيخ ومحمد رجب كساب وخضر إبراهيم وعبدالرحمن وافى وتمام حباير وسليم سعيد، وانتخب المويلحى رئيسا للجنة. ويعتبر المؤرخ عبدالرحمن الرافعى أن هذه اللجنة كانت بمثابة لجنة دستورية، وأن مجلس شورى النواب قام بمهمة الجمعية التأسيسية.

ويعتبر الرافعى أن اللائحة الأساسية لعام 1879 أول دستور وضع فى مصر على أحدث المبادئ العصرية رغم عدم صدورها بمرسوم خديو، لكن من وجهة نظره فإن تلك اللائحة التى ارتضتها الحكومة وقدمتها إلى مجلس شورى النواب مع لائحة الانتخاب لتنال إقرار المجلس، تعتبر أساسا لدستور 1882 الذى اقتبس كثير من نصوصه منها. وقد تضمنت تلك اللائحة سلطات واسعة لمجلس النواب تضاهى سلطات البرلمانات الأوروبية فى الرقابة والتشريع، كما أنها أعطت أهالى السودان حق انتخاب ممثليهم فى المجلس، وأقرت مبدأ الحصانة البرلمانية وجعلت النائب وكيلا عن عموم الأمة وليس وكيلا عن دائرته فقط.

لكن مشروع الحركة الوطنية وجهود شريف باشا لم تكلل بالنجاح، فقد نجحت بريطانيا وفرنسا فى عزل الخديو إسماعيل وتولية ابنه توفيق مكانه، وقد كلف توفيق شريف باشا بالاستمرار فى رئاسة مجلس النظار فى 5 يوليو 1879، وأكد فى خطاب التكليف على علمه بأن «الحكومة الخديوية يلزم أن تكون شورية ونظارها مسئولين»، وأنه ينبغى تأييد شورى النواب وتوسيع قوانينها لكى يكون لها الاقتدار فى تنقيح القوانين وتصحيح الموازين وغيرها من الأمور المتعلقة بها»، لكن الأمور سارت فى مسار آخر؛ فقد تم تعطيل أعمال مجلس النواب قبل أن ينتهى من مناقشة القوانين واللوائح المحالة إليه من الحكومة، ثم جمع توفيق فى أغسطس 1879 بين الخديوية ورئاسة مجلس النظار، بعد استقالة شريف باشا احتجاجا على رفض الخديو إجراء انتخابات مجلس النواب، ثم أسند المنصب إلى رياض باشا المساند للحكم الاستبدادى، ليستمر فى المنصب إلى أن قامت الثورة العرابية فى سبتمبر 1881، فيعود شريف باشا بناء على طلب الثوار وقادة الحركة الوطنية فيعيد الحياة النيابية ويقوم بإعداد مشروع جديد للدستور.

من هنا استحق شريف باشا لقب أبو الدستور فكما يقول عبدالرحمن الرافعى: «على يد شريف باشا قام النظام الدستورى فى مصر، ففى عهد وزارته للداخلية سنة 1866 أنشئ مجلس شورى النواب، وفى عهد رئاسته للوزارة سنة 1879 كملت سلطة المجلس بتقرير مبدأ المسئولية الوزارية أمامه، وفى وزارته الثالثة سنة 1881 أنشئ مجلس النواب على غرار المجالس النيابية الحديثة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.