يفسر اليمين المتطرف سيطرته الكاملة على نمط الحياة فى إسرائيل بالقول إنه يمثل إرادة الشعب، إذ لديه أكثرية فى الكنيست، وهو يحظى بتأييد الأغلبية فى استطلاعات الرأى. وبناء على ذلك، يمكنه القول إنه يمثل إرادة الشعب، كذلك يحق للمستوطنين المتدينين ولحزب إسرائيل بيتنا وللمتطرفين فى الليكود فرض التشكيلة التى يريدونها لمحكمة العدل العليا. لقد تعهد نتنياهو بطريقة احتفالية بإخلاء مواقع استيطانية غير قانونية، مثل غفعات أساف، حيث تبين أن 30 منزلا فيها مبنية على أملاك فلسطينية خاصة، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث. ويجرى اليوم تحت تأثير ضغط اليمين المتطرف، وبدعم من نتنياهو ووزراء اليمين، البحث مع المدعى العام للدولة، عن إيجاد حل يسمح بتأجيل الإخلاء لمدة نصف عام آخر.
لكن يمكننا منذ اليوم الجزم بأنه لن يتم إخلاء أى منزل، لا فى مغرون ولا فى عمونة ولا فى غفعات أساف، الأمر الذى يتعارض تماما مع الأوامر الصادرة عن محكمة العدل العليا. فما قيمة القانون والنظام فى مقابل «إرادة الشعب»؟ وما قيمة الإجراءات القانونية فى مواجهة القوة المتطرفة للمستوطنين ومجلس يهودا والسامرة؟
يمكننا مواصلة تقديم الأمثلة على السيطرة المطلقة لليمين، وعلى قدرته الكبيرة على تقرير ما يشاء فى أى موضوع يهمه، لكن المسئولية لا تقع على اليمين، وإنما على المعارضة. ومعلوم أن نتنياهو لا يجرؤ على الإقدام على أى خطوة تثير غضب المستوطنين، إذ يخشى تخليهم عنه.
وفى الواقع، فإن المستوطنين لا يمثلون أغلبية الشعب، ومواقفهم لا تعكس إرادته. صحيح أن اليمين يحظى بتأييد الأغلبية فى استطلاعات الرأى، لكن هذا التأييد ليس موجها إلى اليمين المتطرف الذى يسيطر على حكومة إسرائيل وعلى الكنيست، وإنما إلى اليمين المعتدل العقلانى والمؤيد لسلطة القانون، والمتمثل بأشخاص، مثل دان مريدور وبنى بيغن ورؤوفين ريفلين الذين يتصرفون اليوم كمعارضة فاعلة أكثر بكثير من المعارضة المفترضة.
والاسئلة التى تطرح نفسها هى التالية:
أين اختفى حزب العمل؟ ولماذا منذ انتخاب رئيسته الجديدة شيلى يحيموفيتش لم نسمع رأيها فى الموضوعات المطروحة الآن على النقاش؟ ألم تنتبه إلى أن مهمتها الجديدة تفرض عليها ألا تقصر اهتمامها بالموضوعات الاجتماعية، وأن عليها إعداد حزبها لصراع لا هوادة فيه ضد التطرف الذى يسيطر الآن على مجالات الحياة كافة؟
لا نستطيع توقع الكثير من حزب كاديما، إذ إن أحد أهم أعضائه آفى ديختر هو الذى طرح اقتراح قانون إسرائيل دولة يهودية، لكن على الرغم من ذلك فإن صوت تسيبى ليفنى مسموع أكثر من صوت يحيموفيتش، وهى تحاول التصدى للتدهور الفظيع الذى تشهده إسرائيل اليوم، وهذا ما يفعله أيضا أعضاء حركة ميرتس.
إن كل ما تبقى لملايين المواطنين الذى يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى معسكر الوسط واليسار هو الطلب من المعارضة إنقاذهم من سيطرة اليمين التى تهدد بإغراقنا جميعا.