السجن 7 سنوات لبلطجي في قنا سرق طفلان تحت تهديد السلاح    تنسيق الثانوية العامة 2025.. تعرف على مؤشرات القبول    وزير العمل: توجيهات مستمرة للمُلحقين للإستجابة الفورية لمطالب العمال    إزالة 22 حالة تعدٍ واسترداد 1972 مترًا من المباني و7 قراريط و21 سهمًا    بريطانيا تسحب أفراد عائلات موظفي سفارتها وقنصليتها في إسرائيل    محافظ الجيزة يلتقي أعضاء برلمان الطلائع ويؤكد دعم الدولة لتمكين الشباب    وزيرة التضامن توجه بصرف تعويضات لأسر ضحايا حادث انهيار منزل السيدة زينب    الليلة.. "الطريق" يفتتح عروض مهرجان فرق الأقاليم المسرحية في دورته ال47    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    دمياط تستعد لانطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ الدقهلية: 1224 مواطنًا استفادوا من القافلة الطبية المجانية    رسميًّا.. ضوابط جديدة للمدارس الخاصة والدولية بشأن توزيع الكتب    سفير إيران لدى الأمم المتحدة: سنرد على أي عدوان إسرائيلي دون ضبط للنفس    مزايدون.. لا صامدون!    تعرف على جدول مباريات مانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى موسم 2025 - 26    سفير إيران: إذا ثبت لدينا تورط واشنطن بالحرب فسنبدأ بالرد عليها    إدراج 27 جامعة مصرية ضمن أفضل الجامعات العالمية ضمن تصنيف «U.S. News» ل2025–2026    رسالة من حسين الشحات بعد تعرضه للانتقادات    "شرط غير قانوني".. مفاجأة مدوية حول فشل انتقال زيزو ل نيوم السعودي    "تأجيل مفاجئ لصفقات الزمالك".. الغندور يكشف التفاصيل    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات نادٍ أمريكي مع مهاجم الأهلي وسام أبوعلي    هيئة الرقابة النووية: مصر آمنة إشعاعيًا.. ولا مؤشرات لأي خطر نووي    خلال حملات أمنية.. ضبط 14 مركزًا غير مرخّص لعلاج الإدمان في 3 محافظات    لطلاب الثانوية العامة 2025.. ننشر «pdf» مراجعة ليلة امتحان اللغة العربية    بدء جلسة محاكمة المتهمين فى واقعة سفاح المعمورة بتهمة التهديد مقابل مبالغ مالية    تركيب رادارات ولوحات إرشادية لتقنين السرعات بطريق دائرى المنصورة    توقيع مذكرة تفاهم بين اتحاد الغرف السياحية وسياحة حلوان لتأهيل الخريجين    مش بس نور الشريف.. حافظ أمين عاش بمنزل السيدة زينب المنهار بالدور الأرضى    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأربعاء    أمين الفتوى: الأمانات بين الناس لا تسقط بالوفاة ويجب أداؤها لأصحابها أو لورثتهم    المصرف المتحد ضمن قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في مصر خلال 2025    الرقابة المالية تصدر قواعد قيد ومزاولة نشاط الوساطة التأمينية    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    جامعة كفرالشيخ ال 518 عالميًا في تصنيف «يو إس نيوز» الأمريكي لعام 2025    في ظهور إنزاجي الأول.. التشكيل المتوقع للهلال لمواجهة ريال مدريد بمونديال الأندية    طلاب تجارة عين شمس يحصدون منحة "إيفل" الفرنسية للتميز الأكاديمي    بقيمة 5 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية لمافيا الاتجار في الدولار    ضبط 14 مركزا لعلاج الإدمان بدون ترخيص    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    سفير إيران لدى الأمم المتحدة: سنرد على أى عدوان إسرائيلى دون ضبط للنفس    الطقس اليوم.. مائل للحرارة نهارا وشبورة كثيفة صباحا والعظمى بالقاهرة 33    بحضور رئيس جامعة حلوان.. رسالة علمية عن "منير كنعان" بمجمع الفنون والثقافة    ارتفاع أسعار الذهب وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي    قصة ومواعيد وقنوات عرض مسلسل «فات الميعاد» بعد تصدره التريند    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    السلطات الإيرانية تمدد إغلاق الأجواء في البلاد    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    مقاومة متواصلة ضد الاحتلال .. القسام تدمر ناقلتي جند وسرايا القدس تسقط طائرة مسيرة    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    جدال مع زميل عمل.. حظ برج الدلو اليوم 18 يونيو    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساواة أولاً
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 07 - 2011

فى كل مرة تنطرح فيها قضية الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء فى بلادنا، يقدم لنا البعض هذه الفكرة المضادة: لابد أن تكبر الكعكة الاقتصادية أولا وإلا تحولت المساواة بين المصريين إلى مساواة فى الفقر أصبحت أى إجراءات، تعيد توزيع الثروة فى المجتمع، فى هذا الإطار عائقا أمام تقدمه الاقتصادى. تبرر هذه الفكرة فى العموم منطقا مضادا، كان سائدا قبل الثورة ويخضع لبعض التعديلات الشكلية الآن: المد المرتفع يرفع معه كل المراكب.. النمو الاقتصادى الذى يقوده رجال الأعمال والأغنياء والقطاع الخاص سيفيد الكل إن عاجلا أو آجلا مهما خلق من عدم مساواة فى البداية لأنه الطريق الوحيد لزيادة ثروة المجتمع.
الآن بعد الثورة، يقول لنا أنصار هذا التصور إن هذا المنطق مازال هو طريقنا «وإن كانت هناك ضرورة لبعض الإجراءات فى إطاره لمعالجة قضية الفقر»، لكن النمو يظل أولا.
ويشبه هذا تصريحا مشهورا لرئيس الوزراء البريطانى السابق الذى حرك حزب العمال فى اتجاه عالم الأعمال، تونى بلير، قال فيه إنه لايهتم كم يكسب ديفيد بيكهام، لاعب الكرة المشهور، لكنه يعتقد أن التعامل مع الفقر بالذات فى الطفولة مهم. ونعرف جميعا أين ذهبت هذه السياسة بحزب العمال وبلير الآن.
عدم المساواة.. وباء
لماذا لا يثق البريطانيون فى الناس كما يثق فيهم اليابانيون؟ لماذا يمتلك الأمريكيون معدلات أعلى فى حمل المراهقات من الفرنسيين؟ ماالذى يجعل السويديين أنحف من الأستراليين؟ الإجابة وفقا لكتاب هو من أعلى الكتب مبيعا الآن فى بريطانيا: عدم المساواة.
«توزان الروح، لماذا المساواة أفضل للجميع» The Spirit Level Why Equality Is Better for Everyone. الكتاب نتاج دراسة إحصائية علمية قام بها اثنان من علماء الوبائيات على 25 دولة متقدمة والخمسين ولاية أمريكية، كل واحدة منها كدولة فى حد ذاتها. الكاتبان، ريتشارد ويلكنسون وكيت بيكيت، ينطلقان من خبرة طويلة فى دراسة معدلات العمر المتوقعة بين الشرائح المختلفة فى المجتمع فى بلدهما ومحاولة تفسير الاختلافات فيها. وسمح تطور الإحصاءات العالمية لهما بنقل أفكارهما إلى مجال أوسع وفرضية أشمل: هل هناك علاقة بين عدم المساواة والرفاه الاجتماعي؟
الاستنتاجات التى يقدمها الكتاب هائلة وهزت بريطانيا هزا لدرجة أن كلا من ديفيد كاميرون رئيس حزب المحافظين الحاكم وإد ميليباند زعيم المعارضة العمالية الآن اقتبسا من الكتاب فى خطابات لهما مما يعنى أنه انعكس على تصورات قطبى السياسة فى بريطانيا. يقرأ الباحثان من الاحصائيات أنه كلما ازدادت عدم المساواة فى المجتمع، مهما كان غنيا، زادت ظواهر ومشاكل المرض العقلى ووفيات الأطفال وتراجع معدل العمر المتوقع والبدانة وتدهور أداء الأطفال التعليمى ومعدلات الانتحار وعدد المسجونين ومعدلهم بالنسبة للسكان وتراجع الحراك الاجتماعى، بل وقدرة الناس على الثقة فى بعضهم البعض. ويدعم الكاتبان هذه الصورة بكم هائل من الإحصائيات التى تعود لمصادر موثوقة على رأسها الأمم المتحدة.
«لو أن السياسة البريطانية ركزت على جعل المواطنين أكثر مساواة بدلا من أولوية النمو الاقتصادى لصار لدى كل واحد منا 7 أسابيع إضافية كأجازة كل عام ولأصبحنا أنحف ولعاش كل منا عاما إضافيا عن معدل عمره المتوقع لوثقنا فى بعضنا أكثر»، يقول الكتاب الذى صدر فى 2009 وأعيد طبعه مؤخرا.
الاستنتاج الأخطر فى الكتاب هو أن النمو الاقتصادى وزيادة الثروة المادية تتوقف تماما فى لحظة ما عن تحسين حياتنا جميعا وليس فقط الفقراء. فتكشف النتائج الإحصائية التى ترد فيه عن أن أثر عدم المساواة لا يقتصر على الفقراء، وإنما على المجتمع كله حتى بأغنيائه.
فيقارن الباحثان بريطانيا بالولايات المتحدة، التى هى أغنى لكن عدم المساواة فيها أعمق، ويكتشفان أن أوضاع البريطانيين بكل شرائحهم أفضل فى كل الجوانب السابق الإشارة إليها من نظرائهم فى أمريكا. وكل هذا برغم أن متوسط الدخل أقل.
وتبنى جريدة الجارديان، التى تصف الكتاب بأنه نظرية كاسحة عن كل شيء، على هذا لتقول إن سياسة حزب العمال البريطانى المسترخية القائمة على ما سمى الطريق الثالث بين الرأسمالية والاشتراكية أى رأسمالية بوجه إنسانى، ولكن المسترخية تجاه تراكم ثروات الأغنياء، «عضت الحزب فى المؤخرة»، بعد أن عمقت انتزاع الانجازات الاجتماعية التى حصل عليها البريطانيون حتى نهاية السبعينيات، حين جاءت تاتشر للحكم ببرنامجها النيوليبرالى بخصخصته وانحيازه للأغنياء (وهذه من عندي).
خلاصة هذه الدراسة الهامة: النمو لا يكفى لرفاه المجتمع وعدم المساواة تعنى حياة أسوأ للجميع، فقراء وأغنياء.
هل نحن أغنياء كفاية؟
ركز الكتاب فى دراسته للعلاقة بين عدم المساواة وهذه الأوبئة الاجتماعية على الدول الغنية، مما تسبب فى انتقادات عدة لفكرته الرئيسية. إذ قال البعض إن النتائج قد تختلف لو أنها شملت دولا فقيرة، كحالتنا.
لأنه فى هذه الحالة، وهو ما يشبه ما قد نسمعه فى مصر، زيادة النمو ضرورية وقد تؤدى إلى تحسين الأوضاع عموما. ويرد الباحثان على هذه الفكرة بأن اختيار الدول الغنية كان لاستبعاد أى أثر لما يشير له النقاد من أنه فى دولة فقيرة قد تؤدى زيادة ثروة المجتمع عموما عبر النمو إلى بعض التحسن. أراد الباحثان اختبار مقولتهما بشكل نقى لاثبات الصلة. لكنهما يؤكدان أيضا أن نظريتهما برغم ذلك تعمل فى الدول الفقيرة ذات الدخل الضعيف: عدم المساواة عائق أمام سكان هذه الدول أيضا. بل إنهما يؤكدان أن إضافة الدول الفقيرة لم يكن ليغير الاستنتاج، «فكل الدراسات عن معدل العمر المتوقع وووفيات الأطفال ومعدلات الانتحار، التى تتوفر عنها إحصاءات فى بعض الدول الفقيرة، تظهر أن المزيد من المساواة مفيد على كل مستويات التنمية الاقتصادية».
وتلتقى هذه الفكرة مع مدرسة حديثة فى علم الاقتصاد يطلق عليها اسم «المساواتية» أو Egalitarian ومن أبرز ممثليها الاقتصادى الهندى الحائز على نوبل أمارتيا سن. إذ تؤكد هذه المدرسة على ضرورة العدالة والمساواة كأساس للتنمية الاقتصادية القائمة أصلا على تنمية قدرات البشر. وبالتالى فإن توزيعا أفضل للكعكة، حتى وإن كانت صغيرة، يخلق فرصا أفضل لمجتمع من المنتجين القادرين، بل يخلق أساسا راسخا للديمقراطية القائمة على تكافؤ الفرص، وهو أمر ملح فى الدول الناهضة.
لقد ضربت الأزمة المالية العالمية أحد المرتكزات الأساسية لتبرير عدم المساواة: فكرة أن الدخول الفلكية مقابل عادل لكفاءات ومهارات غير عادية وأن الفقر هو نتاج قلة الكفاءة. فقد كشفت الأزمة زيف هذا التصور بالنسبة لدخول قيادات القطاع المالى الذين تسببوا فى انهيار الأسواق العالمية. وهو تفسير مزيف بنفس الدرجة للتباين الهائل فى الدخل والثروة فى مصر.
عدم المساواة لا يعكس مقابلا عادلا لحجم الاسهام فى خلق الثروة وليس تعبيرا عن اختلاف المهارات والقدرات فقط. ونهضة المجتمع لا تأتى أساسا بدرجة أو اخرى من تحسين توزيع الدخول مع الإبقاء على نفس الماكينة الاقتصادية التى تخلق الفقر. كيف يمكن أن نعالج عدم المساواة كعائق أمام التنمية والحرية دون أن نغير عجلة الإنتاج التى توسع الفجوة بين أغنيائنا، الذين لا يأبهون بحجم الكعكة ويعيشون فى ترف يتجاوز أحيانا ترف نظرائهم فى الدول المتقدمة، وبين أغلبيتنا من كل الشرائح المهنية والعمالية والفلاحية؟ لا مناص من أن تعطى عجلة الإنتاج الجديدة الأولوية للمساواة إذا أردنا حقا بلوغ النهضة والعيش الكريم بل والديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.