ضبط شخصين لقيامهما بتجميع بطاقات الناخبين وشراء الأصوات بالفيوم وسوهاج    أسعار الدواجن والبيض مساء السبت 27 ديسمبر 2025    النائب أحمد سيد: السياحة قضية أمن قومي وصناعة استراتيجية تقود الاقتصاد الوطني    وزارء خارجية 21 دولة: اعتراف إسرائيل بأرض الصومال خرق سافر لقواعد القانون الدولي    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    شوط سلبي أول بين تنزانيا وأوغندا في كأس أمم إفريقيا 2025    اتحاد جدة يتقدم على الشباب في الشوط الأول    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    موجة جوية غير مستقرة بشمال سيناء تتسبب بإغلاق ميناء العريش    أجواء مبهجة في كواليس «فن الحرب» بطولة يوسف الشريف | صور    لبلبة: نيللي كريم موهوبة والعمل معها تجربة إنسانية وفنية مميزة    عبدالغفار يكرم «مدير صحة البحيرة» ضمن أفضل القيادات أداءً و تميزًا بالجمهورية    أندية برازيلية تتحرك لخطف جناح النصر في يناير    التعادل 1-1 يحسم قمة السنغال ضد الكونغو الديمقراطية فى أمم أفريقيا    وزير الشباب ومحافظ القاهرة يشهدان ختام نهائي دوري القهاوي للطاولة والدومينو    اليابان ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند    جهود لإنقاذ طفل سقط في بئر مياه شمالي غزة    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    تعليم العاصمة تعلن انطلاق البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية    عبدالحليم قنديل: الملك فاروق كان "ملك كوتشينة" وسلّم سيادة مصر ل6 دبابات إنجليزية    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    إبراهيم عيسى يصل العرض الخاص لفيلمه الجديد الملحد    باحثة فلكية: 2026 سنة الحصان النارى وحظوظ للجميع بدرجات متفاوتة    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    تجربة رائدة لدمج التعليم بالإنتاج فى كفرالشيخ |أرباح مليونية بالمدارس الزراعية    وزير الإسكان يتفقد مشروع "حدائق تلال الفسطاط" بمحافظة القاهرة    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    إقبال كثيف للناخبين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان بقرى مركز سوهاج    ياسين منصور يسلط الضوء على دور العقارات والسياحة المتكاملة فى تعزيز الاقتصاد المصرى    زواج نيللي كريم وشريف سلامة.. شائعة أم حقيقة؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    شعبة المستوردين: المشروعات القومية تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز في مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    قرار وزاري من وزير العمل بشأن تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    منتخب مصر: محمد صلاح لم يتحدث مع هوجو بروس عن ركلة الجزاء    انهيار جزئي لعقار قديم في منطقة رأس التين بالإسكندرية    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    فلافيو: الأهلي بيتي.. وأتمنى التدريب في مصر    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات مبكرة على انتخابات الثورة
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 12 - 2011

سعدت بإجراء الانتخابات البرلمانية، رغم أن البيئة المحيطة بها مشوهة، محتقنة، يسودها الفرز والاستقطاب. مبعث السعادة ليس فقط الصفوف الطويلة التى شكلها المواطنون أمام لجان الاقتراع، والهدوء النسبى الذى أحاط بالعملية الانتخابية، وغياب المظاهر الفجة فى تزوير وتزييف إرادة الناخبين. ولكن لأن المصريين استطاعوا أن يعرفوا ملامح خريطة سياسية لمجتمعهم. فى هذه الانتخابات خاض التيار الإسلامى، بأحزاب مختلفة، وفصائل متنوعة الانتخابات.

تقدم على غيره، ولم يكن فى ذلك مفاجأة، ولكن غيره استطاع أن يزاحمه، وفى ذلك مفاجأة، لأن الخطاب الذى دار خلال الشهور الماضية أن الأحزاب الجديدة ليست جاهزة، والإخوان المسلمون وحدهم هم الجاهزون، وإذ بهذه الأحزاب، بخاصة الكتلة المصرية تتقدم، وتنافس بشكل لافت، وهى تتكون من حزبين جديدين على الساحة تماما هما الديمقراطى الاجتماعى والمصريين الأحرار، وآخر كان متراجعا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهو حزب التجمع.

فى الطابور الممتد أمام لجنة الانتخاب استمعت إلى التعليقات الذكية من المواطنين العاديين على شاكله «سوف انتخب ناس جدد لأننى لا أريد استبدال مكتب الإرشاد بلجنة السياسات»، وسلفى يوزع منشورا انتخابيا تقرأ فيه أن العلماء المسلمين بالدائرة الانتخابية، نظرا لكثرة مرشحى التيار الإسلامى، يدعون إلى انتخاب «حزب النور»، وهو ما يعنى صراحة عدم انتخاب الإخوان المسلمين. واثنان من الأقباط يُذكران نفسيهما بالرموز الانتخابية للمرشحين الذين التف حولهم الأقباط، وهم فى الغالب ينتمون إلى الكتلة المصرية، ومواطن آخر يخشى الغرامة المالية فذهب إلى التصويت، ولم يعرف كيف يصوت، ولعل ذلك يفسر ارتفاع نسبة الأصوات غير الصحيحة.

***

هذه الانتخابات شهدت انتفاضة الطبقة الوسطى المصرية، التى تعانى من قلق حقيقى: القوارض الطفيلية التى تتغذى على جذورها، وحالة الترييف والعشوائية وتدهور القيم التى تزحف على المدينة. هذه الطبقة سعت إلى فرض اختياراتها. حصل الإسلاميون على أصوات مواطنين ينتمون إليهم، أو قادمين من الأوساط الشعبية التى يعتصرها الفقر وغياب الوعى الثقافى، فى حين كان خيار قطاع لافت من الطبقة الوسطى المسلمة المتدينة التصويت لأحزاب وقوى لا تنتمى إلى الإسلام السياسى. هناك قلق فى «الطبقة الوسطى» المتدينة من الإسلاميين الذين كانوا يحظون بأصواتهم من قبل، مبعثه، كما فهمت من بعض ممن تحاورت معهم، هو الخوف أن يغطى ارتفاع منسوب التدين المحافظ «الشكلى» على حالة التدهور المجتمعى الشامل دون اشتباك معه وتطهير له، وهو ما جعل هذه الشريحة المتدينة من الطبقة الوسطى تستهويها خطابات النقد الثقافى والاجتماعى والسياسى التى تروجها النخب الليبرالية واليسارية والثورية. حصدت «الكتلة المصرية» و«الثورة مستمرة» وغيرهما أصوات هذه الشريحة احتجاجا على التيار الإسلامى، خاصة السلفيين الذى أظهروا فى الشهور الأخيرة وجها مخيفا للطبقة الوسطى المصرية المتدينة، المسلمة قبل المسيحية.

وإذا كانت قطاعات من الطبقة الوسطى المتدينة حجبت أصواتها عن الإسلاميين، فإن هناك قطاعات شعبية أخرى رأت فى القوى الإسلامية «استقرارا» تنشده، بعيدا عن تموجات وتقلبات وفوران ميدان التحرير، وحديث «الثورة» الدائم، والاستقطاب الغاضب فى الإعلام، والتلويح بالمواجهة مع المجلس العسكرى، هم يريدون أن يتشكل نظام سياسى جديد «مستقر»، يعيد إليهم أجواء الرتابة البيروقراطية التى أعتادوا عليها، حتى وإن تصدر وجه المجتمع لحية مهذبة أو كثة.

هناك من عاقب الإسلاميين على ما أعتبره نكوصا عن مساندة أهداف الثورة فى هذه المرحلة، وهناك من عاقب أهل «ميدان التحرير» على سخونة الأجواء السياسية المستمرة بانتخاب الإسلاميين أو ما يعرف بفلول النظام السابق، أو حتى الأحزاب القديمة مثل حزب الوفد. وهناك من انتخب الإسلاميين تأثرا بالدعاية التى كانوا يطلقونها فى مواجهة خصومهم، خاصة بالإلحاح المستمر على الحفاظ على الشريعة الإسلامية فى مواجهة أعدائها. فى «بورسعيد» مثلا حيث نافس جورج إسحق، الناشط السياسى المعروف، مرشحا للإخوان المسلمين، ظهر هذا النوع من الدعاية التى دعت الناس إلى «توحيد صف المسلمين خلف من يخدم دينهم» فى وجه «الأعداء» الذين يريدون «تنحية الشريعة الربانية الإلهية». هذه اقتباسات من منشورات وزعت على المصلين فى المساجد. تكرر ذلك فى دوائر انتخابية عديدة.

بالطبع هناك من يخشى «الإسلاميين»، ويخاف مما يطلق عليه «الدولة الدينية»، ويبررون الخشية مما فعله البعض منهم من «تديين المجال العام» كما حدث فى النقابات المهنية لعقود، أو فى الأندية التى فازوا فيها وآخرها «نادى الشمس»، فضلا عن الآراء الفجة التى ينطق بها بعضهم. هذا الخوف مفهوم ومبرر، ولكن الصورة لها وجه آخر، وهو أن التيار الإسلامى لم يعد محظورا أو محجوبا، أو أن الجسم الغاطس منه أكثر من الظاهر. صار الإسلاميون تيارا سياسيا له خريطة واضحة، تضاريسه معروفه يمكن التعامل والاشتباك السياسى معه. انتهت مرحلة «الأشباح» فى السياسة، ويجب على القوى العلمانية باختلاف أطيافها التعامل مع التيار الإسلامى ليس بوصفه «الخطر القادم» أو «التهديد الصاعد»، ولكن على أنه الخصم السياسى الذى ينبغى إدارة معركة سياسية معه على أرضية فكرية، وسياسية، تتعلق بالسياسات، وليس بالحديث المستمر عن قضايا نظرية عامة مثل «الدولة المدنية» فى مواجهة «الدولة الدينية». هذه هى المعركة التى دائما ما يخشى الإسلاميون الدخول فيها، ولم يستعدوا لها.

***

من المبكر الحكم على الانتخابات التشريعية، بشكل عام، والتى لم تنته، ولا يُعرف على وجه التحديد خريطة البرلمان التى سوف تفرزه. ومن المتوقع أن تتأثر اتجاهات التصويت فى المرحلتين الثانية والثالثة بالنتائج الأولية فى المرحلة الأولى، سواء باتجاه البعض للتصويت للكتل والأحزاب الليبرالية واليسارية خوفا من الإسلاميين، أو بالعكس التصويت للإسلاميين فى مواجهة تصاعد البديل العلمانى فى رأيهم بشكل عام. الإشكالية ليست فى حجم المقاعد الذى حصل عليها هذا أو ذاك، فهذه قضية بالطبع، ولكن فى المرحلة الجديدة بعد الانتخابات التى تحتاج إلى إدارة مختلفة من القوى السياسية. من خطأ النظر إلى الإسلاميين بوصفهم تكتلا سياسيا واحدا. بالتأكيد سوف يحدث اصطفاف بينهم فى بعض القضايا، ولكن هناك شروخ فى التكتل الإسلامى ما بين إخوانى وسلفى، سوف تتضح معالمها فى المرحلة المقبلة، ليس فقط لاختلاف «التكتيك» والتباين بينهما فى حجم «المصرح به» علنا من الخطابات، ولكن أيضا لأن الارتباطات الداخلية والخارجية لهذا وذاك سوف تحول دون استمرار التوافق. أيضا ليس من الحصافة إدارة السياسة بالاستقطاب ما بين إسلامى وعلمانى، لأن ذلك سوف يفتح الباب أمام إلغاء السياسة لصالح التكتلات التى تلتف حول «الهوية الجمعية»، وهو بالمناسبة ما أدى إلى فقدان التيارات العلمانية بعض الأصوات فى الانتخابات. ومن الخطأ أيضا أن تستمر أحزاب سياسية تعمل بشكل منفرد حول أجندة تكاد تكون واحدة هى «الليبرالية والعدالة الاجتماعية»، مهما اختلفت المسميات، وقد تكون نواة هذا التوافق «الكتلة المصرية». أما المواطن العادى، وهو الذى يتأثر بالتقلبات على مدار الساعة، ما بين تفاؤل وتشاؤم، رجاء وقلق، ينبغى أن نتوجه إليه بخطاب مختلف أن الخريطة السياسية فى أى مجتمع ليست نهائية، والمعركة السياسية هى أساس الأوزان النسبية، وهى ليست فقط صندوق انتخاب، ولكن عملا سياسيا ومجتمعيا مستمرا، وهو ما نجح فيه الإخوان المسلمون، ولم تفلح فيه القوى السياسية الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.