منذ بدأت النخبة وأهلها الجدل والخلاف حول نعم ولا فى استفتاء 19 مارس من العام الماضى تعيش مصر حالة «الجدل المستمر» بواسطة تخاطب نفسها وتفعل ذلك بصخب شديد. لكن من يرغب حقا فى الفوز بتقرير رأى عام يمثل رأى عامة الشعب فإنه يستطيع أن يحقق ذلك من خلال أحاديث الأندية وصالونات المنازل، والشوارع والمقاهى، ومن سائقى الميكروباص والتاكسى أو عبر عربات مترو الأنفاق المكدسة بناس مهمومة بالسياسة ومهمومة بالبحث عن رزق اليوم، لأن الاقتصاد فى النهاية سياسة.. صوت النخبة الصاخب يصل ويؤثر فى الناس بالتأكيد، إلا أن ذكاء المواطن البسيط يفوق خيال هذه النخبة.. ولذلك يجب الاهتمام بتقرير الرأى العام، وهو رأى متغير، مرة تجده ساخطا على من يشاغبون ويحرقون ويدمرون ويستخدمون المولوتوف والسيوف، ومرة تجده مؤيدا لمليونية الثورة مستمرة، ومرة يغضب الرأى العام من حكم العسكر، ومرة أخرى تجده هو نفسه يستنجد بالعسكر، ومرة تجد الرأى العام محتفيا بحكمة الإخوان، وبقدراتهم السياسية، ومرة أخرى يغضب من حكم الإخوان..
فى تلك المرة يدور حديث الرأى العام عن الجمعية التأسيسية للدستور، ونسبة البرلمان بمجلسيه وهى 50%، التى زادت والله أعلم بنسبة أخرى مستترة بشخصيات من خارج البرلمان تنتمى للتيار الدينى، هكذا يقول الناس.. فكيف ولماذا تقفز نسبة تمثيل هذا التيار خاصة أن الدستور لا يمثل البرلمان، ولا يمثل أغلبية تحكم اليوم، لأنها قد لا تحكم غدا، ثم كيف يصيغ البرلمان بمجلسيه الدستور، وربما يرى عموم الشعب أنه لا جدوى من مجلس الشورى.. وكذلك قد يرى عموم الشعب أنه لاجدوى من نسبة 50% عمال وفلاحين، خاصة أن مصر عجزت عن تعريف دقيق ومعبر للعامل وللفلاح؟
فى تقرير الرأى العام يقول المصريون الذين يتحدثون الآن فى السياسة أكثر مما يتكلمون فى كرة القدم أو فى بطاقات التموين والزيت والسكر والشاى الذى أغرقتنا فيه أنظمة سابقة، يقول المصريون: كان هذا الفوز الكاسح لجماعة الإخوان فى البرلمان يرجع إلى أنهم أكثر فئة تعرضت للقمع طوال عشرات السنين، وأنهم مارسوا السياسة فى الأزقة والشوارع والأرياف والنجوع، ووصلوا للناس بالدعوة وبالخدمة.. وهم قوم أمناء بحكم تدينهم فى وطن مسروق بحكم السلطة والنفوذ، والإخوان متصلون ومتواصلون، وكانوا دائما هناك وسط الناس وبينهم، بينما معظم الأحزاب السياسية تمارس السياسة بالخدعة وبالتمثيل وبالتصوير أمام كاميرات التليفزيون، وكانوا يلعبون المعارضة بالإيحاء على مسرح المارونيت؟
فى تقرير الرأى العام يقول المصريون صمدت الجماعة التى كانت محظورة عشرات السنين، لأنها مارست السياسة بالدعوة أو مارست الدعوة بالسياسة، وكانت دائما ترى أنها صاحبة رسالة، لكنها منذ زمن البداية أدركت أن الرسالة لن تصل بدون حكم.. إلا أن من يفوز بتأييد الناس للدعوة، قد يخسرهم بالسياسة، فالدعوة لايمكن الاختلاف عليها، أما السياسة فيمكن الخلاف حولها؟
انتهى التقرير.. وقريبا إن شاء الله تقرير آخر من قلب مترو الأنفاق..