رغم كل شىء، تبقى الانتخابات البرلمانية التى تبدأ اليوم، خطوة مهمة فى طرق نقل السلطة وامتلاك المؤسسات فى هذا البلد، هى الخطوة العملية الأولى والمتاحة حاليا لانتزاع شىء ما من العسكر، والسير معهم حتى باب الدار، فى إطار الجدول الزمنى الذى حددوه. لا أدعوك أو أنصحك بالمقاطعة رغم كل شىء، صحيح أننا كنا نتمنى أن تجرى انتخابات بهذه الأهمية فى مناخ أفضل سياسيا، وفى وضع أفضل أمنيا، لكن السياسة هى فن الممكن والمتاح قبل أن تكون المفترض.
أدعوك أن تذهب للصناديق لتقول كلمتك أيا كانت، رغم أن المجلس العسكرى ثبت أنه يريد من البرلمان القادم أن يكون شكليا، تعرف أن مهمة البرلمان هى التشريع والرقابة على الحكومة، وبرلمان هذه المرة لديه وفق الإعلان الدستورى مهمة مضافة وهى انتخاب لجنة الدستور، لكن المسئول القانونى فى المجلس اللواء ممدوح شاهين، خرج قبل ساعات من الانتخابات ليؤكد أن المجلس حتى موعد تسليم السلطة سيظل ممتلكا صلاحياته التشريعية، كما أن البرلمان الجديد لن يكون له أى سلطة على الحكومة ولن يكون من حقه سحب الثقة منها، والأهم أن وثيقة السلمى التى ثار جدل حولها بسبب تمييز القوات المسلحة، وأيضا تحكمها فى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية مازالت موجودة ولم تسقط أو تموت.
ماذا يبقى إذن من صلاحيات البرلمان؟، يريدونه برلمانا عاجزا عن محاسبة الحكومة، برلمانا لا ينفرد بسلطة التشريع لأن إصدار المراسيم سيبقى فى سلطة المجلس، وقبل ذلك قالوا إن أغلبية البرلمان المنتخب لن تشكل الحكومة، حتى مهمة انتخاب لجنة الدستور يصدمك ممدوح شاهين بالقول إنها مازالت حية بمعنى أن هناك من سيحاول التدخل فى سلطة البرلمان التى بانتخاب لجنة الدستور.
هل هذه ألغاز؟ إذا كانت الانتخابات خطوة على طريق نقل السلطة كما نعرف جميعا، فلابد أن يتسلم البرلمان الجديد بمجرد انعقاده كل الصلاحيات التشريعية والرقابية وصلاحية انتخاب لجنة الدستور من المجلس العسكرى، هكذا نكون استعدنا السلطة التشريعية، وتبقى السلطة التنفيذية لنستعيدها عقب انتخابات الرئاسة فى يونيو المقبل حسب التوقيتات التى أعلنها المشير بنفسه، لكن حديث شاهين ينسف كل ذلك، وكأننا سنذهب للانتخابات رغم ما فى المناخ من قلق واضطراب ومخاوف، لننتخب برلمانا ديكوريا، ليبقى العسكرى وحده ممسكا على مقاليد كل الأمور منفردا حتى بعد الانتخابات.
قطعا هذا سيناريو لا أرجوه، وإن كان هذا ما يعنيه شاهين ولا أحد يتقول عليه، لكن عندما تربط كل ذلك بأن الانتخابات ستتم على يومين وستبيت الصناديق طوال الليل فى حوزة من يحرسها، كما أن عددا كبيرا من قضاة المنصة تم استبعادهم لصالح أعضاء النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، إلى جانب الفرز الطائفى الذى جعل الشيخ القرضاوى يدعو لعدم التصويت لغير الإسلاميين والكنائس ترد عليه بقوائم.
كل ذلك يجعلك تستحضر مناخات انتخابات مبارك بكل تفاصيلها، وتتأكد أنه إذا كانت صناديق الاقتراع آلية ندعمها فميدان التحرير أيضا كذلك، ومن مصلحتنا جميعا أن يبقى المساران حاضرين دون تعارض، فإذا تسلم البرلمان بعد انتخابه بنزاهة سلطاته وصلاحياته كاملة من العسكرى، كان واجبا وملزما أن يتسلم الراية من ميدان التحرير أيضا.