رحل ظهر أمس الشاعر العاشق البسيط الجدلي «حلمي سالم»، بمستشفى القوات المسلحة في القاهرة، بعد إصابته بهبوط في الدورة الدموية وهو يستعد لتغيير خراطيم الغسيل الكلوي، ودفن بعدها بساعات، بمسقط رأسه بالمنوفية عن عمرٍ يناهز ال61 عاماً، تاركًا خلفه عشرات الدواوين والمؤلفات النقدية اشتركت فيما بينها في تمجيد المحبة والثورة والحياة.
وفور الوفاة؛ نقلت أسرة الشاعر جثمانه للمنزل ليجد بانتظاره نخبة من شعراء وكتاب جيل السبعينيات الذي ينتمي إليه، والذين قلما يجمعهم مكان واحد هم: جمال القصاص، وزين العابدين فؤاد، وشعبان يوسف، وعبد المنعم رمضان، وصلاح السروي، ومحمد سليمان، فضلاً عن الشاعرة الإماراتية ميسون صقر.
وكان آخر نشاطات حلمي سالم؛ أن احتفى قبيل وفاته في أمسية جمعت أحباءه في ندوة بحزب التجمع، بديوانه الأخير "معجزة التنفس" حصيلة رحلة المرض والشفاء من السرطان، هذا الذي غازله الشاعر قبل سنواتٍ من إصابته به قائلاً: يبدو أن خوفي من 'السرطان' الذي انتشر في الهواء، والذي أخذ مني مجموعة من أعز الناس جعلني أجفل من رثاء دنقل، حتى لا أكون في مواجهة مباشرة مع السرطان، وكأن سالم كان يعرف أن -ديوان "معجزة التنفس"- الخرزة الأخيرة في عقده الشعري، الخرزة التي آثر هذا الفنان الثائر أن يشاهدها تشيد اكتمال تجربته المتفردة، لاذعة القسوة، رغم حفاوتها بالحياة.
وتلك عادة حلمي سالم، الذي تواترت عليه أقسى الأمراض فكتبها شعراً لتذهب ويبقى الشعر، فالآن لن نذكر عن إصابته بجلطة المخ إلا ديوانه البديع "مدائح جلطة المخ" الذي قدم له الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور مرسياً عبره مصطلح "شعرية المرض"، وسنذكر بأسى ديوان "معجزة التنفس" عندما نتذكر غول سرطان الرئة الذي هزمه حلمي وسرق منه الديوان، أما الأزمة القلبية التي أودت بحلمي، وهو - للمفارقة - يعالج من الفشل الكلوي، فقد شكلها بدقة، قبلها بكثير في قصيدته البديعة "قلب مفتوح".
ومعروف أن حلمي سالم كان أبرز شعراء السبعينيات، وأكثرهم إنتاجاً، وهو فضلاً عن كونه رئيس تحرير شهرية "أدب ونقد" التي يصدرها حزب التجمع، كان رئيس تحرير مجلة "قوس قزح" الثقافية المستقلة، كما كان ضمن مؤسسي جماعة "إضاءة 77" المرتبطة بجماعة "أصوات" الأدبية.
وهو بالإضافة إلى ذلك أحد أهم عشاق الحياة، المحتفين بالثورات أينما كانت منذ "حبيبتي مزروعة في دماء الأرض 1974، و"سيرة بيروت" وصولاً إلى "ارفع راسك عاليةً" الذي أرخ عبره لثورة مصر 25 يناير.
كما عرف عنه وعن شعره احتفاءه الشديد بالمرأة والحب، فضلاً عن تفانيه سعياً للحرية اللا محدودة، تلك التي تلبسته شعراً وسلوكاً، وتربص له عبرها خفافيش الظلام، إذ اشتعلت عام 2007 أزمة بنفس عنوان قصيدته الشهيرة "شرفة ليلي مراد" التي نشرت بمجلة "إبداع"، وهاجمها بعض المتشددين بدعوى إساءتها للذات الإلهية فأصدر رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب حينها قرارًا بسحب نسخ العدد من الأسواق ليتهمه مجمع البحوث الإسلامية بكتابة قصيدة "تحمل إلحاداً وزندقة"، أعقبها مطالبات باستتابته، ثم مطالبات قضائية بعدم منحه جائزة التفوق، إلا أن القرار "استبعد" لأن القرار جاء من لجنة مختصة بالمجلس الأعلى للثقافة وبناء على عملية تصويت بين أعضاء المجلس.
لكن الأزمات التي سيثيرها شعر حلمي سالم لن تنتهي فعندما يشفى النقد الذي عجز عن ملاحقة الهرم الشعري لحلمي سالم، سيبين كم كان هذا الشاعر مجدداً في شعره، ومثيرًا للأزمات تماماً كالصعقات الكهربية في مخ وجسد الشعر والذائقة والوعي العربي.