«واهجر أحاديث السياسة والألى.. يتعلّقون بحبل كلّ سياسى إنى نبذت ثمارها مذ ذقتها.. ووجدت طعم الغدر فى أضراسى
وغسلت منها راحتى فغسلتها.. من سائر الأوضار والأدناس
وتركتها لاثنين: غرّ ساذج.. ومشعوذ كذب دسّاس
يرضى لوطنه يصير مواطنا.. وتصير أمّته إلى أجناس
ويبيعها بدراهم معدودة.. ولو أنها جاءت من الخنّاس
ما للمنافق من ضمير رادع.. أيّ الضمير لحيّة الأجراس؟»
بتلك الأبيات للشاعر إيليا أبو ماضى ختم الرئيس المثقف المنصف المرزوقى أول رئيس لتونس بعد الثورة المحاضرة التى ألقاها مساء أمس الأول على عدد من المثقفين والصحفيين، مطالبا الطبقة الحاكمة الجديدة فى دول الربيع العربى ب«أخلقة» السياسة وتكذيب الشاعر ايليا أبو ماضى الذى وصف الساسة ما بين غر ساذج أو مشعوذ كذب دساس أو منافق.
المرزوقى الذى أكد أن الثورات التى اندلعت فى تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا هى ثورة عربية واحدة، طالب الثوار والتيارات والقوى الثورية أن يمارسوا السياسية بأخلاق الثوار، وقال « أخلقة السياسة جزء لا يتجزأ من العمل الثورى، محذرا من الفشل وقال «لو فشلنا فى ممارسة السياسية بأخلاق فستسقط كل الثورات فالمطلب الأخلاقى عنصر أساسى من تواصل المشروع السياسي».
وحدد المرزوقى الذى وصف نفسه بالمثقف القومى العروبى الوحدوى 5 قوانين أساسية تتحكم فى مسار الثورات، مشيرا إلى أن الساسة الجدد فى دول الثورة العربية يجب أن يقفوا عند تلك القوانين حتى يعرفوا كيف يتحرك المسار الثورى.
أول تلك القوانين التى حددها الرئيس المثقف، أن لكل ثورة ثمنا وأحيانا يكون ثمنا باهظا يدفع جزء منه بشكل مسبق والجزء الآخر يدفع مؤخرا، وعلى السياسى أن يخفف من الثمن المؤخر وذلك بعدم الدخول بأى شكل من الأشكال فى تصفيات أعداء الثورة أو شركائها، «المجتمع كله سيدفع ثمنا باهظا لو بدأنا مرحلة التصفيات».
أما القانون الثانى للثورة بحسب المرزوقى «لكل ثورة ثورة مضادة»، مؤكدا أن الثورة المضادة التى يطلق عليها فى مصر «الفلول» ظاهرة ضعيفة، لن تستمر طويلا، فهؤلاء الذين ارتبطوا بمصالح مع الأنظمة السابقة يفعلوا كل ما فى وسعهم حتى يستعيدوا مكاسبهم أو أن ينتقموا من أصحاب الثورة الذين حرموهم من تلك المكاسب.
وقال المرزوقى إن «الفلول» سمموا علينا حياتنا، وهم الآن فى كل المؤسسات وموجودون فى كل مكان ويشتموننا ليلا ونهارا»، مشيرا إلى أن حل مشكلة الثورة المضادة هو الصبر على فلول هذه الأنظمة، لسببين: الأول أنه إذا تم مواجهتهم بالعنف فإن ذلك سيدنس الثورة، والسبب الثانى هو أن اعتقاده المطلق أن هذه الثورة المضادة ضعيفة وشبه مستحيلة، لأنها لكى تعود إلى الحكم مرة ثانية لابد أن يعود الخوف الذى حرر المواطن العربى قلبه وعقله منه ومعنى ذلك أنها تحتاج إلى تطبيق العنف وهو ما لن تقبله الشعوب العربية مرة أخرى.
ووجه المرزوقى، حديثه إلى الفلول فى مصر وتونس قائلا: «إذا أردتم العودة واستلام السلطة مرة أخرى فستواجهون ثورة على ثورتكم المضادة ولكنها ستكون عنيفة هذه المرة»، مشددا على أن الثورة المضادة لن يكون لها مستقبل فى كل الأحوال.
«الثورة تأكل أبناءها» هذا هو القانون الثالث الذى حدده المرزوقى، وقال «شركاء الثورة يصفّون بعضهم البعض»، لافتا إلى أن الخطر الحقيقى أن الثوار يدخلون فى خلافات مع بعضهم البعض ويأكل بعضهم بعضا».
وأضاف «لهذا بنينا فى تونس التحالف السياسى بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين لأننا أردنا أن نخرج من هذه الحلقة المفزعة، فلا بديل لنا إلى أن تصبح الدولة والمجتمع للجميع وتتعايش الأطراف داخل تعددية مقبولة»، معتبرا أن تونس نجحت فى ذلك إلى حد ما حتى الآن، والدور على مصر.
وتابع «الثورة يجب أن تبنى توافقا وطنيا يجمع كل شركاء الثورة حتى تصبح الدولة للجميع، دون إقصاء أو انفراد بالسلطة من أحد الأطراف، لأن مردود ذلك سيكون غاية فى الخطورة».
القانون الرابع الذى حدده الرئيس التونسى «الظلم الكبير الذى يقع على شباب الثورة، فمن قام بالثورة لا يتمتع بها»، ولفت المرزوقى النظر إلى أن الشباب الذين بقوا فى الشوارع وفتحوا صدورهم للرصاص ليس بالضرورة أن يديروا الدولة، فإدارة المجتمع تحتاج إلى خبرات أكبر».
إلا أن المرزوقى لفت النظر إلى أنه يجب على رجال السياسية رد الاعتبار للثوار والذهاب إلى المناطق الفقيرة التى اندلعت من شرارة الثورة وتطمينهم وزرع الأمل فيهم.
«ليس كل الثورات تحقق أهدافها أو أن تتحقق تلك الأهداف على مدار وقت طويل»، كان ذلك القانون الخامس والأخير الذى طالب المرزوقى الثوار بالوقوف عنده، مشيرا إلى أن الثورة الفرنسية استغرقت 70 سنة حتى حققت الجمهورية التى أرادت، كما دفعت الثورة الروسية ثمنا باهظا ملايين الضحايا، ومع ذلك عاد حكم الكنيسة والطبقة الرأسمالية.
وأضاف المرزوقى ليس كل الثورات تحقق أهدافها، والأهداف لا تتحقق فى أوقات قريبة»، مطالبا الثوار بعدم التعجل، وقال «أكثر كلمة أكرهها فى تونس كلمة توا بمعنى الآن، الشعب يريد كل شىء الآن وهذا مستحيل».
وختم المرزوقى حديثه عن قوانين الثورات الذى استمر نحو ساعتين ونصف بأنه يجب على الساسة فى دول الثورة العربية أن يخففوا من ثمن الثورة، وأن يتعاملوا مع الثورة المضادة بحكمة، وأن يعيدوا الاعتبار للثوار، وأن يتوافقوا ولا يأكل بعضهم بعضا، وأن يصبروا فلن تتحقق المدينة الفاضلة فى يوم وليلة».
وأضاف إن الثورة المجيدة التى قامت فى كل من مصر وتونس زادت العلاقة بين البلدين، وجعلت كل منا يتشارك من موقعه على نفس الطريق.
واعتبر المرزوقى أن ثورات الربيع العربى، أنها كلها ثورة واحدة وليست ثورات، قائلا:» إننا أمام ثورة عربية واحدة تختلف حسب البلدان فى بعض التفاصيل، إلا أنها فى النهاية واحدة».
وأضاف المرزوقى أنه كان من ضمن ممن وصفوا بالساذج، قائلا: إننى اقتنعت فى أحلك الظروف أن هذه الثورة ستحدث وهو ما كتبته فى إحدى مقالاتى، مؤكدا أن القرن سيكون قرن الثورة العربية، مؤكدا: على أن الثورة العربية يجب أن يكون لها رؤية تمكننا من التوجه الصحيح وممارسة ناجحة تمكننا من توجيه هذه الروية.