سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رئيس «الأورومتوسطية» لحقوق الإنسان ل«الشروق»: مصر فى مفترق 3 طرق.. دولة ديمقراطية أو عسكرية أو دينية المرأة المصرية تواجه خطر «السجن العائلى والدينى» والتهميش السياسى
المحامى الفرنسى، ميشيل توبيانا، هو الرئيس المنتخب حديثا للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، خلفا للناشط التونسى، كمال الجندوبى. «الشروق» أجرت حوارا مع توبيانا عقب إرسال الشبكة الأورومتوسطية خطابا للرئيس الجديد المنتخب، محمد مرسى، تطالبه فيه بالالتزام بالتعهدات التى قطعها، خلال لقائه مع الجندوبى قبل الانتخابات، باحترام حقوق الإنسان وإصلاح القضاء، وتعديل قانون الجمعيات واللوائح المنظمة لحصول المنظمات غير الحكومية على تمويل أجنبى، وفقا لضوابط قانونية موضوعية تتسم بالشفافية، والحكم الرشيد، واحترام التعددية وحقوق الإنسان للجميع دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو العرق أو أى سبب آخر، وفيما يلى نص الحوار:
● فى ظل الإعلان الدستورى المكمل الذى يحد من صلاحيات الرئيس، هل تعتقد أن مرسى سيكون قادرا على تطبيق توصياتكم؟ نعلم أن الإعلان الدستورى يحد من صلاحيات الرئيس، لكن الرئيس لديه هامش كبير من الحركة وعليه أن يسعى من أجل تأكيد سيادة الشعب الذى لديه طموحات وآمال كبيرة فى أول رئيس منتخب.
● فى رسالتكم إلى الرئيس طلبتم إصلاحات قضائية، كيف تنظرون إلى القضاء المصرى ومدى استقلاله؟ النظام القضائى المصرى محل جدل حقيقى، فعندما أبدى عدد من القضاة المصريون رغبة فى الاستقلال تم قمعهم، وهذا يعنى أن النظام القضائى برمته لا يضمن استقلال القضاة، ولا يتماشى مع معايير الامتثال القضائى للعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى وقّعت عليه مصر، سواء كان ذلك فى مراجعها القانونية أو فى النظام الأساسى للقضاء.
● لدى كثير من المصريين مخاوف من كون الرئيس إسلاميا، ما الذى يجب القيام به لتبديد تلك المخاوف؟ أنا أرفض الدخول فى هذا الجدل الذى من شأنه أن يجبرنا على اختيار رئيس تم تقديمه باعتباره عسكريا أو رجل الجيش لمجرد أن المرشح الآخر تم تقديمه على أنه إسلامى. والحقيقة أن كلا المرشحين لم يحصلا على ما يكفى من أصوات الناخبين، وبعض الناخبين كانوا مستائين لأنهم اضطروا إلى اختيار من لا يرغبون فيه، وسواء كان الرئيس إسلاميا أم لا، فإننا ننتظر من رئيس الجمهورية أن يحترم ويفرض احترام كل الحريات المدنية والسياسية، بما فى ذلك حرية الاعتقاد وحرية الضمير المطلقة، والمساواة فى النوع الاجتماعى بين الرجل والنساء.
● كيف تقيم سير المرحلة الانتقالية فى مصر بعد الثورة.. وهل ترى أن المصريين وقعوا فى أخطاء ما وصلت بهم لما هم عليه حاليا؟ أود أولا أن أحيى النساء والرجال والشباب الذين ثاروا فى مصر كما فى غيرها من البلدان، ليطالبوا بحريتهم. فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من سُجن. هذا التعطش للحرية والكرامة يُظهر كم هو غبى ومغلوط هذا النزاع الحضارى المزعوم، ففى شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه تتجلى نفس المطالب. ومع ذلك، أفضّل ألا أصدر أحكاما إيجابية أو سلبية على أصدقائنا المصريين، فما أراه هو بالفعل إجراء انتخابات فى مناسبتين دون أن يُطعن فيهما. ومقارنة بالانتخابات فى عهد مبارك، فإنه من الجور الجزم بأن الأمور لم تتحسن، ولكن فى الوقت نفسه، فإن عملية التحول الجارية لا تزال بعيدة كل البعد عن الاكتمال، بحيث يصبح كل شىء ممكنا، بدءا من إرساء دعائم الديمقراطية وصولا إلى الحكم العسكرى مرورا ببناء دولة دينية.
● ما هى التحديات التى تعوق تقدم مصر نحو الديمقراطية.. كيف يمكن مواجهتها أو معالجتها؟ يصعب الخروج من عقود ساد فيها نظام الطوارئ، ويزداد الأمر صعوبة عندما يعم الفساد هياكل الدولة، ويتسم الوضع الاجتماعى والاقتصادى بعدم الاستقرار. إن الديمقراطية هى قبل كل شىء عملية تنطوى على بعض المبادئ الأساسية، ولا تقتصر على الفترة الثورية (فهى التى تفسح المجال للعملية الديمقراطية)، وتذهب إلى أبعد من الفترة الانتقالية بكثير. فى الواقع، لكى تكون الديمقراطية فعالة، يجب أن تستشرف المستقبل دائما، لذلك فالأمر يتعلق بادئ ذى بدء بوضع أسس الديمقراطية من خلال انتخابات حرة نزيهة، ودعم حرية الصحافة، وحرية تكوين الجمعيات، واستقلال القضاء. كما يتعلق الأمر بإشراك المجتمع المدنى، والمواطنين والمواطنات بشكل أعم فى صياغة الدستور.
● كيف قرأت الأزمة التى ضربت منظمات المجتمع المدنى وهل تعتقد أنها تخفى دوافع سياسية؟ الإطار القانونى الذى يحكم منظمات المجتمع المدنى فى مصر يفرض قيودا تعسفية على حركة نشطاء حقوق الإنسان.. لقد لعبت منظمات حقوق الإنسان المصرية دورا بالغ الأهمية طوال سنوات حكم مبارك فى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم المساعدات القانونية للضحايا دون تمييز حتى أن جماعات الإسلام السياسى ذاتها استفادت من نشاط تلك المنظمات. أعتقد أن الأولوية الآن هو تحرير المجتمع المدنى وإدماجه فى خطة وطنية لإصلاح وضعية حقوق الإنسان فى مصر.
● هل هناك استراتيجية ما على منظمات المجتمع المدنى اتباعها بعد تعرضها لهجوم شرس؟ أحرص على ألا أملى على المجتمع المدنى المصرى أفعاله. فمن ناحية، أنا أتابع هذه الهجمات التى يتعرض لها بحجج واهية وأستنكرها تماما. وكما يقول المثل «من يريد أن يغرق كلبه يدعى إنه مريض بداء الكلب». ويقع على عاتق الحكومة، ورئيس الجمهورية الحالى، مسئولية ضمان حرية تكوين واستقلالية الجمعيات. ومن ناحية أخرى، لا تزال المطالبة بدستور يضمن الاحترام الكامل للحريات الأساسية، والفردية والجماعية بطبيعة الحال سارية. وأخيرا، يُعتبر إنشاء آلية من شأنها بيان حقيقة عمليات القمع والقتل التى حدثت منذ 25 يناير 2011 وحتى قبل هذا اليوم وتحديد الجناة والضحايا، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، والمحاسبة، ضرورة ملحة إذا ما رغبنا فى إعادة بناء حوار اجتماعى وليس شكلا من أشكال النسيان التى تنتهى دائما بالانفجار، ناهيك عن الأحقاد التى يغذيها هذا الوضع.
● كيف تقيّم وضع المرأة فى مصر فى مرحلة ما بعد الثورة؟ لكى أكون صادقا لست مرتاحا لوضع المرأة، يبدو أن البعض، بعد مرور أولى اللحظات الثورية، ينوى الزج بالمرأة فى سجن عائلى ودينى، واستبعادها من الحياة السياسة. وألاحظ أن البعض لا يتردد فى الوصول إلى أهدافه باستخدام العنف، بما فى ذلك العنف الجنسى. علينا أن نتفق على استحالة إرساء أسس الديمقراطية، أو نجاح مرحلة انتقالية دون الاعتراف بحقوق المرأة بشكل كامل، وفى نفس الوقت، أقول إن الرغبة الرائعة للمناضلات وبعض المناضلين لتمكين النساء من حقوقهن بإمكانها أن تحول دون إقصاء النساء بسبب جنسهن.
● هل تعتقد أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية تشهد تراجعا فى مصر بعد الثورة.. وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أى مدى؟ وهل تخشى أن يكون لهذا التراجع تأثير سلبى، لا سيما فى ما يتعلق بصعود الإسلام السياسى ووصوله إلى السلطة؟ لم يعد هناك وقت، أثناء المرحلة الانتقالية، للحديث عن التقدم أو التراجع، بالمقارنة مع ماذا إذا كان النظام برمته مختلا؟ ما يهم هو تلك المبادئ الديمقراطية التى نسعى إلى جعلها مهيمنة ومسيطرة فى هذه الفترة.
فالأمور تتأرجح ما بين بناء عملية ديمقراطية حقيقية، والقوات المسلحة، وبناء دولة دينية.. إن ما شجع الإسلام السياسى فى المقام الأول هو سنوات الديكتاتورية والركود التى انتهت لتوها، ثم عن أى إسلام نتحدث؟ لا ينبغى ان نبالغ فى عولمة حركة تضم فصائل مختلفة جدا، بما فى ذلك فى مصر. ملخص القول إذا ما كُتب على الإسلام مرة أخرى أن يكون فزاعة نلجأ إليها لكى نقبل على سبيل المثال بالحكم العسكرى، فكما أننا لم نقبل الوقوع فى هذا الفخ بالأمس، لن نقبله اليوم. ونحن بدورنا علينا أن نعضّ على مبادئنا بالنواجذ، وعلينا أن نذكّر الجميع بأن الديمقراطية هى كذلك مخاطرة، علينا أن نتحمل تبعات تلك المخاطرة. والحكم الإسلامى هو بدوره خطر آخر، والحكم العسكرى كذلك. ولكن ما تصبح هذه المخاطرة ممكنة مرة أخرى يمكننا تحمل مخاطر الديمقراطية ونتركها لتقودنا.
● ما هى توصيات الشبكة الأورومتوسطية التى رفعتها إلى الاتحاد الأوروبى لكى يغير سياساته تجاه دول جنوب البحر المتوسط بغية تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ الأمل أولا فى أن تتغير سياسة الاتحاد الأوروبى تجاه إسرائيل التى تبقى، أولا وأخيرا، بعيدة عن كل لوم أو توبيخ تقريبا، بينما انخرطت السلطات فى هذا البلد فى معركة مشكوك فيها ضد الشعب الفلسطينى المحتل منذ 65 عاما. لدى اقتناع بأنه إذا تحدثت دول الاتحاد الأوروبى بصوت واحد، فإن ذلك من شأنه أن يغير موقف الحكومة الإسرائيلية وربما موقف الولاياتالمتحدة على الأرجح. وفيما بعد ينبغى أن يحترم الاتحاد الأوروبى إرادة هذه الشعوب ليس بتوخى سياسة الصمت، ولكن دون السعى إلى فرض معاييره واختياراته.
● ينبغى كذلك أن يضع حدا للتمييز الذى تعانى منه بعض الجاليات فى أوروبا، وأن يعيد فتح حدوده ويتوقف عن تجريم جميع أنواع الهجرة. وأخيرا، ينبغى أن يقدم الدعم المالى اللازم لكى لا تتحول الأوضاع المزرية التى تواجهها العديد من البلدان فى المنطقة إلى انتفاضة اجتماعية، وإلا فإن العملية الديمقراطية برمتها ستكون هى الضحية.