فى شهر يناير الماضى، أمضى الكاتب الفرنسى جوناثان ليتل، أسبوعين فى مدينة حمص السورية، عاد منها بقصص كتبها فى رواية دفاتر حمص أو «carnets de homs»، والتى أصدرتها دار نشر «جاليمار» الباريسية. ومنذ السطر الأول، يحدد ليتل طبيعة كتابه بقوله إنه وثيقة وليس نصّا أدبيا، تتألف من ملاحظات دوّنها فى سوريا، بهدف استخدامها كركيزة لمقالات كان مقررا أن يكتبها فور عودته إلى باريس.
تدريجيا تكاثرت هذه الملاحظات وتحوّلت إلى نص طويل بفعل ما اختبره من أهوال خلال رحلته، أما ما دفعه إلى جمع هذه الملاحظات وإصدارها فى كتاب، فهو تشكيلها تقريرا دقيقا عن الفترة التى استبقت مباشرة مجازر النظام السورى بحمص فى فبراير الماضى. وكتب ليتل الملاحظات على شكل دفتر يوميات، ترصد ما عاشه الكاتب على مدار الساعة فى أحياء حمص، من16 يناير وحتى 2 فبراير.
ومن خطوط المواجهة الأمامية فى أحياء بابا عمرو والخالدية والبياضة والصفصافة وباب دريب وباب تدمر، إلى شوارع المدينة الداخلية، حيث تتم عمليات القتل بواسطة القنص أو القصف المدفعى العشوائى، إلى داخل المستشفيات المستحدثة، حيث تتكدّس الجثث.
وفى ملاحظاته، لا يكتفى ليتل بنقل ما شاهده فى حمص، بل يمنح فرصة الكلام أيضا لمقاتلين من الجيش السورى الحرّ ولأطباء ومدنيين. ويعلّق من حين إلى آخر على الصور المرعبة التى التقطها شبّان المدينة على هواتفهم المحمولة.
ويسرد بعضا من القصص الكثيرة التى سمعها أثناء تنقّلاته عن جار أو قريب قُتل قنصا، عن أطفال ذُبحوا بحدّ السكين، عن نساء تم احتجازهن وأحيانا اغتصابهن، عن جرحى توفّوا تحت التعذيب فى المستشفيات العسكرية، عن أطباء تم توقيفهم وقتلهم، عن عائلات طُردت من بيوتها، عن محاولات النظام المنهجية لإثارة النعرات الطائفية.
غالبية الأحداث التى يتطرّق ليتل إليها فى ملاحظاته معروفة وتتصدّر أخبار الصحف والنشرات الإخبارية منذ اندلاع الثورة السورية. لكن أهمية هذه الملاحظات تكمن خصوصا فى تسلسلها وطريقة صياغتها، التى تنجح فى ترجمة الإيقاع اليومى المخيف لعمليات القمع الدائرة فى سوريا.