فى الحادية عشرة من صباح اليوم، يصعد رئيس محكمة جنايات القاهرة، المستشار أحمد رفعت، إلى منصة القضاء، ربما للمرة الأخيرة فى حياته، قبل أن يتقاعد نهاية الشهر الجارى، ليصدر حكمه على المواطن محمد حسنى السيد مبارك، أول «فرعون» يخلعه الشعب المصرى عبر تاريخه. على سريره داخل القضبان، ينتظر الرئيس المخلوع كلمة واحدة من 3 كلمات، الإعدام، السجن، البراءة، وما بين الكلمات الثلاث، يحبس المصريون أنفاسهم، فالفرعون الذى خلعوه ب«الدم»، مازالت لديه الفرصة الأمل لأن يعود إلى عالمه السحرى، خارج المركز الطبى العالمى، وتحديدا فى شرم الشيخ، بينما لن يقبل أهالى الشهداء بالإعدام بديلا.
وبعد أن ينطق رفعت بكلمته، لن يبقى معقب على كلمته سوى شخص واحد، هو رئيس نيابات استئناف القاهرة، المستشار مصطفى سليمان، الذى سيحتفظ وفقا لمصادر قضائية، بحق الطعن على الحكم، إذا كانت العقوبة الموقعة على المتهمين، ليست بين الحدين الأدنى والأقصى من عقوبات الاتهامات التى وجهها إلى مبارك وآله.
مبارك الذى ربما يراه المصريون للمرة الأخيرة داخل قفصه، فى أكاديمية الشرطة، ينتظر الحكم فى نفس المكان الذى بناه ليحمل اسمه، أكاديمية مبارك، دون أن يعرف وقتها أن المبنى سيخلد الاسم بالفعل، ولكن باعتباره المكان الذى حاكم فيه المصريون فرعونهم، بعد 30 عاما.
3 سيناريوهات فقط لمصير مبارك، يملك المستشار أحمد رفعت الإعلان عن أحدها، اليوم، وفقا لتأكيدات مصادر قضائية ل«الشروق»، وهى السجن فى حالة الإدانة، أو الإعدام إذا تقينت هيئة المحكمة أن مبارك أصدر أوامر بقتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحى، وأخيرا البراءة، استنادا إلى شهادة كل من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير طنطاوى، ونائب الرئيس المخلوع ورئيس جهاز المخابرات السابق، اللواء عمر سليمان، واللذين أكدا أن مبارك لم يصدر أوامر بإطلاق النار.
السيناريو الأول.. السجن
أكدت المصادر القضائية، أن استخدام قوات الأمن للرصاص الحى فى التصدى للمتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، يعتبر خطأ قانونيا لا يغتفر، لأن أى تجاوز من جانب أجهزة الامن، أو استخدام وسيلة أشد قبل الأخف فى التعامل مع المتظاهرين، فهو خطأ يعاقب عليه القانون، بحسب النتيجة التى يسفر عنها.
وأوضحت المصادر أن الفاعل الأصلى فى جريمة قتل المتظاهرين، والذى أطلق الرصاص عليهم فى ميدان التحرير، مجهولا، بينما تم تقديم مبارك والعادلى على أنهما اشتركا مع آخرين من رجال الأمن فى إطلاق الرصاص، الذى قتل وأصاب الثوار.
وتوقعت المصادر أن يصدر القاضى حكمه على مبارك والعادلى، باعتبارهما اشتركا فى جريمة قتل أفضى إلى موت، وليس فى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، استنادا إلى أن القتل العمد يشترط فيه أن تتجه إرادة ونية الجانى إلى قتل المجنى عليه، وليس إصابته أو تهديده، أو إجباره على فض التظاهر، كما يشترط فى القتل العمد أيضا، أن يكون هناك سابق معرفة بين الجانى والمجنى عليه.
وأشارت المصادر إلى أن رجل الأمن الذى أطلق الرصاص على الثوار فى ميدان التحرير، لا يعرف اسم أو هوية أى منهم، وليست هناك خصومة بين الطرفين، ولكن القصد الأساسى له هو فض التظاهر، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وإذا ثبت أن مبارك والعادلى أصدرا أوامرهما بفض المظاهرات بالقوة، أو باستخدام الرصاص الحى، فإنه وفقا للقانون، سيتم إصدار الحكم ضدهما بالسجن بحد أقصى 7 سنوات، باعتبار أن جرائم قتل المتظاهرين، حسب التوصيف القانونى فى قانون العقوبات، هى «ضرب أفضى إلى موت»، ونفس الامر فى حالة ثبوت الادعاء بأن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحى، دون الحصول على أوامر بذلك من مبارك.
وفى حالة تمكن الإدعاء من إقناع المحكمة، بأن مبارك كان يعلم بعمليات قتل المتظاهرين بالرصاص الحى، وأنه أعطى أوامر بذلك، فإن هيئة المحكمة قد تراعى فى هذه الحالة عامل السن، خاصة أن مبارك يبلغ من العمر 85 عاما، وتستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة ضده.
أما ما يتعلق بجريمة استغلال النفوذ، وإهدار المال العام، وتصدير الغاز لاسرائيل بثمن بخس، والمتهم فيها كل من مبارك ونجليه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، فأشارت المصادر إلى أن القانون المصرى يعاقب المتهم فى هذه الجرائم، بالسجن مدة لا تقل عن 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عاما، على أن تكون مدة العقوبة تقديرية للقاضى.
وتوقعت المصادر القضائية، أن تتراوح فترة السجن ما بين 3 و15 عاما، فى حالة الحكم على مبارك بالسجن، أو بالأشغال الشاقة المؤبدة عن مجمل الاتهامات الموجهة إليه، وهو ما ترى المصادر أنه الأقرب على أرض الواقع، وعندها سيكون مبارك مجبرا على ارتداء البدلة الزرقاء، باعتباره لم يعد مسجونا احتياطيا، مثل وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلى.
السيناريو الثانى.. الإعدام
ويأتى حكم الإعدام كأحد البدائل المطروحة أمام رفعت، فى التعامل مع المتهمين فى قضية قتل المتظاهرين، حسبما تقول المصادر القضائية، «فالمحكمة قد تصدر حكما بالإعدام ضد مبارك، إذا ثبت فى يقينها، أنه أعطى أوامر صريحة بقتل المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحى، أو إذا كان يعلم بعمليات القتل، ولم يعط تعليماته بوقفها، لأنه وقتها سيعاقب بعقوبة القتل مع سبق الإصرار والترصد». وبحسب المصادر القضائية، ففى تلك الحالة، ستستجيب المحكمة لطلب النيابة العامة، التى قدمت مبارك والعادلى ومساعديه، بتهمة الاشتراك فى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، والتى تنص المادة 230 من قانون العقوبات على أن عقوبتها هى الإعدام، حيث «يعاقب المحرض والمشترك فى جريمة القتل العمد بالعقوبة نفسها التى يعاقب بها الفاعل الأصلى»، وفقا للمادة.
وفيما استبعدت المصادر القضائية صدور حكم بالإعدام ضد مبارك والعادلى، اعتبر قانونيون أن حكما بإعدام مبارك يبدو مستحيلا، نظرا لعدة أسباب، أهمها أن مبارك يبلغ من العمر 85 عاما.
وفى حالة صدور الحكم بإعدام مبارك، فإن المحكمة سوف تقرر إحالة أوراقه إلى مفتى الجمهورية، وتحديد موعد جلسة أخرى للنطق بالحكم، وبعد استطلاع رأى المفتى «الاستشارى»، يمكن لهيئة المحكمة أن تستخدم سلطتها لوقف التنفيذ وتخفيف الحكم، أو أن تصدق على حكم الإعدام، وفى هذه الحالة يتم إيداع الحيثيات، أو البدء فى إجراءات النقض، بعد الجلسة الثانية، وتحديد موعد لتنفيذ حكم الإعدام.
السيناريو الثالث.. البراءة
تشير المصادر القضائية إلى أن الحكم ببراءة مبارك، من الاتهامات الموجهة إليه بقتل المتظاهرين، فى حالة صدوره، سيكون قد جاء استنادا إلى الشهادات التى أدلى بها كل من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوى، ومدير جهاز المخابرات العامة السابق، اللواء عمر سليمان، ووزيرى الداخلية السابقين اللواء محمود وجدى واللواء منصور عيسوى، والذين أكدوا فى شهادتهم، وتحديدا سليمان، أن مبارك والعادلى لم يصدرا أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين.
وأوضحت المصادر أن الأدلة التى قدمها المدعون بالحق المدنى إلى المستشار أحمد رفعت، كافية لإدانة مبارك والعادلى، مثل الأقراص المدمجة، وشهود العيان، والمواد الإعلامية التى بثتها القنوات الفضائية، وفوارغ الأسلحة، بالإضافة إلى سوء النية مثل إتلاف الأدلة من «سيديهات» و«فلاشات»، والتى كان هناك تعمد لإخفائها.
وأشارت المصادر إلى أن كل هذة الأدلة لا تؤدى إلى البراءة، بالإضافة إلى وجود مسئولية للتابع عن سلوكيات المتبوع، وهو ما يعنى أن الرئيس السابق هو المسئول الأول عن البلاد فى أثناء الثورة، وأنه لا يستطيع إنكار أن له علاقة بما حدث من قتل للمتظاهرين، كما كانت لديه القدرة على التدخل لوقف أى اعتداء على المتظاهرين، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى لجهاز الشرطة.
مصادر قضائية: مد أجل النطق بالحكم هو الحل السحرى لتفادى «جولة الإعادة»
گفر مصيلحة تحاكم «ابنها»
سجن طرة غير جاهز لاستقبال مبارك
أهالى شهداء الثورة وأبناء مبارك.. وجهًا لوجه أمام أكاديمية الشرطة